النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة قريش

مكية في قول الأكثرين . ومدنية في قول الضحاك .

بسم الله الرحمان الرحيم

وفي قوله تعالى { لإيلافِ قُريْشٍ } الإيلاف مأخوذ من أَلِف يأْلَف ، وهي العادة المألوفة ، ومنه قولهم : ائتلف القوم .

وفي قوله { لإيلاف قريش } أربعة أقاويل :

أحدها : نعمتي{[3348]} على قريش ؛ لأن نعمة الله عليهم أن ألفه لهم ، قاله ابن عباس ومجاهد .

الثاني : لإيلاف الله لهم ؛ لأنه آلفهم إيلافاً ، قاله الخليل بن أحمد .

الثالث : لإيلاف قريش حَرَمي وقيامهم ببيتي ، وهذا معنى قول الحسن .

الرابع : لإيلاف ما ذكره من رحلة الشتاء والصيف في معايشهم ، قاله مكحول .

وفي اللام التي في " لإيلاف قريش " قولان :

أحدهما : أنه صلة يرجع إلى السورة المتقدمة من قوله { ألم تر كيف } إلى أن قال : { فجعلهم كعصْف مأكولٍ } لإيلاف قريش ، فصار معناه أن ما فعله بأصحاب الفيل لأجل إيلاف قريش ، قاله ثعلب ، وكان عمر وأبيّ بن كعب لا يفصلان بين السورتين ويقرآنهما كالسورة الواحدة ، ويريان أنهما سورة واحدة ، أي : ألم تر لإيلاف قريش .

الثاني : أن اللام صلة ترجع إلى ما بعدها من قوله { فَلْيَعْبُدوا رب هذا البَيْتِ } ، ويكون معناه لنعمتي على قريش فَلْيَعْبُدوا رَبَّ هذا البيت ، قاله أهل البصرة ، وقرأ عكرمة ، ليألف قريش ، وكان يعيب على من يقرأ " لإيلاف قريش " .

وقرأ بعض أهل مكة : إلاف قريش ، واستشهد بقول أبي طالب يوصي أخاه أبا لهب برسول الله صلى الله عليه وسلم :

فلا تَتْركْنهُ ما حَييتَ لمعظمٍ *** وكن رجلاً ذا نَجدةٍ وعفافِ

تَذودُ العِدا عن عُصْبةٍ هاشميةٍ *** إلافُهُمُ في الناس خيرُ إلافِ

وأما قريش فهم بنو النضر بن كنانة ، وقيل : بنو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ، ومن لم تلده فهر فليس من قريش ، وعلى المشهور أن بني النضر بن كنانة ومن تلده من قريش ، وإن لم يكونوا من بني فهر ، وقد كانوا متفرقين في غير الحرم ، فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم حتى اتخذوه مسكناً ، قال الشاعر :

أبونا قصيٌّ كان يُدْعى مجمّعاً *** به جمع اللَه القبائلَ مِن فهر

واختلفوا في تسميتهم قريشاً على أربعة أقاويل :

أحدها : لتجمعهم بعد التفرق ، والتقريش التجميع ، ومنه قول الشاعر{[3349]} :

إخوةٌ قرَّشوا الذنوب علينا *** في حَديثٍ مِن دَهْرِهم وقَديمِ

الثاني : لأنهم كانوا تجاراً يأكلون من مكاسبهم ، والتقريش التكسب .

الثالث : أنهم كانوا يفتشون الحاج عن ذي الخلة فيسدون خلته ، والقرش : التفتيش ، قال الشاعر{[3350]} :

أيها الشامتُ المقِّرشُ عَنّا *** عند عَمرو فهل له إبْقاءُ

الرابع : أن قريشاً اسم دابة في البحر ، من أقوى دوابه ، سميت قريشاً لقوتها وأنها تأكل ولا تؤكل ، وتعلو ولا تعلى ، قاله ابن عباس ، واستشهد بقول الشاعر{[3351]} :

هكذا في العباد حيُّ قريش *** يأكلون البلادَ أكْلاً كشيشاً{[3352]}

ولهم آخرَ الزمان نبيٌّ *** يَكثر القتل فيهمُ والخموشا{[3353]}

يملأُ الأرضَ خَيلةً ورجالاً *** يحشُرون المطيَّ حشْراً كميشاً{[3354]}

تأكل الغثَّ والسَمينَ ولا تت *** رُكُ يوماً في جناحين ريشاً .

وقريش هي التي تسكن البح *** ر بها سميت قريش قريشاً .

سلّطت بالعلو في لجج البحر *** على سائر البحور جيوشاً .


[3348]:أي نعمتي على قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف كما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
[3349]:هو أبو جلدة اليشكري.
[3350]:هو الحارث بن حلزة، والبيت من معلقته، وروايته كما في شرح المعلقات: أيها الشامث المرقش عند عمرو وهل لذاك بقاء والمرقش: المزين القول بالباطل، وعلى هذا لا شاهد فيه.
[3351]:هو تبع.
[3352]:الكشيش: في الأصل الصوت الخفي. والمراد بسهولة بلا إرهاب ولا أتعاب.
[3353]:الخموش: مثل الخدوش وزنا ومعنى.
[3354]:الخيلة: الخيالة. الرجل: المشاة. الكميش: السريع.