قوله تعالى : { ألمْ تَرَ كيفَ فَعَلَ ربُّكَ بأصْحابِ الفِيل } فيه وجهان :
أحدهما : ألم تخبر فتعلم كيف فعل ربك بأصحاب الفيل .
الثاني : ألم ترَ آثار ما فعل ربك بأصحاب الفيل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير أصحاب الفيل .
واختلف في مولده عليه السلام من عام الفيل على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن مولده بعد أربعين سنة من عام الفيل ، قاله مقاتل .
الثاني : بعد ثلاث وعشرين سنة منه ، قاله الكلبي وعبيد بن عمير .
الثالث : أنه عام{[3336]} الفيل ، روي ذلك عن النبي{[3337]} صلى الله عليه وسلم ، وروي عنه أنه قال : ولدت يوم الفيل .
واختلف في سبب الفيل على قولين :
أحدهما : ماحكاه ابن عباس : أن أبرهة بن الصباح بنى بيعة بيضاء يقال لها القليس ، وكتب إلى النجاشي إني لست منتهياً حتى أصرف إليها حج العرب ، فسمع ذلك رجل من كنانة ، فخرج إلى القليس ودخلها ليلاً فأحدث فيها ، فبلغ ذلك أبرهة فحلف بالله ليسيرن إلى الكعبة فيهدمها ، فجمع الأحابيش وجنّد الأجناد ، وسار ، ودليله أبو رغال ، حتى نزل بالمغمّس{[3338]} ، وجعل على مقدمته الأسود بن مقصود حتى سبى سرح مكة وفيه مائتا بعير لعبد المطلب قد قلّد بعضها ، وفيه يقول عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف :
لأهمّ أخْزِ الأسود بن مقصودِ *** الآخذ الهجمة فيها التقليدْ
بين حراء ، وثبير فالبيد *** يحبسها وفي أُولات التطريدْ
فضمّها إلى طماطم سُودْ *** قد أجْمعوا ألا يكون معبودْ .
ويهْدموا البيت الحرام المعمود *** والمروتين والمشاعر السودْ
اخْفره يا ربِّ وأنت محمودْ{[3339]} ***
وتوجه عبد المطلب وكان وسيماً جسيماً لا تأخذه العين إلى أبرهة ، وسأله في إبله التي أخذت ، فقال أبرهة : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك وقد زهدت الآن فيك ، قال : ولم ؟ قال : جئت لأهدم بيتاً هو دينك ودين آبائك فلم تكلمني فيه ، وكلمتني في مائتي بعير لك ، فقال عبد المطلب : الإبل أنا ربها ، وللبيت رب سيمنعه ، فقال أبرهة : ما كان ليمنعه مني ، فقال عبد المطلب : لقد طلبته تبّع وسيف بن ذي يزن وكسرى فلم يقدروا عليه ، وأنت ذاك فرد عليه إبله ، وخرج عبد المطلب وعاد إلى مكة ، فأخبر قريشاً بالتحرز في الجبال ، وأتى البيت وأخذ بحلقة الباب وجعل يقول :
لاهمّ إنّ العْبدَ يَمْ *** نَعُ رحْلَهُ فامْنَع حَلالَكْ .
لا يَغْلبنّ صَليبُهم *** ومحالُهم غَدْواً{[3340]} مِحالكْ .
إنْ كنتَ تاركَهم وقب *** لَتَنا فأمْرٌ ما بدا لَكَ .
الثاني : ما حكاه الكلبي ومقاتل -يزيد أحدهما وينقص- أن فتية من قريش خرجوا إلى أرض الحبشة تجاراً ، فنزلوا على ساحل البحر على بيعة النصارى في حقف من أحقافها ، قال الكلبي : تسمى البيعة ما سرجيان ، وقال مقاتل : تسمى الهيكل ، فأوقدوا ناراً لطعامهم وتركوها وارتحلوا ، فهبت ريح عاصف فاضطرمت البيعة ناراً فاحترقت ، فأتى الصريخ إلى النجاشي فأخبره ، فاستشاط غضباً ، وأتاه أبرهة بن الصبّاح وحجر بن شراحبيل وأبو يكسوم الكِنْديون ، وضمنوا له إحراق الكعبة وسبي مكة ، وكان النجاشي هو الملك ، وأبرهة صاحب الجيش ، وأبو يكسوم نديم الملك وقيل : وزيره ، وحجر بن شراحبيل من قواده ، وقال مجاهد : أبو يكسوم هو أبرهة بن الصبّاح ، فساروا بالجيش ومعهم الفيل ، قال الأكثرون : هو فيل واحد .
وقال الضحاك : كانت ثمانية فيلة . ونزلوا بذي المجاز ، واستاقوا سرح مكة ، وفيها إبل عبد المطلب ، وأتى الراعي نذيراً فصعد الصفا وصاح : واصباحاه ! ثم أخبر الناس بمجيء الجيش والفيل ، فخرج عبد المطلب وتوجه إلى أبرهة وسأله في إبله ، فردّها مستهزئاً ليعود لأخذها إذا دخل مكة .
واختلف في النجاشي هل كان معهم أم لا ، فقال قوم : كان معهم ، وقال الآخرون : لم يكن معهم .
وتوجه الجيش إلى مكة لإحراق الكعبة ، فلما ولى عبد المطلب بإبله احترزها في جبال مكة ، وتوجه إلى مكة من طريق منى ، وكان الفيل إذا بعث إلى الحرم أحجم ، وإذا عدل به عنه أقدم ، قال محمد بن إسحاق : كان اسم الفيل محمود ، وقالت عائشة{[3341]} : رأيت قائد الفيل وسائقه أعميين مقعدين يستطعمان أهل مكة .
ووقفوا بالمغمّس فقال عبد الله بن مخزوم :
أنت الجليل ربنا لم تدنس *** أنت حبست الفيل بالمغمّس
حبسته في هيئة المكركس *** وما لهم من فرجٍ ومنفسِ .
وبصر أهل مكة بالطير قد أقبلت من ناحية البحر ، فقال عبد المطلب : إن هذه لطير غريبة بأرضنا ، ما هي بنجدية ولا تهامية ولا حجازية ، وإنها أشباه اليعاسيب ، وكان في مناقيرها وأرجلها حجارة ، فلما أطلت على القوم ألقتها عليهم حتى هلكوا ، قال عطاء بن أبي رباح : جاءت الطير عشية فبانت ، ثم صبحتهم بالغداة فرمتهم ، وقال عطية العوفي : سألت عنها أبا سعيد الخدري : فقال : حمام مكة منها .
وأفلت من القوم أبرهة ورجع إلى اليمن فهلك في الطريق .
وقال الواقدي : أبرهة هو جد النجاشي الذي كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما أيقنوا بهلاك القوم ، قال الشاعر{[3342]} :
أين المفر والإله الطالبْ *** والأَشرمُ المغلوبُ ليس الغالبْ
يعني بالأشرم أبرهة ، سمي بذلك ؛ لأن أرياط ضربه بحربة فشرم أنفة وجبينه ، أي وقع بعضه على بعض .
وقال أبو الصلت بن مسعود{[3343]} ، وقيل : بل قاله عبد المطلب :
إنّ آياتِ ربِّنا ناطِقاتٌ *** لا يُماري بهنّ إلا الكَفُور{[3344]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.