النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٞ يُصَلِّي فِي ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدٗا وَحَصُورٗا وَنَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (39)

قوله تعالى : { فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ } قرأ حمزة ، والكسائي : { فَنَادَاه الْمَلآئِكَةُ } ، وفي مناداته قولان :

أحدهما : أنه جبريل وحده ، وهو قول السدي .

والثاني : جماعة من الملائكة .

{ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى{[535]} } قيل إنما سمّاه يحيى لأن الله تعالى أحياه بالإيمان ، وسماه بهذا الإسم قبل مولده .

{ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ } فيه قولان :

أحدهما : بكتاب من الله ، وهذا قول أبي عبيدة وأهل البصرة .

والثاني : يعني المسيح ، وهذا قول ابن عباس ، وقتادة ، والربيع ، والضحاك ، والسدي .

واختلفوا في تسميته كلمة من الله على قولين :

أحدهما : أنه خلقه بكلمته من غير أب .

والثاني : أنه سُمِيَ بذلك لأن الناس يهتدون به في دينهم كما يهتدون بكلام الله عز وجل .

{ وَسَيِّداً } فيه خمسة أقاويل :

أحدها : أنه الخليفة ، وهو قول قتادة .

والثاني : أنه التقي ، وهو قول سالم .

والثالث : أنه الشريف ، وهو قول ابن زيد .

والرابع : أنه الفقيه العالم ، وهو قول سعيد بن المسيب .

والخامس : سيد المؤمنين ، يعني بالرياسة عليهم ، وهذا قول بعض المتكلمين .

{ وَحَصُوراً } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه كان عِنَّيناً لا ماء له ، وهذا قول ابن مسعود ، وابن عباس ، والضحاك .

والثاني : أنه كان لا يأتي النساء ، وهو قول قتادة ، والحسن .

والثالث : أنه لم يكن له ما يأتي به النساء ، لأنه كان معه مثل الهْدبة{[536]} ، وهو قول سعيد بن المسيب .


[535]:- سقط من ك.
[536]:- في ق النواة، وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلا يحيى بن زكريا فإنه كان سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال: كان ذكره مثل هذه القذاة.