قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النساءِ } فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يعني إن خفتم ألا تعدلوا في نكاح اليتامى ، فانكحوا ما حَلَّ لكم من غيرهن من النساء ، وهو قول عائشة رضي الله عنها .
والثاني : أنهم كانوا يخافون ألاّ يعدلوا في أموال اليتامى ، ولا يخافون أن لا يعدلوا في النساء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، يريد كما خفتم ألاّ تعدلوا في أموال اليتامى ، فهكذا خافوا ألا تعدلوا في النساء ، وهذا قول سعيد بن جبير ، والسدي ، وقتادة .
والثالث : أنهم كانوا يتوقَّون أموال اليتامى ولا يتوقَّون الزنى ، فقال كما خفتم في أموال اليتامى ، فخافوا الزنى ، وانكحوا ما طاب لكم من النساء ، وهذا قول مجاهد .
والرابع : أن سبب نزولها ، أن قريشاً في الجاهلية كانت تكثر التزويج بغير عدد محصور ، فإذا كثر على الواحد منهم مؤن زوجاته ، وقَلَّ مالُه ، مدّ يده إلى ما عنده من أموال الأيتام ، فأنزل الله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ } .
{ مثنى وثلاث ورباع } تقديرا لعددهن وحصرا لمن أبيح نكاحه منهن ، وهذا قول عكرمة .
وفي قوله تعالى : { مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسَاءِ } قولان :
أحدهما : أن ذلك عائد إلى النساء وتقديره فانكحوا من النساء ما حلَّ . وهذا قول الفراء .
والثاني : أن ذلك عائد إلى النكاح وتقديره فانكحوا النساء نكاحاً طيباً . وهذا قول مجاهد .
وقوله تعالى : { مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } معدول به عن اثنين وثلاث وأربع ، وكذلك أُحاد وموحد ، وثناء ومثنى ، وثلاث ومثلث ، ورباع ومربع ، وهو اسم للعدد معرفة ، وقد جاء الشعر بمثل ذلك ، قال تميم بن أبي مقبل :
ترى العثرات الزُّرْق تحت لَبَانِه *** أُحاد ومثْنى أضعفتها كواهِله
قتلنا به من بين مَثْنى وموحد *** بأربعة منكم وآخر خامس
قال أبو عبيدة : ولم يسمع من العرب صرف ما جاوز الرباع والمربع عن جهته إلا في بيت للكميت ، فإنه قال في العشرة عُشار وهو قوله :
فلم يَسْتَرِ يَثُوكَ حتى رَمِدْ *** ت فوق الرجال خِصالاً عشاراً
وقال أبو حاتم : بل قد جاء في كلامهم من الواحد إلى العشرة ، وأنشد قول الشاعر :
ضربت خماس ضربة عبشمى *** أدار سداس ألاَّ يستقيما
{ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا } يعني في الأربع ، { فَوَاحِدَةً } يعني من النساء .
{ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } يعني في الإماء .
{ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا } فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أَلاَّ يكثر مَنْ تعولون ، وهو قول الشافعي .
والثاني : معناه ألاّ تضلوا ، وهو قول ابن إسحاق ، ورواه عن مجاهد .
والثالث : ألا تميلوا عن الحق وتجوروا وهو قول ابن عباس ، وقتادة ، وعكرمة .
وأصل العول الخروج عن الحد ، ومنه عول الفرائض لخروجها عن حد السهام المسمّاة ، وأنشد عكرمة بيتاً لأبي طالب :
بميزان قسط لا يَخيسُ شعيرةً *** ووازن صِدْقٍ وزنهُ غير عائل
وكتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه : إني لست بميزان قسطٍ لا أعول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.