تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم حذرهم المؤمن عذاب الآخرة فقال: {ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد} يعني يوم ينادي أهل الجنة أهل النار {أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا} [الأعراف:44]، وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة: {أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله} [الأعراف:50].
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا المؤمن لفرعون وقومه: وَيا قَوْمِ إنّي أخافُ عَلَيْكُمْ بقتلكم موسى إن قتلتموه عقاب الله "يَوْمَ التّنادِ".
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: "يَوْمَ التّنَادِ"؛ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: "يَوْمَ التّنادِ" بتخفيف الدال، وترك إثبات الياء، بمعنى التفاعل، من تنادي القوم تناديا، كما قال جلّ ثناؤه: "وَنادَى أصحَابُ الجَنّةِ أصحَابَ النّارِ أنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبّنا حَقّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبّكُمْ حَقّا قالُوا نَعَمْ"، وقال: "وَنَادَى أصحَابُ النّارِ أصْحَابَ الجَنّةِ أنّ أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الماءِ"، فلذلك تأوّله قارئو ذلك كذلك...
وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى ذلك على هذه القراءة تأويل آخر على غير هذا الوجه وهو ما: حدثنا به أبو كُرَيب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، عن إسماعيل بن رافع المدنّي، عن يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظيّ، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَأْمُرُ اللّهُ إسْرَافِيلَ بالنّفْخَةِ الأُولى، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ، فَفَزِعَ أهْلُ السّمَوَاتِ وأهْلُ الأرْضِ إلاّ مَنْ شَاءَ اللّهُ، ويَأْمُرُهُ اللّهُ أنْ يُدِيمَها وَيُطَوّلَهَا فَلا يَفْتَرُ، وَهِيَ التي يَقُولُ اللّهُ: وَما يَنْظُرُ هَولاءِ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةٍ ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ، فَيُسَيّرُ اللّهُ الجِبالَ فَتَكُونُ سَرَابا، فَتُرَجّ الأرْضُ بأهْلِها رَجّا، وَهِيَ التي يَقُولُ اللّهُ: يَوْمَ تُرْجَفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ فَتَكُونُ كالسّفِينَةِ المُرْتَعَةِ فِي البَحْرِ تَضَرِبُها الأمْوَاجُ تَكْفأُ بأهْلِها، أوْ كالقِنْدِيلِ المُعَلّقِ بالعَرْشِ تَرُجّهُ الأرْوَاحُ، فَتَمِيدُ النّاسَ عَلى ظَهْرِها، فَتَذْهَلُ المَرَاضِعُ، وَتَضَعُ الحَوَامِلُ، وَتَشِيبُ الوِلْدانُ، وَتَطِيرُ الشّياطِينُ هارِبَةً حتى تأتي الأقْطارَ، فَتَلَقّاها المَلائِكَةُ، فَتَضْرِبُ وُجُوهَها، فَترْجِعَ وَيُوَلي النّاسُ مُدْبِرينَ، يُنادِي بَعْضُهُمْ بَعْضا، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ اللّهُ: "يَوْمَ التّنادِ يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمِ"».
فعلى هذا التأويل معنى الكلام: ويا قوم إني أخاف عليكم يوم ينادي الناس بعضهم بعضا من فزع نفخة الفزع.
وقرأ ذلك آخرون: «يَوْمَ التّنادّ» بتشديد الدال، بمعنى: التفاعل من النّدّ، وذلك إذا هربوا فنَدّوا في الأرض، كما تَنِدّ الإبل: إذا شَرَدَت على أربابها... والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، وهو تخفيف الدال وبغير إثبات الياء، وذلك أن ذلك هو القراءة التي عليها الحجة مجمعة من قرّاء الأمصار، وغير جائز خلافها فيما جاءت به نقلاً. فإذا كان ذلك هو الصواب، فمعنى الكلام: ويا قوم إني أخاف عليكم يوم ينادي الناس بعضُهم بعضا، إما من هول ما قد عاينوا من عظيم سلطان الله، وفظاعة ما غشيهم من كرب ذلك اليوم، وإما لتذكير بعضهم بعضا إنجاز الله إياهم الوعد الذي وعدهم في الدنيا، واستغاثة من بعضهم ببعض، مما لقي من عظيم البلاء فيه.
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
ثم خوفهم بيوم القيامة وهو قوله {إني أخاف عليكم يوم التناد} وذلك أنه يكثر النداء في ذلك اليوم ينادى بالسعادة والشقاوة وينادى فيدعى كل أناس بإمامهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما أشرق من آفاق هذا الوعظ شمس البعث ونور الحشر؛ لأنه لا يسوغ أصلاً أن ملكاً يدع عبيده يبغي بعضهم على بعض من غير إنصاف بينهم ونحن نرى أكثر الخلق يموت مقهوراً من ظالمه، ومكسوراً من حاكمه، فعلم قطعاً أن الموت الذي لم يقدر ولا يقدر أحد أصلاً أن يسلم منه إنما هو سوق إلى دار العرض وساحة الجزاء للقرض -كما جرت به عادة الملوك إذا وكلوا بمن يأمرون بإحضاره إليهم لعرضه عليهم ليظهر التجلي في صفات الجبروت والعدل، ومظاهر الكرم والفضل قال: {ويا قوم} ولما كانوا منكرين للبعث أكد فقال: {إني أخاف} وعبر بأداة الاستعلاء زيادة في التخويف فقال: {عليكم}.
ولما كان قد سماه فيما مضى بالتلاقي والآزفة لما ذكر، عرف هنا أن الخلق فيه وجلون خائفون وأنهم لكثرة الجمع ينادُون وينادَون للرفعة أو الضعة وغير ذلك من الأمور المتنوعة، التي مجموعها يدل على ظهور الجبروت وذل الخلق لما يظهر لهم من الكبرياء والعظموت فقال: {يوم التناد} أي أهواله وما يقع فيه، فينادي الجبار سبحانه بقوله {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدو الشيطان} وينادونه "بلى يا ربنا "وتنادي الملائكة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب "يا فلان ابن فلان أقبل لفصل النزاع" وينادي ذلك العبد "ألا سمعاً وطاعة" وينادي الفائز "ألا نعم أجر العاملين" وينادي الخائب "ألا بئس منقلب الظالمين"...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
من بديع البلاغة ذكر هذا الوصف لليومِ في هذا المقام؛ ليُذكرهم أنه في موقفه بينهم يناديهم ب (يا قوم) ناصحاً ومريداً خلاصهم من كل نداء مفزع يوم القيامة، وتأهيلَهم لكل نداء سارّ فيه...
يوم الأحزاب كان في الدنيا، أما يوم التناد فيوم القيامة، فكأنه حذَّرهم بيوم الأحزاب من المصائب التي تأتيهم في دنياهم، ثم حذرهم بيوم الجزاء يوم القيامة فقال: {وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} والتناد تفاعل يعني: تناديني وأناديك، والتنادي يوم القيامة سيكون من وجوه عدة، يقول تعالى: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71] وهذا أول نداء، يقول: يا أمة محمد، يا أمة عيسى، يا أمة موسى.. إلخ أو أن ينادي بعضهم بعضاً.
وقد ذكر الحق سبحانه صوراً متعددة من هذه النداءات، فقال سبحانه: {وَنَادَىۤ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً} [الأعراف: 44].
وقال: {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ..} [الأعراف: 50].
وقال: {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ..} [الأعراف: 48] وأصحاب الأعراف جماعة استوت حسناتهم وسيئاتهم ولم يدخلوا الجنة، ومع ذلك يشمتون في الكفار.
أو: أن التناد ليس من مناداة بعضنا لبعض، إنما هو من الفعل (ندَّ) يعني: بعُد وشرد، يعني: يوم التناد يوم تشرد مني وأشرد منك، وهذا مثل قوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس: 34-36] والمراد: يفر منهم وهم كذلك يفرون منه، فكلٌّ يهرب من الآخر لانشغاله بنفسه.
لكن ماذا يقصد الرجل المؤمن بذلك؟ قالوا: يريد أن يقول لهم: إنْ كنتم تظاهرون بعضاً على الباطل في الدنيا فاعلموا أنكم ستفرون من بعض في الآخرة {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ}.
وتأمل هنا حبكة الأداء القرآني، فحينما يأتي بلفظ يحمل معنيين أو يجمع بين معنيين يأتي بما يدل على كل منهما، فهنا مثلاً قال {يَوْمَ التَّنَادِ} بمعنى المناداة.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
يوم تطلبون العون من بعضكم البعض، إلاّ أن أصواتكم لا تصل إلى أي مكان... ولكن يمكن تصور معنى أوسع للآية، بحيث يشمل «يوم التناد في هذه الدنيا أيضاً لأنّ المعنى كما رأينا يعني (يوم مناداة البعض للبعض الآخر) وهذا المعنى يعبّر عن ضعف الإنسان وعجزه عندما تنزل به المحن وتحيطه المصاعب والملمّات، وينقطع عنه العون وأسباب المساعدة، فيبدأ بالصراخ ولكن بغير نتيجة.
وفي عالمنا هذا ثمّة أمثلة عديدة على «يوم التناد» مثل الأيّام التي ينزل فيها العذاب الإلهي، أو الأيّام التي يصل فيها المجتمع إلى طريق مسدود لكثرة ما ارتكب من ذنوب وخطايا، وقد نستطيع أن نتصور صوراً اُخرى عن يوم التناد في حياتنا من خلال الحالات التي يمرّ بها الناس بالمشاكل والصعاب المختلفة حيث يصرخ الجميع عندها طالبين للحل والنجاة...
قوله تعالى : " ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد " زاد في الوعظ والتخويف وأفصح عن إيمانه ، إما مستسلما موطنا نفسه على القتل ، أو واثقا بأنهم لا يقصدونه بسوء ، وقد وقاه الله شرهم بقوله الحق " فوقاه الله سيئات ما مكروا " . وقراءة العامة " التناد " بتخفيف الدال وهو يوم القيامة ، قال أمية بن أبي الصلت :
وبثَّ الخلق فيها إذ دحاها *** فهم سُكَّانُهَا حتى التَّنَادِ
سمي بذلك لمناداة الناس بعضهم بعضا ، فينادي أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ، وينادي أصحاب الجنة أصحاب النار : " أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا " وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة : " أن أفيضوا علينا من الماء " وينادي المنادى أيضا بالشقوة والسعادة : ألا إن فلان بن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا ، ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا . وهذا عند وزن الأعمال . وتنادي الملائكة أصحاب الجنة : " أن تلكمُ الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون " [ الأعراف : 43 ] وينادى حين يذبح الموت : يا أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت . وينادي كل قوم بإمامهم إلى غير ذلك من النداء . وقرأ الحسن وابن السميقع ويعقوب وابن كثير ومجاهد : " التناد " بإثبات الياء في الوصل والوقف على الأصل . وقرأ ابن عباس والضحاك وعكرمة " يوم التناد " بتشديد الدال . قال بعض أهل العربية : هذا لحن ؛ لأنه من ند يند إذا مر على وجهه هاربا ، كما قال الشاعر{[13374]} :
وبَرْكٍ هُجُودٍ قد أثارتْ مَخَافَتِي *** نواديَها أسعى بِعَضْبٍ مُجَرَّدِ
قال : فلا معنى لهذا في القيامة . قال أبو جعفر النحاس : وهذا غلط والقراءة بها حسنة على معنى يوم التنافر . قال الضحاك : ذلك إذا سمعوا زفير جهنم ندوا هربا ، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا صفوفا من الملائكة ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ، فذلك قوله : " يوم التناد " . وقوله : " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض " [ الرحمن :33 ] الآية . وقوله : " والملك على أرجائها " [ الحاقة : 17 ] ذكره ابن المبارك بمعناه . قال : وأخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : حدثنا عبد الجبار بن عبيد الله بن سلمان في قوله تعالى : " إني أخاف عليكم يوم التناد . يوم تولون مدبرين " ثم تستجيب لهم أعينهم بالدمع فيبكون حتى ينفد الدمع ، ثم تستجيب لهم أعينهم بالدم فيبكون حتى ينفد الدم ، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح . قال : يرسل عليهم من الله أمر فيولون مدبرين ، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح ، فيبكون حتى ينفد القيح فتغور أعينهم كالخرق في الطين . وقيل : إن هذا يكون عند نفخ إسرافيل عليه السلام في الصور نفخة الفزع . ذكره علي بن معبد والطبري وغيرهما من حديث أبي هريرة ، وفيه فتكون الأرض كالسفينة في البحر تضربها الأمواج فيميد الناس على ظهرها وتذهل المراضع وتضع الحوامل ما في بطونها وتشيب الولدان وتتطاير الشياطين هاربة فتلقاها الملائكة تضرب وجوهها ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا وهي التي يقول الله تعالى : " يوم التناد . يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد " الحديث بكماله . وقد ذكرناه في كتاب التذكرة وتكلمنا عليه هناك . وروي عن علي بن نصر عن أبي عمرو إسكان الدال من " التناد " في الوصل خاصة . وروى أبو معمر عن عبد الوارث زيادة الياء في الوصل خاصة وهو مذهب ورش . والمشهور عن أبي عمرو حذفها في الحالين . وكذلك قرأ سائر السبعة سوى ورش على ما ذكرنا عنه وسوى ابن كثير على ما تقدم . وقيل : سمي يوم القيامة يوم التناد ؛ لأن الكافر ينادي فيه بالويل والثبور والحسرة . قاله ابن جريج . وقيل : فيه إضمار أي إني أخاف عليكم عذاب يوم التناد ، فالله أعلم .
ولما أشرق من آفاق هذا الوعظ شمس البعث ونور الحشر ، لأنه لا يسوغ أصلاً أن ملكاً يدع عبيده يبغي بعضهم على بعض من غير إنصاف بينهم ونحن نرى أكثر الخلق يموت مقهوراً من ظالمه ، ومكسوراً من حاكمه ، فعلم قطعاً أن الموت الذي لم يقدر ولا يقدر أحد أصلاً أن يسلم منه إنما هو سوق إلى دار العرض وساحة الجزاء للقرض - كما جرت به عادة الملوك إذا وكلوا بمن يأمرون باحضاره إليهم لعرضه عليهم ليظهر التجلي في صفات الجبروت والعدل ، ومظاهر الكرم والفضل قال : { ويا قوم } ولما كانوا منكرين للبعث أكد فقال : { إني أخاف } وعبر بأداة الاستعلاء زيادة في التخويف فقال : { عليكم } ولما كان قد سماه فيما مضى بالتلاقي والآزفة لما ذكر ، عرف هنا أن الخلق فيه وجلون خائفون وأنهم لكثرة الجمع ينادُون وينادَون للرفعة أو الضعة وغير ذلك من الأمور المتنوعة التي مجموعها يدل على ظهور الجبروت وذل الخلق لما يظهر لهم من الكبرياء والعظموت فقال : { يوم التناد * } أي أهواله وما يقع فيه ، فينادي الجبار سبحانه بقوله { ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدو الشيطان } وينادونه " بلى يا ربنا " وتنادي الملائكة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب " يا فلان ابن فلان أقبل لفصل النزاع " وينادي ذلك العبد " ألا سمعاً وطاعة " وينادي الفائز " ألا نعم أجر العاملين " وينادي الخائب " ألا بئس منقلب الظالمين " وينادي بالشقاوة والسعادة ألا إن فلان قد سعد ، ألا إن فلانا قد شقي ، وينادي أصحاب الأعراف ، وأهل الجنة أهل النار ، وأهل النار أهل الجنة ، وينادي الكل حين يذبح الموت ، ويدعى كل أناس بإمامهم ، وتتنادى الملائكة وقد أحاطوا بالثقلين صفوفاً مترتبة ترتب السماوات التي كانوا بها بالتسبيح والتقديس ، وترتفع الأصوات بالضجيج ، بعضهم بالسرور وبعضهم بالويل والثبور ، وتنادي ألسن النيران : أي الجبارون أين المتكبرون ، وتنادي الجنة ، أين المشمرون في مرضاة الله والصابرون ، فيا له يوماً يذل فيه العصاة العتاة ، ويعز المنكسرة قلوبهم من أجل الله ، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما في آخرين بتشديد الدال من التناد على أنه مصدر تنادّ من ند البعير - إذا هرب ونفر ، وهو كقوله يوم
( يفر المرء من أخيه }[ عبس : 34 ] وتقدم في حذف ياء التلاق وإثباتها ما يمكن الفطن تنزيله هنا .