البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَيَٰقَوۡمِ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ يَوۡمَ ٱلتَّنَادِ} (32)

ولما خوفهم أن يحل بهم في الدنيا ما حل بالأحزاب ، خوفهم أمر الآخرة فقال ، تعطفاً لهم بندائهم : { يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد } ، وهو يوم الحشر .

والتنادي مصدر تنادي القوم : أي نادى بعضهم بعضاً .

قال الشاعر :

تنادوا فقالوا أردت الخيل فارساً *** فقلت أعند الله ذلكم الردى

وسمي يوم التنادي ، إما لنداء بعضهم لبعض بالويل والثبور ، وإما لتنادي أهل الجنة وأهل النار على ما ذكر في سورة الأعراف ، وإما لأن الخلق ينادون إلى المحشر ، وإما لنداء المؤمن : { هاؤم اقرؤا كتابيه } والكافر : { يا ليتني لم أوت كتابية } وقرأت فرقة : التناد ، بسكون الدال في الوصل أجراه مجرى الوقف وقرأ ابن عباس ، والضحاك ، وأبو صالح ، والكلبي ، والزعفراني ، وابن مقسم : التناد ، بتشديد الدال : من ندَّ البعير اذا هرب .

كما قال { يفر المرء من أخيه } الآية وقال ابن عباس ، وغيره : في التناد خفيفة الدال هو التنادي ، أي يكون بين الناس عند النفخ في الصور ونفخة الفزع في الدنيا ، وأنهم يفرون على وجوههم للفزع التي نالهم ، وينادي بعضهم بعضاً .

وروي هذا التأويل عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون التذكر بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة . انتهى .

قال أمية بن أبي الصلت :

وبث الخلق فيها إذ دحاها *** فهم سكانها حتى التنادي

وفي الحديث : « إن للناس جولة يوم القيامة يندّون » ، يظنون أنهم يجدون مهرباً ؛