قوله تعالى : " ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد " زاد في الوعظ والتخويف وأفصح عن إيمانه ، إما مستسلما موطنا نفسه على القتل ، أو واثقا بأنهم لا يقصدونه بسوء ، وقد وقاه الله شرهم بقوله الحق " فوقاه الله سيئات ما مكروا " . وقراءة العامة " التناد " بتخفيف الدال وهو يوم القيامة ، قال أمية بن أبي الصلت :
وبثَّ الخلق فيها إذ دحاها *** فهم سُكَّانُهَا حتى التَّنَادِ
سمي بذلك لمناداة الناس بعضهم بعضا ، فينادي أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ، وينادي أصحاب الجنة أصحاب النار : " أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا " وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة : " أن أفيضوا علينا من الماء " وينادي المنادى أيضا بالشقوة والسعادة : ألا إن فلان بن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا ، ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا . وهذا عند وزن الأعمال . وتنادي الملائكة أصحاب الجنة : " أن تلكمُ الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون " [ الأعراف : 43 ] وينادى حين يذبح الموت : يا أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت . وينادي كل قوم بإمامهم إلى غير ذلك من النداء . وقرأ الحسن وابن السميقع ويعقوب وابن كثير ومجاهد : " التناد " بإثبات الياء في الوصل والوقف على الأصل . وقرأ ابن عباس والضحاك وعكرمة " يوم التناد " بتشديد الدال . قال بعض أهل العربية : هذا لحن ؛ لأنه من ند يند إذا مر على وجهه هاربا ، كما قال الشاعر{[13374]} :
وبَرْكٍ هُجُودٍ قد أثارتْ مَخَافَتِي *** نواديَها أسعى بِعَضْبٍ مُجَرَّدِ
قال : فلا معنى لهذا في القيامة . قال أبو جعفر النحاس : وهذا غلط والقراءة بها حسنة على معنى يوم التنافر . قال الضحاك : ذلك إذا سمعوا زفير جهنم ندوا هربا ، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا صفوفا من الملائكة ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ، فذلك قوله : " يوم التناد " . وقوله : " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض " [ الرحمن :33 ] الآية . وقوله : " والملك على أرجائها " [ الحاقة : 17 ] ذكره ابن المبارك بمعناه . قال : وأخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : حدثنا عبد الجبار بن عبيد الله بن سلمان في قوله تعالى : " إني أخاف عليكم يوم التناد . يوم تولون مدبرين " ثم تستجيب لهم أعينهم بالدمع فيبكون حتى ينفد الدمع ، ثم تستجيب لهم أعينهم بالدم فيبكون حتى ينفد الدم ، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح . قال : يرسل عليهم من الله أمر فيولون مدبرين ، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح ، فيبكون حتى ينفد القيح فتغور أعينهم كالخرق في الطين . وقيل : إن هذا يكون عند نفخ إسرافيل عليه السلام في الصور نفخة الفزع . ذكره علي بن معبد والطبري وغيرهما من حديث أبي هريرة ، وفيه فتكون الأرض كالسفينة في البحر تضربها الأمواج فيميد الناس على ظهرها وتذهل المراضع وتضع الحوامل ما في بطونها وتشيب الولدان وتتطاير الشياطين هاربة فتلقاها الملائكة تضرب وجوهها ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا وهي التي يقول الله تعالى : " يوم التناد . يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد " الحديث بكماله . وقد ذكرناه في كتاب التذكرة وتكلمنا عليه هناك . وروي عن علي بن نصر عن أبي عمرو إسكان الدال من " التناد " في الوصل خاصة . وروى أبو معمر عن عبد الوارث زيادة الياء في الوصل خاصة وهو مذهب ورش . والمشهور عن أبي عمرو حذفها في الحالين . وكذلك قرأ سائر السبعة سوى ورش على ما ذكرنا عنه وسوى ابن كثير على ما تقدم . وقيل : سمي يوم القيامة يوم التناد ؛ لأن الكافر ينادي فيه بالويل والثبور والحسرة . قاله ابن جريج . وقيل : فيه إضمار أي إني أخاف عليكم عذاب يوم التناد ، فالله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.