قوله تعالى : { لكم فيها } أي : في البدن قبل تسميتها للهدي ، { منافع } في درها ونسلها وأصوافها وأوبارها وركوب ظهورها ، { إلى أجل مسمى } وهو أن يسميها ويوجبها هدياً ، فإذا فعل ذلك لم يكن له شيء من منافعها ، هذا قول مجاهد ، وقول قتادة و الضحاك ، ورواه مقسم عن ابن عباس . وقيل : معناه لكم في الهدايا منافع بعد إيجابها وتسميتها هدايا بأن تركبوها وتشربوا ألبانها عند الحاجة ( إلى أجل مسمى ) ، يعني : إلى أن تنحروها ، وهو قول عطاء بن أبي رباح . واختلف أهل العلم في ركوب الهدي : فقال قوم : يجوز له ركوبها والحمل عليها غير مضر بها ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا أبو علي زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا مصعب عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال :اركبها ، فقال : إنها بدنة . قال : اركبها فقال : إنها بدنة . قال اركبها ويلك ، في الثانية أو الثالثة ، وكذلك قال له : اشرب لبنها بعدما فضل عن ري ولدها " . وقال أصحاب الرأي : لا يركبها . وقال قوم : لا يركبها إلا أن يضطر إليه . وقال بعضهم : أراد بالشعائر المناسك ومشاهد مكة . ( لكم فيها منافع ) بالتجارة والأسواق ( إلى أجل مسمى ) وهو الخروج من مكة . وقيل : لكم فيها منافع بالأجر والثواب في قضاء المناسك . ( إلى أجل مسمى ) أي : إلى انقضاء أيام الحج . { ثم محلها } أي : منحرها ، { إلى البيت العتيق } أي : منحرها عند البيت العتيق ، يريد أرض الحرم كلها ، كما قال : { فلا يقربوا المسجد الحرام } أي : الحرم كله . وروي عن جابر في قصة حجة الوداع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم " . ومن قال : الشعائر : المناسك ، قال : معنى قوله { ثم محلها إلى البيت العتيق } أي : محل الناس من إحرامهم إلى البيت العتيق ، أي : أن يطوفوا به طواف الزيارة يوم النحر .
{ لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق } أي لكم فيها منافع درها ونسلها وصوفها وظهرها إلى أن تنحر ، ثم وقت نحرها منتهية إلى البيت أي ما يليه من الحرم ، و { ثم } تحتمل التراخي في الوقت والتراخي في الرتبة ، أي لكم فيها منافع دنيوية إلى وقت النحر وبعده منافع دينية أعظم منها ، وهو على الأولين إما متصل بحديث { الأنعام } والضمير فيه لها أو المراد على الأول لكم فيها منافع دينية تنتفعون بها إلى اجل مسمى هو الموت ، ثم محلها منتهية إلى البيت العتيق الذي ترفع غليه الأعمال أو يكون فيه ثوابها وهو البيت المعمور أو الجنة ، وعلى الثاني { لكم فيها منافع } التجارات في الأسواق إلى وقت المراجعة ثم وقت الخروج منها منتهية إلى الكعبة بالإحلال بطواف الزيارة .
ثم اختلف المتألون في قوله { لكم فيها منافع } الآية ، فقال مجاهد وقتادة : أراد أن للناس في أنعامهم منافع من الصوف واللبن وغير ذلك ما لم يبعثها ربها هدياً فإذا بعثها فهو «الأجل المسمى » ، وقال عطاء بن أبي رباح : أراد في الهدي المبعوث منافع من الركوب والاحتلاب لمن اضطر ، و «الأجل » نحرها وتكون { ثم } لترتيب الجمل ، لأن المحل قبل الأجل ومعنى الكلام عند هاتين الفرقتين { ثم محلها } إلى موضع النحر فذكر { البيت } لأنه أشرف الحرم وهو المقصود بالهدي وغيره ، وقال ابن زيد وابن عمر والحسن ومالك : «الشعائر » في هذه الآية مواضع الحج كلها ومعالمه بمنى وعرفة والمزدلفة والصفا والمروة والبيت وغير ذلك ، وفي الآية التي تأتي أن البدن من الشعائر ، و «المنافع » التجارة وطلب الرزق ، ويحتمل أن يريد كسب الأجر والمغفرة ، وبكل احتمال قالت فرقة و «الأجل » الرجوع إلى مكة لطواف الإفاضة وقوله ، { محلها } مأخوذ من إحلال المحرم ومعناه ثم أخر هذا كله إلى طواف الإفاضة ب { البيت العتيق } ، ف { البيت } على هذا التأويل مراد بنفسه ، قاله مالك في الموطأ .
جملة { لكم فيها منافع } حال من الأنعام في قوله : { وأحلت لكم الأنعام } [ الحج : 30 ] وما بينهما اعتراضات أو حال من { شعائر الله } [ الحج : 32 ] على التفسير الثاني للشعائر . والمقصود بالخبر هنا : هو صنف من الأنعام ، وهو صنف الهدايا بقرينة قوله : { ثم محلها إلى البيت العتيق } .
والمنافع : جمع منفعة ، وهي اسم النفع ، وهو حصول ما يلائم ويحفّ . وجعل المنافع فيها يقتضي أنها انتفاع بخصائصها مما يراد من نوعها قبل أن تكون هدياً .
وفي هذا تشريع لإباحة الانتفاع بالهدايا انتفاعاً لا يتلفها ، وهو رد على المشركين إذ كانوا إذا قلّدوا الهدْيَ وأشعَرُوه حظروا الانتفاع به من ركوبه وحمل عليه وشرب لبنه ، وغير ذلك .
وفي « الموطّأ » : " عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال : اركبها ؟ فقال : إنها بدنة ، فقال : اركبها ، فقال : إنها بدنة ، فقال : اركبها ، ويلك في الثانية أو الثالثة " . والأجل المسمّى هو وقت نحرها ، وهو يوم من أيام مِنى . وهي الأيام المعدودات .
والمَحِلّ : بفتح الميم وكسر الحاء مصدر ميمي من حلّ يحِلّ إذا بلغ المكان واستقرّ فيه . وهو كناية عن نهاية أمرها ، كما يقال : بلغ الغاية ، ونهاية أمرها النحر أو الذبح .
و { إلى } حرف انتهاء مجازي لأنها لا تنحر في الكعبة ، ولكن التقرب بها بواسطة تعظيم الكعبة لأنّ الهدايا إنما شرعت تكملة لشرع الحجّ ، والحجّ قصد البيت . قال تعالى : { ولله على الناس حج البيت } [ آل عمران : 97 ] ، فالهدايا تابعة للكعبة ، قال تعالى : { هدياً بالغ الكعبة } [ المائدة : 95 ] وإن كانت الكعبة لا ينحر فيها ، وإنما المناحر : مِنى ، والمروة ، وفجاج مكة أي طرقها بحسب أنواع الهدايا ، وتبيينه في السنة .
وقد جاء في قوله تعالى : { ثم محلها إلى البيت العتيق } رد العجز على الصدر باعتبار مبدأ هذه الآيات وهو قوله تعالى : { وإذا بوأنا لإبراهيم مكان البيت } [ الحج : 26 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.