الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{لَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى ٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ} (33)

ثم اخْتَلَفَ المتأوِّلُون في قوله سبحانه : { لَكُمْ فِيهَا منافع } [ الحج : 33 ] .

فقال مجاهد وقتادة : أراد أنَّ للناس في أنعامهم منافِعَ من الصُّوف ، واللَّبَن ، والذبح للأكل ، وغيرِ ذلك ما لم يبعثها رَبُّها هدياً ، فَإذا بعثها فهو الأجل المُسَمَّى ، وقال عطاء : أراد لكم في الهدي المبعوثِ منافِعُ ، من الركوب ، والاحتلاب لمن اضطروا . والأجل نحرها ، وتكون «ثم » من قوله : { ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى البيت العتيق } لترتيب المحل لأَنَّ المَحِلَّ قبل الأجل ، ومعنى الكلام عند هذين الفريقين : ثم مَحِلَّها إلى موضع النحر ، وذكر البيت لأنَّه أشرفُ الحرم ، وهو المقصود بالهدي وغيره ، وقال ابن زيد ، والحسن وابن عمر ، ومالك : الشعائر في هذه الآية : مواضِعُ الحج كُلُّها ومعالمه بمنى ، وَعَرَفَةَ ، والمزدلفة ، والصَّفَا والمروة ، والبيت وغير ذلك ، وفي الآية التي تأتي أَنَّ البُدنَ من الشعائر ، والمنافِعُ : التجارة وطلب الرزق أوِ الأجر والمغفرة ، والأجل المُسَمَّى : الرجوعُ إلى مكة لطواف الإفاضة ، ومَحِلُّها مأخوذٌ من إحلال المحرم ، والمعنى : ثم أُخِّروا هذا كله إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق ، فالبيتُ على هذا التأويل مُرَادٌ بنفسه ، قاله مالك في «الموطأ » .

( ت ) وأظهرُ هذه التأويلات عندي تأويلُ عطاءٍ ، وفي الثالث بعضُ تكلُّفٍ .

ثم أخبر تعالى أنه جعل { ولكل أُمة } [ الحج : 34 ] .

من الأُمم المؤمنة منسكاً ، أي : موضعَ نُسُكٍ وعبادة ، هذا على أَنَّ المنسك ظرف ، ويحتملُ أَنْ يريد به المصدر كأنه قال : عبادة ، والناسِكِ العابد ، وقال مجاهد : سُنَّةً في هراقة دماء الذبائح .