البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى ٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ} (33)

والمنافع الأجر ، ويكون والضمير في { فيها } من قوله { لكم فيها منافع } عائداً على الشعائر التي هي الشرائع أي لكم في التمسك بها { منافع إلى أجل } منقطع التكليف { ثم محلها } بشكل على هذا التأويل .

فقيل : الإيمان والتوجه إليه بالصلاة ، وكذلك القصد في الحج والعمرة ، أي محل ما يختص منها بالإحرام { البيت العتيق } وقيل : معنى ذلك ثم أجرها على رب { البيت العتيق } قيل : ولو قيل على هذا التأويل أن { البيت العتيق } الجنة لم يبعدوا الضمير في إنها عائد على الشعائر على حذف مضاف أي فإن تعظيمها أو على التعظمة .

وقال عطاء : منافع الهدايا بعد إيجابها وتسميتها هدياً بأن تركب ويشرب لبنها عند الحاجة { إلى أجل مسمى } أي إلى أن تنحر .

وقيل : إلى أن تشعر فلا تركب إلاّ عند الضرورة .

وروى أبو رزين عن ابن عباس : الأجل المسمى الخروج من مكة .

وعن ابن عباس { إلى أجل مسمى } أي إلى الخروج والانتقال من هذه الشعائر إلى غيرها .

وقيل : الأجل يوم القيامة .

وقال الزمخشري : إلى أن تنحر ويتصدق بلحومها ويؤكل منها .

و { ثم } للتراخي في الوقت فاستعيرت للتراخي في الأفعال ، والمعنى أن لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم ودينكم وإنما يعبد الله بالمنافع الدينية قال تعالى : { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة } وأعظم هذه المنافع وأبعدها شوطاً في النفع محلها إلى البيت أي وجوب نحرها ، أو وقت وجوب نحرها منتهية إلى البيت كقوله { هدياً بالغ الكعبة } والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت لأن الحرم هو حريم البيت ، ومثل هذا في الاتساع قولك : بلغنا البلد وإنما شارفتموه واتصل مسيركم بحدوده .

وقيل : المراد بالشعائر المناسك كلها و { محلها إلى البيت العتيق } يأباه انتهى .

وقال القفال : الهدي المتطوع به إذا عطب قبل بلوغ مكة فإن محله موضعه ، فإذا بلغ منى فهي محله وكل فجاج مكة .

وقال ابن عطية : وتكرر { ثم } لترتيب الجمل لأن المحل قبل الأجل ، ومعنى الكلام عند هاتين الفريقين يعني من قال مجاهد ومن وافقه ، ومن قال بقول عطاء { ثم محلها } إلى موضع النحر فذكر البيت لأنه أشرف الحرم وهو المقصود بالهدي وغيره ، والأجل الرجوع إلى مكة لطواف الإفاضة وقوله { ثم محلها } مأخوذ من إحلال المحرم معناه ، ثم أخر هذا كله إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق ، فالبيت على هذا التأويل مراد بنفسه قاله مالك في الموطأ انتهى .