اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى ٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ} (33)

قوله : { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } أي : في الشعائر بمعنى الشرائع ، أي : لكم في التمسك بها . وقيل : في بهيمة الأنعام ، وهو قول مجاهد وقتادة والضحاك . ورواه مقسمٌ عن ابن عباس . وعلى هذا فالمنافع درها ونسلها وأصوافها وأوبارها وركوب ظهرها إلى أجل مسمى ، وهو أن يسميها ويوجبها هدياً ؛ فإذا فعل ذلك لم يكن له شيء من منافعها{[31126]} .

وروي عن ابن عباس أن في البدن منافع مع تسميتها هدياً بأن تركبوها إن احتجتم إليها ، وتشربوا لبنها إن احتجتم{[31127]} إليه ، إلى أجل مسمّى إلى أن تنحروها{[31128]} . وهذا اختيار الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق ، وهو أَوْلى ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - «مَرَّ برجلٍ يَسُوقُ بَدَنَةً وهو في جهد ، فقال عليه السلام{[31129]} : «ارْكَبْهَا » . فقال يا رسول الله إنها هدي . فقال : «ارْكَبْهَا ويلك »{[31130]} قال عليه السلام : «اركبوا الهدي بالمعروف حتى تجدوا ظهراً »{[31131]} واحتج أبو{[31132]} حنيفة{[31133]} على أنه لا يملك من منافعها بأنه لا يجوز له أن يؤجرها للركوب فلو كان مالكاً لمنافعها لملك عقد الإجارة عليها كمنافع سائر المملوكات . وأجيب بأن هذا قياس في معارضة النص فلا عبرة به ، وأيضاً فإن أم الولد لا يملك بيعها ويمكنه الانتفاع بها فكذا ههنا{[31134]} . ومن حمل المنافع على سائر الواجبات يقول : «لَكُمْ فِيهَا » أي : في التمسك{[31135]} بها منافع إلى أجل ينقطع التكليف عنده .

والأول قول جمهور{[31136]} المفسرين{[31137]} لقوله : { ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى البيت العتيق } أي : لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم ودينكم وأعظم هذه المنافعِ محلها إلى البيت العتيق ، أي : وقت وجوب نحرها منتهية إلى البيت كقوله { هَدْياً بَالِغَ الكعبة }{[31138]} {[31139]} [ المائدة : 95 ] .

وقوله : «مَحِلُّهَا » يعني حيث يحل نحرها ، وأما «البيت العتيق » فالمراد به الحرم كله لقوله : { فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا }{[31140]} [ التوبة : 28 ] أي : الحرم كله ، فالمنحر على هذا القول مكة ، ولكنها نزهت عن الدماء إلى منى ، ومنى من مكة قال عليه السلام{[31141]} : «كل فجاج مكة منحر ، ( وكل فجاج منى منحر » ){[31142]} {[31143]} . «قال القفال : هذا إنما يختص بالهدايا التي تبلغ منى ، فأما الهدي المتطوع به إذا عطب قبل بلوغ مكة فإن محلها موضعه {[31144]} .

ومن قال : الشعائر المناسك فإن{[31145]} معنى قوله : { ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى البيت العتيق } أي : محل الناس من إحرامهم إلى البيت العتيق أن يطوفوا به طواف الزيارة ( يوم النحر ){[31146]} {[31147]} .


[31126]:انظر البغوي 5/582.
[31127]:في ب: احتجم. وهو تحريف.
[31128]:انظر البغوي 5/582.
[31129]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[31130]:أخرجه البخاري (حج) 1/293، مسلم (حج) 2/1960، ابن ماجه (مناسك) 2/1036، الدارمي (مناسك) 2/66، أحمد 2/245، 254، 278، 312، 464، 473، 474، 487، 505.
[31131]:أخرجه مسلم (حج)، 2/961، أبو داود (مناسك) 2/367، أحمد 3/317، 324، 325، 348.
[31132]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/24.
[31133]:في ب: أبو حنيفة رضي الله عنه.
[31134]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 23/24.
[31135]:في ب: المتمسك.
[31136]:جمهور: سقط من ب.
[31137]:انظر الفخر الرازي 23/24.
[31138]:[المائدة: 95].
[31139]:انظر الفخر الرازي 23/25.
[31140]:من قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28].
[31141]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[31142]:أخرجه ابن ماجه (مناسك) 2/1013، الدارمي (مناسك) 2/57، ومالك (حج) 1/393، 824.
[31143]:ما بين القوسين سقط من ب.
[31144]:انظر الفخر الرازي 23/35.
[31145]:في ب: قال.
[31146]:انظر البغوي 5/583-584.
[31147]:ما بين القوسين سقط من ب.