52- ولا تستجب - أيها النبي - لدعوة المتكبرين من الكفار ، فتُبعد عنك المستضعفين من المؤمنين ، الذين يعبدون ربهم دائماً ، ولا يريدون إلا رضاه . ولا تلتفت لدس المشركين على هؤلاء المؤمنين ، فلست مسئولا أمام الله عن شيء من أعمالهم ، كما أنهم ليسوا مسئولين عن شيء من أعمالك ، فإن استجبت لهؤلاء الكفار المتعنتين ، وأبعدت المؤمنين ، كنت من الظالمين .
قوله تعالى : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } ، قرأ ابن عامر { بالغداة } بضم الغين ، وسكون الدال ، وواو بعدها ، هاهنا وفي سورة الكهف . وقرأ الآخرون بفتح الغين والدال ، وألف بعدها . قال سلمان وخباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية ، جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري ، وذويهم من المؤلفة قلوبهم ، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع بلال ، وصهيب ، وعمار ، وخباب ، في ناس من ضعفاء المؤمنين ، فلما رأوهم حوله حقروهم ، فأتوه ، فقالوا : يا رسول الله ، لو جلست في صدر المجلس ، ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم ، وكان عليهم جباب صوف لها رائحة لم يكن عليهم غيرها ، لجالسناك ، وأخذنا عنك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم : ( ما أنا بطارد المؤمنين ) قالوا : فإنا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك ، فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا ، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت ، قال : " نعم " ، قالوا : اكتب لنا عليك بذلك كتاباً ، قال : فدعا بالصحيفة ، ودعا علياً ليكتب ، قالوا : ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل بقوله : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } ، إلى قوله : { بالشاكرين } فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده ، ثم دعانا فأتينا وهو يقول : ( سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) ، فكنا نقعد معه ، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا ، فأنزل الله عز وجل : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) [ الكهف : 28 ] ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد وندنو منه حتى كادت ركبنا تمس ركبته ، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم ، وقال : " الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات " . وقال الكلبي : قالوا له : اجعل لنا يوماً ولهم يوماً ، فقال : لا أفعل ، فقالوا : فاجعل المجلس واحداً ، فأقبل علينا وول ظهرك عليهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } . قال مجاهد قالت قريش : لولا بلال ، وابن أم عبد ، لبايعنا محمداً ، فأنزل الله هذه الآية : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } ، يعني : صلاة الصبح وصلاة العصر . ويروي عنه : أن المراد منه الصلوات الخمس ، وذلك أن أناساً من الفقراء كانوا مع النبي عليه الصلاة والسلام ، فقال ناس من الأشراف : إذا صلينا فأخر هؤلاء فليصلوا خلفنا ، فنزلت الآية ، وقال مجاهد : صليت الصبح مع سعيد بن المسيب ، فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاص ، فقال سعيد : ما أسرع الناس إلى هذا المجلس ، قال مجاهد : فقلت يتأولون قوله تعالى { يدعون ربهم بالغداة والعشي } ، قال : أفي هذا هو ؟ إنما ذلك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن ، وقال إبراهيم النخعي : يعني يذكرون ربهم ، وقيل المراد منه : حقيقة الدعاء .
قوله تعالى : { يريدون وجهه } أي : يريدون الله بطاعتهم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يطلبون ثواب الله فقال : { ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء } ، أي : لا تكلف أمرهم ، ولا يتكلفون أمرك ، وقيل : ليس رزقهم عليك فتملهم .
قوله تعالى : { فتطردهم } ، ولا رزقك عليهم ، قوله : { فتطردهم } ، جواب لقوله { ما عليك من حسابهم من شيء } .
قوله تعالى : { فتكون من الظالمين } ، جواب لقوله : { ولا تطرد } أحدهما جواب النفي ، والآخر جواب النهي .
{ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } بعدما أمره بإنذار غير المتقين ليتقوا أمره بإكرام المتقين وتقريبهم وأن لا يطردهم ترضية لقريش . روي أنهم قالوا : لو طردت هؤلاء الأعبد يعنون فقراء المسلمون كعمار وصهيب وخباب وسلمان -جلسنا إليك وحادثناك فقال : " ما أنا بطارد المؤمنين " ، قالوا : فأقمهم عنا إذا جئناك قال " نعم " .
وروي أن عمر رضي الله عنه قال له : لو فعلت حتى ننظر إلى ماذا يصيرون فدعا بالصحيفة وبعلي رضي الله تعالى عنه ليكتب فنزلت . والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام ، وقيل صلاتا الصبح والعصر . وقرأ ابن عامر بالغدوة هنا وفي الكهف . { يريدون وجهه } حال من يدعون ، أي يدعون ربهم مخلصين فيه قيد الدعاء بالإخلاص تنبيها على أنه ملاك الأمر . ورتب النهي عليه إشعارا بأنه يقتضي إكرامهم وينافي إبعادهم . { ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء } أي ليس عليك حساب إيمانهم فلعل إيمانهم عند الله أعظم من إيمان من تطردهم بسؤالهم طمعا في إيمانهم لو آمنوا ، أو ليس عليك اعتبار بواطهنم وإخلاصهم لما اتسموا بسيرة المتقين وإن كان لهم باطن غير مرضي كما ذكره المشركون وطعنوا في دينهم فحسابهم عليهم لا يتعداهم إليك ، كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم . وقيل ما عليك من حساب رزقهم أي من فقرهم . وقيل الضمير للمشركين والمعنى : لا تؤاخذ بحسابهم ولا هم بحسابك حتى يهمك إيمانهم بحيث تطرد المؤمنين طمعا فيه . { فتطردهم } فتبعدهم وهو جواب النفي { فتكون من الظالمين } جواب النهي ويجوز عطفه على فتطردهم على وجه التسبب وفيه نظر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.