مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَلَا تَطۡرُدِ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ مَا عَلَيۡكَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَمَا مِنۡ حِسَابِكَ عَلَيۡهِم مِّن شَيۡءٖ فَتَطۡرُدَهُمۡ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (52)

ولما أمر النبي عليه السلام بإنذار غير المتقين ليتقوا ، أمر بعد ذلك بتقريب المتقين ونهى عن طردهم بقوله :{ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي } وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم أي عبادته ويواظبون عليها . والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام ، أو معناه يصلون صلاة الصبح والعصر أو الصلوات الخمس . { بالغُدوة } شامي . ووسمهم بالإخلاص في عبادتهم بقوله { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } فالوجه يعبر به عن ذات الشيء وحقيقته ، نزلت في الفقراء بلال وصهيب وعمار وأضرابهم حين قال رؤساء المشركين : لو طردت هؤلاء السقاط لجالسناك . فقال عليه السلام : « ما أنا بطارد المؤمنين » فقالوا : اجعل لنا يوماً ولهم يوماً وطلبوا بذلك كتاباً فدعا علياً رضي الله عنه ليكتب فقام الفقراء وجلسوا ناحية فنزلت ، فرمى عليه الصلاة والسلام بالصحيفة وأتى الفقراء فعانقهم { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } كقوله { إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبّي } [ الشعراء : 113 ] { وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيْءٍ } وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم فقال : حسابهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم إليك كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم { فَتَطْرُدَهُمْ } جواب النفي وهو { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم } { فَتَكُونَ مِنَ الظالمين } جواب النهي وهو { وَلاَ تَطْرُدِ } ويجوز أن يكون عطفاً على { فَتَطْرُدَهُمْ } على وجه التسبيب لأن كونه ظالماً مسبب عن طردهم