فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَا تَطۡرُدِ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ مَا عَلَيۡكَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَمَا مِنۡ حِسَابِكَ عَلَيۡهِم مِّن شَيۡءٖ فَتَطۡرُدَهُمۡ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (52)

قوله : { وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشى يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } الدعاء : العبادة مطلقاً . وقيل : المحافظة على صلاة الجماعة . وقيل : الذكر وقراءة القرآن . وقيل : المراد الدعاء لله يجلب النفع ودفع الضرر . قيل : والمراد بذكر الغداة والعشيّ الدوام على ذلك والاستمرار . وقيل : هو على ظاهره ، و { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } في محل نصب على الحال . والمعنى : أنهم مخلصون في عبادتهم لا يريدون بذلك إلا وجه الله تعالى ، أي يتوجهون بذلك إليه لا إلى غيره .

قوله : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيء وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيء } هذا كلام معترض بين النهي وجوابه متضمن لنفي الحامل على الطرد ، أي حساب هؤلاء الذين أردت أن تطردهم موافقة لمن طلب ذلك منك هو على أنفسهم ما عليك منه شيء ، وحسابك على نفسك ما عليهم منه شيء فعلام تطردهم ؟ هذا على فرض صحة وصف من وصفهم بقوله : { مَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا } وطعن عندك في دينهم وحسبهم ، فكيف وقد زكاهم الله عزّ وجلّ بالعبادة والإخلاص ؟ ! وهذا هو مثل قوله تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَة وِزْرَ أخرى } وقوله : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم من شَيء } وهو من تمام الاعتراض ، أي إذا كان الأمر كذلك فأقبل عليهم وجالسهم ولا تطردهم مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدين والفضل ، ومن في { ما عليك من حسابهم من شيء } للتبعيض ، والثانية للتوكيد . وكذا في { ما من حسابك عليهم من شيء } .

قوله : { فَتَكُونَ مِنَ الظالمين } جواب للنهي أعني { وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } أي فإن فعلت ذلك كنت من الظالمين ، وحاشاه عن وقوع ذلك . وإنما هو من باب التعريض لئلا يفعل ذلك غيره صلى الله عليه وسلم من أهل الإسلام ، كقوله تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } . وقيل : إن { فتكون من الظالمين } معطوف على { فتطردهم } على طريق التسبب ، والأوّل أولى .

/خ55