الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلَا تَطۡرُدِ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ مَا عَلَيۡكَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَمَا مِنۡ حِسَابِكَ عَلَيۡهِم مِّن شَيۡءٖ فَتَطۡرُدَهُمۡ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (52)

{ وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ } الآية ، قال سليمان ، وخباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية .

" جاء الأقرع بن حابس التميمي ، وعيينة بن حصين الفزاري وهم من المؤلفة قلوبهم فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع بلال وصهيب وعمار وخباب في ناس من ضعفاء المسلمين فلما رأوهم حوله حقروهم فأتوه فقالوا : يا رسول اللّه لو جلست في صدر المجلس ويغيب عنا هؤلاء وأرواح جبابهم وكانت عليهم جباب من صوف لم يكن عليهم غيرها لجالسناك وحادثناك وأخذنا عنك ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " ما أنا بطارد المؤمنين " قالوا : فأنا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرانا العرب مع هؤلاء الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم وإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت ، قال : نعم ، قالوا : أكتب لنا بذلك كتاباً ، قال : فدعانا لصحيفة ودعا علياً ليكتب .

قال : ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبرئيل ( عليه السلام ) بقوله { وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ } إلاّ بشيء فألقى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده ثم دعانا فأتيناه وهو يقول : سلام عليكم { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } [ الأنعام : 54 ] فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل اللّه عز وجل هذه الآية { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم } الآية ، قال : وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعمد وندنوا منه حتى كادت رِكبنا تمسّ ركبه فإذا بلغ الساعة التي يقوم قمنا وتركناه حتى يقوم وقال : " الحمد للّه الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي ( معكم المحيا ومعكم ) الممات " .

وقال الكلبي : قالوا له : إجعل لنا يوماً ولهم يوم ، قال : لا أفعل ، قالوا : فاجعل المجلس واحداً وأقبل إلينا وولّ ظهرك عليهم فأنزل اللّه تعالى هذه الآية " .

وروى الأشعث بن سواد عن إدريس عن عبد اللّه بن مسعود قال : مرّ الملأ من قريش على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، صهيب وخباب وبلال وعمار وغيرهم من ضعفاء المسلمين ، فقالوا : يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك ؟ أفنحن نكون تبعاً لهؤلاء أهؤلاء الذين قال : منّ اللّه عليهم من بيننا ، أطردهم عنك ، فلعلك إن طردتهم إتبعناك ، فأنزل اللّه تعالى { وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } الآية ، قال : بها قد قالت قريش : لولا بلال وابن أم عبد لتابعنا محمداً فأنزل اللّه عز وجل هذه الآية .

وقال عكرمة : " جاء عتبة بن ربيعة وشيبة بن أمية ومطعم بن عدي والحرث بن نوفل وقرظة ابن عبد وعمرو بن نوفل في أشراف بني عبد مناف من أهل الكفر إلى أبي طالب فقالوا : ياأبا طالب لو أن ابن أخيك محمداً يطرد عنه موالينا وحلفاءنا فإنهم عبيدنا كان أعظم في صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتّباعنا إيّاه . وتصديقنا له فأتى أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بالذي كتموه ، فقال عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) : لو فعلت ذلك حتى ننظر ما الذي يريدون وإلى ما يصيرون فنزلت من قولهم هذه الآية فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب واعتذر من مقالته " .

وقال جبير بن نفيل : إن قريشاً أتوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالت : أرسلت إلينا فاطرد هؤلاء السقاط عنك فنكون أصحابك فأنزل اللّه تعالى { وَلاَ تَطْرُدِ } الآية .

قال ابن عباس : يدعون ربهم يعني يعبدون ربهم بالصلاة المكتوبة بالغداة والعشي يعني صلاة الصبح وصلاة العصر ، وذلكإن ناساً من الفقراء كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال قوم من الأشراف : إذا صلّينا فأخّر هؤلاء وليصلوا خلفنا ، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية { وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ } الآية .

وقال حمزة بن عيسى : دخلت على الحسن فقلت له : يا أبا سعيد أرأيت قول اللّه تعالى { وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ } ، قال : لا ولكنهم المحافظون على الصلوات في الجماعة .

وقال مجاهد : صليت الصبح مع سعيد بن المسيب ( رضي الله عنه ) فلما سلم الإمام ، ابتدر الناس القاص ، فقال سعيد ما أسرع الناس إلى هذا المجلس .

فقال مجاهد : فقلت : يتأوّلون قول اللّه عز وجل ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ، فأراد في هذا هو إنما ذلك في الصلاة التي انصرفا عنها الآن ، وقلنا إنهم يذكرون ربهم .

وقال أبو جعفر : يعني يقرأون القرآن { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } جواب لقوله { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } وقوله { فَتَكُونَ } جواب لقوله ولا تطرد لا أحد هو جواب نفي واللّه جواب النهي { مِنَ الظَّالِمِينَ } من الضارين لنفسك بالمعصية والنفس الطرد في غير موضعه