قوله سبحانه : { وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي }[ الأنعام :52 ] .
المرادُ ب { الذين } ضَعَفَةَ المُؤْمنين في ذلك الوَقْت في أمور الدُّنْيا ، كَبَلاَلٍ ، وصُهَيْبٍ ، وعَمَّارٍ ، وَخَبَّابٍ ، وصُبَيْحٍ ، وذي الشِّمَالَيْنِ والمِقْدَادِ ، ونحوِهِمْ ، وسببُ الآية أنَّ بعض أشراف الكُفَّار قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم : نَحْنُ لِشَرَفِنَا وأقْدَارِنَا لاَ يُمْكِنُنَا أنْ نختلطَ بهؤلاءِ ، فلو طَرَدْتَّهم ، لاتَّبَعْنَاكَ ، وَرَدَ في ذلك حديثٌ عن ابْنِ مسعود ، وظاهر الأمر أنهم أرادوا بذلك الخَدِيعَةَ ، فنزلَتِ الآية ، و{ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي } : قال الحَسَنُ بنُ أبي الحَسَن : المراد به صلاةُ مكَّة الَّتي كانَتْ مرَّتين في اليومِ ، بُكْرةً وعَشِيًّا ، وقيل قوله : { بالغداة والعشي } : عبارةٌ عن استمرار الفعْلِ ، وأنَّ الزمان معمورٌ به ، والمرادُ على هذا التأويل ، قيل : الصلواتُ الخَمْس ، قاله ابنُ عَبَّاس وغيره . وقيل : الدُّعاء ، وذِكْرُ اللَّه ، واللفظةُ على وجهها ، وقيل : القُرآنُ وتعلُّمه ، قاله أبو جعفر ، وقيل : العبادةُ ، قاله الضَّحَّاك .
وقوله تعالى : { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } قلتُ : قال الغَزَّالِيُّ في «الجَوَاهر » : النيةُ والعَمَلُ ، بهما تمامُ العبادةِ ، فالنِّيَّة أحد جُزْأيِ العبَادةِ ، لكنها خير الجزأَيْن ، ومعنى النيَّة إرادةُ وَجْه اللَّه سبحانه بالعَمَلِ ، قال اللَّه تعالى : { وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } ، ومعنى إخلاصها تصفيةُ الباعِثِ عن الشوائِبِ ، ثم قال الغَزَّالِيُّ : وإذا عرفْتَ فَضْل النية ، وأنَّها تحلُّ حَدَقَةَ المقْصود ، فاجتهد أنْ تستكثر مِنَ النِّيَّة في جميع أعمالِكَ ، حتى تنوي بعملٍ واحدٍ نيَّاتٍ كثيرةً ، فاجتهد ولو صَدَقَتْ رغبتُكَ ، لَهُدِيتَ لطريقِ رشدك ، انتهى .
وقوله سبحانه : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْءٍ } ، قال الحَسَنُ والجمهورُ : أيْ : مِنْ حسابِ عملهم ، والمعنى : أنك لم تُكَلَّفْ شيئاً غيْرَ دعائهم ، وقوله : { فَتَطْرُدَهُمْ } : هو جوابُ النفْيِ في قوله : { مَا عَلَيْكَ } ، وقوله : { فَتَكُونُ } : جوابُ النهْيِ في قوله : { وَلاَ تَطْرُدِ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.