الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَلَا تَطۡرُدِ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ مَا عَلَيۡكَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَمَا مِنۡ حِسَابِكَ عَلَيۡهِم مِّن شَيۡءٖ فَتَطۡرُدَهُمۡ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (52)

وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وأبو يعلى وأبو نعيم في الحلية وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن خباب قال« جاء الأقرع بن حابس التميمي ، وعيينة بن حصن الفزاري ، فوجدا النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع بلال ، وصهيب ، وعمار ، وخباب ، في أناس ضعفاء من المؤمنين ، فلما رأوهم حوله حقروهم فأتوه فخلوا به ، فقالوا : إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا العرب به فضلنا ، فإن وفود العرب ستأتيك فنستحي أن ترانا العرب قعوداً مع هؤلاء الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا ، فإذا نحن فرغنا فلتقعد معهم إن شئت . قال : نعم . قالوا : فاكتب لنا عليك بذلك كتاباً ، فدعا بالصحيفة ودعا علياً ليكتب ونحن قعود في ناحية ، إذ نزل جبريل بهذه الآية { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } إلى قوله { فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة } فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده ، ثم دعا فأتيناه وهو يقول { سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة } فكنا نقعد معه ، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا ، فأنزل الله { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه . . . } [ الكهف : 28 ] الآية . قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد ، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها ، تركناه حتى يقوم « .

وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن عمر بن عبد الله بن المهاجر مولى غفرة ، أنه قال في أسطوان التوبة : كان أكثر نافلة النبي صلى الله عليه وسلم إليها ، وكان إذا صلى الصبح انصرف إليها وقد سبق إليها الضعفاء ، والمساكين ، وأهل الضر ، وضيفان النبي صلى الله عليه وسلم والمؤلفة قلوبهم ، ومن لا مبيت له إلا المسجد . قال : وقد تحلقوا حولها حلقاً بعضها دون بعض فينصرف إليهم من مصلاه من الصبح ، فيتلو عليهم ما أنزل الله عليه من ليلته ، ويحدثهم ويحدثونه حتى إذا طلعت الشمس جاء أهل الطول والشرف والغني فلم يجدوا إليه مخلصاً ، فتاقت أنفسهم إليه وتاقت نفسه إليهم ، فأنزل الله عز وجل { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه . . . . } [ الكهف : 28 ] إلى منتهى الآيتين ، فلما نزل ذلك فيهم قالوا : يا رسول الله لو طردتهم عنا ونكون نحن جلساءك وإخوانك لا نفارقك ، فأنزل الله عز وجل { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } إلى منتهى الآيتين .

وأخرج الفربابي وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن سعد بن أبي وقاص قال : لقد نزلت هذه الآية في ستة ، أنا ، وعبد الله بن مسعود ، وبلال ، ورجل من هذيل ، واثنين ، قالوا : يا رسول الله أطردهم فأنا نستحي أن نكون تبعاً لهؤلاء ، فوقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ، فأنزل الله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } إلى قوله { أليس الله بأعلم بالشاكرين } .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } قال : المصلين بلال ، وابن أم عبد ، كانا يجالسان محمداً صلى الله عليه وسلم فقالت قريش تحقره لهما : لولاهما وأشباههما لجالسناه ، فنهى عن طردهم حتى قوله { أليس الله بأعلم بالشاكرين } .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال » كان رجال يستبقون إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم بلال ، وصهيب ، وسلمان ، فيجيء أشراف قومه وسادتهم وقد أخذ هؤلاء المجلس فيجلسون ناحية فقالوا : صهيب رومي ، وسلمان فارسي ، وبلال حبشي ، يجلسون عنده ونحن نجيء فنجلس ناحية ، حتى ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا سادة قومك وأشرافهم ، فلو أدنيتنا منك إذا جئنا ؟ قال : فهم إن فعل ، فأنزل الله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم . . . } الآية .

وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال : كان أشراف قريش يأتون النبي صلى الله عليه وسلم وعنده بلال ، وسلمان ، وصهيب ، وغيرهم مثل ابن أم عبد ، وعمار ، وخباب ، فإذا أحاطوا به قال أشراف قريش : بلال حبشي ، وسلمان فارسي ، وصهيب رومي ، فلو نحاهم لأتيناه ، فأنزل الله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } يعني يعبدون ربهم بالغداة والعشي ، يعني الصلاة المكتوبة .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } قال الصلاة المفروضة ، الصبح والعصر .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم في قوله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } قال : هم أهل الذكر لا تطردهم عن الذكر قال سفيان : هم أهل الفقر .