غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا تَطۡرُدِ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ مَا عَلَيۡكَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَمَا مِنۡ حِسَابِكَ عَلَيۡهِم مِّن شَيۡءٖ فَتَطۡرُدَهُمۡ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (52)

51

روي عن ابن مسعود أن الملأ من قريش مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وعنده صهيب وبلال وخباب وعمار وغيرهم من ضعفاء المسلمين - فقالوا : يا محمد ، أرضيت بهؤلاء أتريد أن نكون تبعاً لهؤلاء ؟ اطردهم عنك فلعلك إن طردتهم اتبعناك . فقال صلى الله عليه وسلم : ما أنا بطارد المؤمنين . فقالوا : فأقمهم عنا إذا جئنا فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت . فقال : نعم طمعاً في إيمانهم . وروي أن عمر قال له : لو فعلت حتى ننظر إلى ماذا يصيرون . ثم إنهم قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم : اكتب بذلك كتاباً ، فدعا الصحيفة وبعلي ليكتب فنزلت { ولا تطرد } الآية . فرمى بالصحيفة واعتذر عمر عن مقالته . قال سلمان وخباب : فينا نزلت . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا وندنو منه حتى تمس ركبتنا ركبته ، وكان يقوم عنا إذا أراد القيام فنزلت { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم } [ الكهف : 28 ] فترك القيام عنا إلى أن نقوم عنه . وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات ، أثنى الله عليهم بأنهم يدعون ربهم بالغداة والعشي . قال ابن عباس والحسن ومجاهد : أي يصلون صلاة الصبح والعصر . وقيل : أي يذكرون ربهم طرفي النهار ، والمراد بالغداة والعشي الدوام . والغداة لغة ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس ، والعشي ما بين الزوال إلى الغروب . قال الجوهري : غدوة بالتنوين نكرة وبدونه معرفة غير مصروفة كسحر . ومحل { يريدون وجهه } نصب على الحال أو على الاستئناف كأنه قيل : ما أرادوا بالمواظبة على الدعاء ؟ فأجيب بقوله { يريدون وجهه } ولا يثبت به لله تعالى عضو كما زعمت المجسمة ولكن المراد به التعظيم ، فقد يعبر به عن ذات الشيء أو حقيقته كما يقال : هذا وجه الرأي وذاك وجه الدليل . وأيضاً المحبة تستلزم طلب رؤية الوجه فلهذا السبب جعل الوجه كناية عن المحبة وطلب الرضا . ثم علل النهي بقوله { ما عليك من حسابهم من شيء } قيل : الضمير عائد إلى المشركين أي لا يؤاخذوا بحسابك ولا أنت بحسابهم حتى يهمك إيمانهم ويدعوك ذلك إلى أن تطرد المؤمنين ، والأولى أن يعود إلى الفقراء ليناسب قوله { فتطردهم } كما في قصة نوح { إن حسابهم إلا على ربي } [ الشعراء : 113 ] وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم كان الأمر على ما زعموا فيما يلزمك إلا اعتبار الظاهر إن كان لهم باطن غير مرضي فحسابهم لا يتعدى إليك كما أن حسابك لا يتعدى إليهم ، فالجملتان لهما مؤدى واحد وهو المفهوم من قوله { ولا تزر وازرة وزر أخرى } [ الأنعام : 164 ] كأنه قيل : لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه . وقيل : ما عليك من حساب رزقهم من شيء ولا من حساب رزقك عليهم من شيء . وإنما الرازق لك ولهم هو الله سبحانه فدعهم يكونوا عندك ، أما قوله { فتطردهم } فهو جواب النفي في { ما عليك } وفي انتصاب { فتكون } وجهان : أحدهما أنه جواب النهي ، والثاني أنه عطف على { فتطردهم } على وجه التسبب ، لأن كونه ظالماً معلوم من طردهم ومسبب عنه ، فإن طرد من يستوجب التقريب والترحيب وضع للشيء في غير موضعه ومن هنا طعن بعض الناس في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : كان يقول كلما دخل أولئك الفقراء عليه بعد هذه الواقعة مرحباً بمن عاتبني ربي فيهم أو لفظ هذا معناه . والجواب أنه ما طردهم لأجل الاستخفاف بهم والاستنكاف من فقرهم وإنما أفرد لهم مجلساً تألفاً لقلوب المشركين وتكثيراً لسواد الإسلام مع علمه بأنه لا يفوت الفقراء بهذه المصالحة أمر مهم في الدنيا ولا في الدين ، فغاية ذلك أنه يكون من باب تبرك الأولى والأفضل .

/خ60