الآية 52 وقوله تعالى : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } يذكر في بعض القصة أن رجالا من أصحاب رسول الله كانوا يسبقون إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجلسون قريبا منه ، فيجيء أشراف القوم وساداتهم ، وقد أخذ{[7120]} أولئك المجلس ، فجلس هؤلاء ناحية ، فقالوا : نحن نجيء ، فنجلس ناحية ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا سادات قومك وأشرافهم ، فلو ادنيتنا منك المجلس ، فهم أن يفعل ذلك ، فأنزل الله هذه الآية ، يعاتب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } الآية . [ إلى ]{[7121]} هذا يذهب عامة أهل التأويل . لكنه بعيد ؛ ينسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أوحش [ فعل{[7122]} وأفحش قول{[7123]} ] ما لو كان فيه إسقاط نبوته ورسالته ؛ إذ لا يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يقرب أعداءه ، ويدني مجلسهم منه ، ويبعد الأولياء/149-أ/ هذا لا يفعله سفيه فضلا أن يفعله رسول الله المصطفى على جميع بريته ، أو يخطر بباله شيء من ذلك ، أو{[7124]} كان فيه ما يجد الكفرة عليه مطعنا ؛ يقولون : يدعون الناس إلى التوحيد والإيمان به والاتباع له ، فإذا فعلوا ذلك ، وأجابوه ، طردهم ، وأبعد مجلسهم منه .
هذا لعمري مدفوع في عقل كل عاقل . ولكن ، [ إن كان ، فجائز أن يكون ]{[7125]} منهم طلب{[7126]} ذلك ؛ طلبوا منه أن يدني مجلسهم ، ويبعد أولئك ؛ هذا يحتمل . وأما أن يهم أن يفعل ذلك أو خطر بباله شيء من ذلك فلا يحتمل .
وجائز أن يكون هذا من الله ابتداء تأديب وتعليم ؛ يعلم رسوله صحبة أصحابه ومعاملته معهم كقوله : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } [ الكهف : 28 ] ، [ ولهيا عن ]{[7127]} أن يمد عينيه إلى ما متع أولئك كقوله : { لا تمدن عينيك } الآية [ الحجر : 88 ] ، ويخبره عن عظيم قدرهم عند الله . وقد ذكرنا أن العصمة لا تمنع الحظر ، بل العصمة تزيد في النهي والزجر .
وأخبر أن ليس عليه { من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء } فإنما عليك البلاغ ، وعليهم الإجابة ، وهو كقوله تعالى : ٍفإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم } [ النور : 54 ] .
وقوله تعالى : { يدعون ربهم بالغداة والعشي } يشبه أن يكونوا يجتمعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل غداة ومساء ، فيسمعون منه ، ثم يفترقون على ما عليه أمر الناس من الاجتماع كل غداة ومساء عند الفقهاء وأهل العلم .
وجائز أن يكون ذكر الغداة والعشي كناية عن الليل كله وعن النهار جملة كقوله تعالى : { والضحى } { والليل إذا سجى } [ الضحى : 1 و2 ] ليس يريد بالضحى الضحوة خاصة ولكن [ يريد ]{[7128]} النهار كله . ألا ترى أنه قال : { والليل إذا سجى } ؟ ذكر الليل دل أنه كان الضحى كناية عن النهار جملة . فعلى ذلك [ ذكر ]{[7129]} الغداة والعشي يجوز أن يكون كناية عن الليل والنهار جملة{[7130]} ، والله أعلم .
وجائز أن يكونوا أصحاب الحرف والمكاسب لا يتفرعون للاجتماع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستماع منه في عامة النهار ، ولكن يجتمعون إليه ، ويستمعون منه بالغداة والعشي ، فكان ذكر الغداة والعشي لذلك أو لما ذكرنا .
وجائز أن يكون المراد بذكر الغداة والعشي صلاة الغداة وصلاة العشاء ؛ يقول : { ولا تطرد } من يشهد هاتين الصلاتين ، وإنما يشهدهما أهل الإيمان . وأما أهل النفاق فإنهم لا يشهدون هاتين الصلاتين . ويحتمل ما ذكرنا .
وقوله تعالى : { فتطردهم فتكون من الظالمين } [ الظلم ]{[7131]} على وجوه : ظلم كفر ، وظلم شرك ، وظلم يكون بدونهما{[7132]} ؛ وهو أن يمنع [ أحد ، أو يؤخذ منه حقه ]{[7133]} بغير حق . فهو كله ظلم . والظلم ههنا ، والله أعلم ، يشبه أن يكون هو وضع الحكمة في غير أهلها ؛ لأنه لو كان منه ما ذكر من طرد أولئك وإدناء أولئك ، لم يكونوا أهلا للحكمة ، ويجوز أن يوصف واضع الحكمة في غير موضعها بالظلم على ما روي في الخبر أن " من وضع الحكمة في غير أهلها فقد ظلمها ، ومن منعها عن أهلها فقد ظلمهم " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.