قوله تعالى : { ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم } ، قيل : أراد بهم اليهود والنصارى فاكتفى بذكر أحدهما ، والصحيح أن الآية في النصارى خاصة ، لأنه قد تقدم ذكر اليهود ، وقال الحسن : فيه دليل على أنهم نصارى بتسميتهم ، لا بتسمية الله تعالى ، { أخذنا ميثاقهم } في التوحيد والنبوة .
قوله تعالى : { فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } ، بالأهواء المختلفة ، والجدال في الدين ، قال مجاهد وقتادة : يعني بين اليهود والنصارى ، وقال الربيع : هم النصارى وحدهم ، صاروا فرقاً منهم اليعقوبية ، والنسطورية ، والملكانية ، وكل فرقة تكفر الأخرى .
قوله تعالى : { وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون } في الآخرة .
وقوله : { وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ } أي : ومن الذين ادعوا لأنفسهم أنهم نصارى يتابعون المسيح ابن مريم عليه السلام ، وليسوا كذلك ، أخذنا عليهم العهود والمواثيق على متابعة الرسول ومناصرته ومؤازرته واقتفاء آثاره ، والإيمان بكل نبي يرسله الله إلى أهل الأرض ، أي : ففعلوا كما فعل اليهود ، خالفوا المواثيق ونقضوا العهود ؛ ولهذا قال : { فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } أي : فألقينا بينهم العداوة والتباغض لبعضهم بعضا ، ولا يزالون كذلك إلى{[9434]} قيام الساعة . وكذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين ، يكفر بعضهم بعضا ، ويلعن بعضهم بعضا ؛ فكل فرقة تُحَرم الأخرى ولا تدعها تَلجُ معبدها ، فالملكية تكفر اليعقوبية ، وكذلك الآخرون ، وكذلك النسطورية والآريوسية ، كل طائفة تكفر{[9435]} الأخرى في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .
ثم قال تعالى : { وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } وهذا تهديد ووعيد أكيد للنصارى على ما ارتكبوه من الكذب على الله وعلى رسوله ، وما نسبوه إلى الرب ، عز وجل ، وتعالى وتقدس عن قولهم علوًا كبيرًا ، من جعلهم له صاحبة وولدا ، تعالى الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كُفوًا أحد .
{ ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم } أي وأخذنا من النصارى ميثاقهم كما أخذنا ممن قبلهم ، وقيل تقديره ومن الذين قالوا إنا نصارى قوم أخذنا ، وإنما قال قالوا إنا نصارى ليدل على أنهم سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله سبحانه وتعالى . { فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا } فألزمنا من غري بالشيء إذا لصق به . { بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } بين فرق النصارى ، وهم نسطورية ويعقوبية وملكانية ، أو بينهم وبين اليهود . { وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون } بالجزاء والعقاب .
{ من } متعلقة { بأخذنا } التقدير : وأخذنا من الذين قالوا إنّا نصارى ميثاقهم ، ويحتمل أن يكون قوله { ومن } معطوف على قوله { خائنة منهم } [ المائدة : 13 ] ، ويكون قوله { أخذنا ميثاقهم } ابتداء خبر عنهم ، والأول أرجح . وعلق كونهم نصارى بقولهم ودعواهم ، من حيث هو اسم شرعي يقتضي نصر دين الله ، وسموا به أنفسهم دون استحقاق ولا مشابهة بين فعلهم وقولهم ، فجاءت هذه العبارة موبخة لهم مزحزحة عن طريق نصر دين الله وأنبيائه ، وقوله تعالى : { فأغرينا بينهم } معناه أثبتناها بينهم وألصقناها ، والإغراء مأخوذ من الغراء الذي يلصق به ، والضمير في { بينهم } يحتمل أن يعود على اليهود والنصارى لأن العداوة بينهم ، موجودة مستمرة ، ويحتمل أن يعود على النصارى فقط لأنها أمة متقاتلة بينها الفتن إلى يوم القيامة ، ثم توعدهم الله تعالى بعقاب الآخرة إذ إنباؤهم بصنعهم إنما هو تقرير وتوبيخ متقدم للعذاب ، إذ صنعهم كفر يوجب الخلود في النار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.