قوله تعالى : { كم أهلكنا من قبلهم من قرن } يعني : من الأمم الخالية ، { فنادوا } استغاثوا عند نزول العذاب وحلول النقمة ، { ولات حين مناص } أي ليس حين نزول العذاب بهم حين فرار ، و( ( المناص ) ) مصدر ناص ينوص ، وهو الفرار والتأخير ، يقال : ناص ينوص إذا تأخر ، وناص ينوص إذا تقدم ، و ( ( لات ) ) بمعنى ليس بلغة أهل اليمن . وقال النحويون هي ( ( لا ) ) زيدت فيها التاء ، كقولهم : رب وربت وثم وثمت ، وأصلها هاء وصلت بلا ، فقالوا : ( ( لاة ) ) كما قالوا : ثمة ، فجعلوها في الوصل تاء ، والوقف عليها بالتاء عند الزجاج ، وعند الكسائي بالهاء : لاه ، ذهب جماعة إلى أن التاء زيدت في ( ( حين ) ) ، والوقف على ( ( ولا ) ) ، ثم يبتدئ : ( ( تحين ) ) ، وهو اختيار أبي عبيدة ، وقال : كذلك وجدت في مصحف عثمان ، وهذا كقول أبي وجرة السعدي : العاطفون تحين ما من عاطف *** والمطعمون زمان ما من مطعم
وفي حديث ابن عمر ، وسأله رجل عن عثمان ، فذكر مناقبه ثم قال : اذهب بها تلان إلى أصحابك ، يريد : الآن . قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان كفار مكة إذا قاتلوا فاضطروا في الحرب ، قال بعضهم لبعض : مناص ، أي : اهربوا وخذوا حذركم ، فلما أنزل بهم العذاب ببدر قالوا : مناص ، فأنزل الله تعالى : { ولات حين مناص }أي ليس الحين حين هذا القول .
ثم خوفهم ما أهلك به الأمم المكذبة قبلهم بسبب مخالفتهم للرسل وتكذيبهم الكتب المنزلة من
السماء فقال : { كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ } أي : من أمة مكذبة ، { فَنَادَوْا } أي : حين جاءهم العذاب استغاثوا وجأروا إلى الله . وليس ذلك بمجد عنهم شيئا . كما قال تعالى : { فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ } ] الأنبياء : 12 [ أي : يهربون ، { لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } ] الأنبياء : 13[
قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن التميمي قال : سألت ابن عباس عن قول الله : { فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ } قال : ليس بحين نداء ، ولا نزو ولا فرار . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ليس بحين مغاث . وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس : نادوا النداء حين لا ينفعهم وأنشد :
تَذَكَّر ليلى لاتَ حين تذَكّر . . . . . .
وقال محمد بن كعب في قوله : { فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ } يقول : نادوا بالتوحيد حين تولت الدنيا عنهم ، واستناصوا للتوبة حين تولت الدنيا عنهم . وقال قتادة : لما رأوا العذاب أرادوا التوبة في غير حين النداء .
وقال مجاهد : { فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ } ليس بحين فرار ولا إجابة . وقد روي نحو هذا عن عكرمة ، وسعيد بن جبير وأبي مالك والضحاك وزيد بن أسلم والحسن وقتادة . وعن مالك ، عن زيد بن أسلم : { وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ } ولا نداء في غير حين النداء .
وهذه الكلمة وهي " لات " هي " لا " التي للنفي ، زيدت معها " التاء " كما تزاد في " ثم " فيقولون : " ثمت " ، و " رب " فيقولون : " ربت " . وهي مفصولة والوقف عليها . ومنهم من حكى عن المصحف الإمام فيما ذكره ابن جرير أنها متصلة بحين : " ولا تحين مناص " . والمشهور الأول . ثم قرأ الجمهور بنصب " حين " تقديره : وليس الحين حين مناص . ومنهم من جوز النصب بها ، وأنشد :
تَذَكَّر حُب ليلى لاتَ حينا *** وأَضْحَى الشَّيْبُ قد قَطَع القَرينا
ومنهم من جوز الجر بها ، وأنشد :
طَلَبُوا صُلْحَنَا ولاتَ أوانٍ *** فأجَبْنَا أن ليس حينُ بقاءِ
بخفض الساعة ، وأهل اللغة يقولون : النوص : التأخر ، والبوص : التقدم . ولهذا قال تعالى : { وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ } أي : ليس الحين حين فرار ولا ذهاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.