قوله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } . أي واظبوا وداوموا على الصلوات المكتوبات بمواقيتها ، وحدودها وإتمام أركانها ، ثم خص من بينها الصلاة الوسطى بالمحافظة عليها ، دلالة على فضلها ، و " وسطى " تأنيث " الأوسط " ، ووسط الشيء : خيره وأعدله واختلف العلماء من الصحابة ومن بعدهم في الصلاة الوسطى فقال قوم : هي صلاة الفجر ، وهو قول عمر وابن عمر وابن عباس ومعاذ وجابر ، وبه قال عطاء وعكرمة ومجاهد ، وإليه مال مالك والشافعي ، لأن الله تعالى قال : ( وقوموا لله قانتين ) والقنوت طول القيام ، وصلاة الصبح مخصوصة بطول القيام ، وبالقنوت لأن الله تعالى خصها في آية أخرى من بين الصلاة فقال الله تعالى : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً ) ، يعني تشهدها ملائكة الليل ، وملائكة النهار ، فهي مكتوبة في ديوان الليل وديوان النهار ، ولأنها بين صلاتي جمع ، وهي لا تقصر ولا تجمع إلى غيرها . وذهب قوم إلى أنها صلاة الظهر ، وهو قول زيد بن ثابت ، وأبي سعيد الخدري وأسامة ابن زيد ، لأنها وسط النهار وهي أوسط صلاة النهار في الطول .
أخبرنا عمر بن عبد العزيز ، أخبرنا أبو القاسم بن جعفر الهاشمي ، أنا أبو علي اللؤلؤي ، أنا أبو داود أنا محمد بن المثنى ، أنا محمد بن جعفر ، أنا شعبة حدثني عمرو بن أبي حكيم قال : سمعت الزبير يحدث عن عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منها ، فنزلت : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) .
وذهب الأكثرون إلى أنها صلاة العصر ، رواه جماعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول علي وعبد الله بن مسعود وأبي أيوب وأبي هريرة وعائشة رضوان الله عليهم وبه قال إبراهيم النخعي وقتادة والحسن .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب عن مالك بن زيد بن أسلم ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما أنه قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فلما بلغتها آذنتها فأملت علي : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين ) قالت عائشة رضي الله عنها : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن حفصة مثل ذلك . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أنا أبو جعفر الرياني ، أنا حميد بن زنجويهن أخبرنا أبو نعيم ، أنا سفيان عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن جحش قال : قلنا لعبيدة : سل علياً عن الصلاة الوسطى . فسأله قال : كنا نرى أنها صلاة الفجر حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الخندق : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً " .
ولأنها صلاتي نهار ، وصلاتي ليل ، وقد خصها النبي صلى الله عليه وسلم بالتغليظ . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل ، أنا مسلم بن إبراهيم أنا هشام أنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة عن أبي المليح ، قال : كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم فقال : بكروا بصلاة العصر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " . وقال قبيصة بن ذؤيب : هي صلاة المغرب لأنها وسط ، ليس بأقلها ولا بأكثرها ، وقال بعضهم : إنها صلاة العشاء ، ولم ينقل عن السلف فيها شيء ، وإنما ذكرها بعض المتأخرين لأنها بين صلاتي لا تقصران . وقال بعضهم هي إحدى الصلوات الخمس لا بعينها ، أبهمها الله تعالى تحريضاً للعباد على المحافظة على أداء جميعها ، كما أخفى ليلة القدر في شهر رمضان وساعة إجابة الدعوة في يوم الجمعة وأخفى الاسم الأعظم في الأسماء ليحافظوا على جميعها .
قوله تعالى : { وقوموا لله قانتين } . أي مطيعين ، قال الشعبي وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وطاووس ، والقنوت : الطاعة ، قال الله تعالى ( أمة قانتاً لله ) أي مطيعاً . وقال الكلبي ومقاتل : لكل أهل دين صلاة يقومون فيها عاصين فقوموا أنتم لله في صلاتكم مطيعين ، وقيل : القنوت السكوت عما لا يجوز التكلم به في الصلاة . أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، أنا أبو عيسى الترمذي أنا أحمد بن منيع أنا هشيم أنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن سقيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال : كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه إلى جنبه حتى نزلت { وقوموا لله قانتين } فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام .
وقال مجاهد : خاشعين ، وقال : من القنوت طول الركوع ، وغض البصر والركود وخفض الجناح ، كان العلماء إذ كان أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يلتفت أو يقلب الحصى أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا إلا ناسياً ، وقيل : المراد من القنوت طول القيام .
أخبرنا أبو عثمان الضبي ، أنا أبو محمد الجراحي أنا أبو العباس المحبوبي ، أنا أبو عيسى الترمذي أنا ابن أبي عمر ، أنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل ؟ قال : " طول القنوت " . وقيل : قانتين أي داعين . دليله ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً يدعو على أحياء من سليم ، على رعل وذكوان وعصية " وقيل : معناه مصلين لقوله تعالى ( أمن هو قانت آناء الليل ) أي مصل .
وفي هذا الجو الذي يربط القلوب بالله ، ويجعل الإحسان والمعروف في العشرة عبادة لله ، يدس حديثا عن الصلاة - أكبر عبادات الإسلام - ولم ينته بعد من هذه الأحكام . وقد بقي منها حكم المتوفى عنها زوجها وحقها في وصية تسمح لها بالبقاء في بيته والعيش من ماله ، وحكم المتاع للمطلقات بصفة عامة - يدس الحديث عن الصلاة في هذا الجو ، فيوحي بأن الطاعة لله في كل هذا عبادة كعبادة الصلاة ، ومن جنسها ، وهو إيحاء لطيف من إيحاءات القرآن . وهو يتسق مع التصور الإسلامي لغاية الوجود الإنساني في قوله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) . واعتبار العبادة غير مقصورة على الشعائر ، بل شاملة لكل نشاط ، الاتجاه فيه إلى الله ، والغاية منه طاعة الله :
( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين . فإن خفتم فرجالا أو ركبانا . فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) . .
والأمر هنا بالمحافظة على الصلوات ، يعني إقامتها في أوقاتها ، وإقامتها صحيحة الأركان ، مستوفية الشرائط . أما الصلاة الوسطى فالأرجح من مجموع الروايات أنها صلاة العصر لقوله [ ص ] يوم الأحزاب :
" شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر . ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا " . . وتخصيصها بالذكر ربما لأن وقتها يجيء بعد نومة القيلولة ، وقد تفوت المصلي . .
والأمر بالقنوت ، الأرجح أنه يعني الخشوع لله والتفرغ لذكره في الصلاة . وقد كانوا يتكلمون في أثناء الصلاة فيما يعرض لهم من حاجات عاجلة . حتى نزلت هذه الآية فعلموا منها أن لا شغل في الصلاة بغير ذكر الله والخشوع له والتجرد لذكره .
{ حافظوا على الصلوات } بالأداء لوقتها والمداومة عليها ، ولعل الأمر بها في تضاعيف أحكام الأولاد والأزواج لئلا يلهيهم الاشتغال بشأنهم عنها . { والصلاة الوسطى } أي الوسطى بينها ، أو الفضلى منها خصوصا وهي صلاة العصر لقوله عليه الصلاة والسلام يوم الأحزاب " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم نارا " . وفضلها لكثرة اشتغال الناس في وقتها ، واجتماع الملائكة . وقيل صلاة الظهر لأنها في وسط النهار وكانت أشق الصلوات عليهم فكانت أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام " أفضل العبادات أحمزها " . وقيل صلاة الفجر لأنها بين صلاتي النهار والليل والواقعة في الحد المشترك بينهما ولأنها مشهودة . وقيل المغرب لأنها المتوسطة بالعدد ووتر النهار . وقيل العشاء لأنها بين جهريتين واقعتين طرفي الليل . وعن عائشة رضي الله تعالى عنها : أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ : " والصلاة الوسطى العصر " ، فتكون صلاة من الأربع خصت بالذكر مع العصر لانفرادهما بالفضل . وقرئ بالنصب على الاختصاص والمدح .
{ وقوموا لله } في الصلاة . { قانتين } ذاكرين له في القيام ، والقنوت الذكر فيه . وقيل خاشعين ، وقال ابن المسيب المراد به القنوت في الصبح .
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ( 238 )
الخطاب لجميع الأمة ، والآية أمر بالمحافظة على إقامة الصلوات في أوقاتها وبجميع شروطها ، وذكر تعالى { الصلاة الوسطى } ثانية وقد دخلت قبل في عموم قوله { الصلوات } لأنه قصد تشريفها وإغراء المصلين بها ، وقرأ أبو جعفر أبو الرؤاسي( {[2304]} ) «والصلاةَ الوسطى » بالنصب على الإغراء ، وقرأ كذلك الحلواني( {[2305]} ) .
واختلف الناس من أي صلاة هو هذا الوصف ، فذهبت فرقة إلى أنها الصبح وأن لفظ { وسطى }( {[2306]} ) يراد به الترتيب ، لأنها قبلها صلاتا ليل يجهر فيهما ، وبعدها صلاتا نهار يسر فيهما ، قال هذا القول علي بن أبي طالب ، وابن عباس( {[2307]} ) ، وصلى( {[2308]} ) بالناس يوماً الصبح فقنت قبل الركوع فلما فرغ قال : «هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا الله أن نقوم فيها قانتين » ، وقاله أبو العالية ورواه عن جماعة من الصحابة ، وقاله جابر بن عبد الله وعطاء بن أبي رباح وعكرمة ومجاهد وعبد الله بن شداد بن الهادي( {[2309]} ) والربيع ومالك بن أنس . وقوى مالك ذلك بأن الصبح لا تجمع إلى غيرها ، وصلاتا جمع قبلها وصلاتا جمع بعدها( {[2310]} ) ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبْواً » ، وقال : «إنهما أشدّ الصلوات على المنافقين »( {[2311]} ) ، وفضل الصبح لأنها كقيام ليلة لمن شهدها والعتمة نصف ليلة( {[2312]} ) ، وقال الله تعالى { إن قرآن الفجر كان مشهوداً }( {[2313]} ) [ الإسراء : 78 ] ، فيقوي هذا كله أمر الصبح .
وقالت فرقة : هي صلاة الظهر . قاله زيد بن ثابت ورفع فيه حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم( {[2314]} ) . وقاله أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر . واحتج قائلوا هذه المقالة بأنها أول صلاة صليت في الإسلام ، فهي وسطى بذلك ، أي فضلى ، فليس هذا التوسط في الترتيب ، وأيضاً فروي أنها كانت أشق الصلوات على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لأنها كانت تجيء في الهاجرة ، وهم قد نفعتهم أعمالهم في أموالهم( {[2315]} ) ، وأيضاً فيدل على ذلك ما قالته حفصة وعائشة حين أملتا : حافظو على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر( {[2316]} ) ، فهذا اقتران الظهر والعصر .
وقالت فرقة : { الصلاة الوسطى } صلاة العصر لأنها قبلها صلاتا نهار وبعدها صلاتا ليل ، وروي هذا القول أيضاً عن علي بن أبي طالب وابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وأبي سعيد الخدري ، وفي مصحف عائشة رضي الله عنها «والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر » ، وهو قولها المروي عنها . وقاله الحسن البصري وإبراهيم النخعي ، وفي إملاء حفصة أيضاً «والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر » ، ومن روى «وصلاة العصر » فيتناول أنه عطف ( {[2317]} )الصفتين على الأخرى وهما لشيء واحد( {[2318]} ) . كما تقول جاءني زيد الكريم والعاقل ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر » ، على البدل ، وروى هذا القول سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم وتواتر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الأحزاب «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً » ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «كنا نرى أنها الصبح حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر .
فعرفنا أنها العصر « ، وقال البراء ابن عازب : كنا نقرأ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم : حافظوا على الصلوات وصلاة العصر . ثم نسخها الله ، فقرأنا : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } . فقال له رجل : فهي العصر ؟ ، قال : » قد أخبرتك كيف قرأناها وكيف نسخت( {[2319]} ) « ، والله أعلم . وروى أبو مالك الأشعري أن رسول الله صلى عليه وسلم قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر ( {[2320]} ) .
قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا القول جمهور الناس وبه أقوال والله أعلم( {[2321]} ) .
وقال قبيصة بن ذؤيب : الصلاة الوسطى صلاة المغرب ، لأنها متوسطة في عدد الركعات ليست ثنائية ولا رباعية ، وأيضاً فقبلها صلاتا سر وبعدها صلاتا جهر ، وحكى أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر في شرح باب جامع الوقوت وغيره عن فرقة أن { الصلاة الوسطى } صلاة العشاء الآخرة ، وذلك انها تجيء في وقت نوم وهي أشد الصلوات على المنافقين ، ويستحب تأخيرها وذلك شاق فوقع التأكيد في المحافظة عليها ، وأيضاً فقبلها صلاتان وبعدها صلاتان .
وقالت فرقة : { الصلاة الوسطى } لم يعينها الله تعالى لنا ، فهي في جملة الخمس غير معينة ، كليلة القدر في ليالي العشر ، فعَلَ الله ذلك لتقع المحافظة على الجميع ، قاله نافع عن ابن عمر وقاله الربيع بن خثيم .
وقالت فرقة : { الصلاة الوسطى } هي صلاة الجمعة فإنها وسطى فضلى ، لما خصت به من الجمع والخطبة وجعلت عيداً ، ذكره ابن حبيب ومكي .
وقال بعض العلماء : { الصلاة الوسطى } المكتوبة الخمس( {[2322]} ) ، وقوله أولاً { على الصلوات } يعم النفل والفرض ، ثم خص الفرض بالذكر ، ويجري مع هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم : شغلونا عن الصلاة الوسطى .
وقوله تعالى { وقوموا لله قانتين } معناه في صلاتكم ، واختلف الناس في معنى { قانتين } ، فقال الشعبي : » معناه مطيعين « ، وقاله جابر بن زيد وعطاء وسعيد بن جبير ، وقال الضحاك : كل قنوت في القرآن فإنما يعنى به الطاعة ، وقاله أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن أهل كل دين فهم اليوم يقومون لله عاصمين ، فقيل لهذه الأمة وقوموا لله مطيعين ، وقال نحو هذا الحسن بن أبي الحسن وطاوس ، وقال السدي : » قانتين معناه ساكتين »( {[2323]} ) ، وهذه الآية نزلت في المنع من الكلام في الصلاة وكان ذلك مباحاً في صدر الإسلام .
وقال عبد الله بن مسعود : «كنا نتكلم في الصلاة ونرد السلام ويسأل الرجل صاحبه عن حاجته » قال : «ودخلت يوماً والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس فسلمت فلم يرد عليّ أحد ، فاشتد ذلك عليَّ ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أنا أمرنا أن نقوم قانتين لا نتكلم في الصلاة ، والقنوت السكوت ، وقاله زيد بن أرقم ، وقال : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت : { وقوموا لله قانتين } ، فأمرنا بالسكوت ، وقال مجاهد : معنى قانتين خاشعين ، القنوت طول الركوع الخشوع وغض البصر وخفض الجناح .
قال القاضي أبو محمد : وإحضار الخشية والفكر في الوقوف بين يدي الله تعالى ، وقال الربيع : القنوت طول القيام وطول الركوع والانتصاب له ، وقال قوم : القنوت الدعاء ، و { قانتين } معناه داعين ، روي معنى هذا عن ابن عباس ، وفي الحديث : قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على رعل وذكوان ، فقال قوم : معناه دعا ، وقال قوم : معناه طوّل قيامه ، ولا حجة في هذا الحديث لمعنى الدعاء( {[2324]} ) .