المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ} (238)

238- احرصوا على إقامة الصلوات كلها ، وداوموا عليها ، واحرصوا على أن تكون صلاتكم هي الصلاة الفضلى بإقامة أركانها والإخلاص الكامل لله فيها ، وأتموا طاعة الله تعالى وذكره مخلصين له خاشعين لجلاله ، والصلاة الوسطى هي صلاة الفجر أو العصر على خلاف في الاجتهاد .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ} (238)

قوله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } . أي واظبوا وداوموا على الصلوات المكتوبات بمواقيتها ، وحدودها وإتمام أركانها ، ثم خص من بينها الصلاة الوسطى بالمحافظة عليها ، دلالة على فضلها ، و " وسطى " تأنيث " الأوسط " ، ووسط الشيء : خيره وأعدله واختلف العلماء من الصحابة ومن بعدهم في الصلاة الوسطى فقال قوم : هي صلاة الفجر ، وهو قول عمر وابن عمر وابن عباس ومعاذ وجابر ، وبه قال عطاء وعكرمة ومجاهد ، وإليه مال مالك والشافعي ، لأن الله تعالى قال : ( وقوموا لله قانتين ) والقنوت طول القيام ، وصلاة الصبح مخصوصة بطول القيام ، وبالقنوت لأن الله تعالى خصها في آية أخرى من بين الصلاة فقال الله تعالى : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً ) ، يعني تشهدها ملائكة الليل ، وملائكة النهار ، فهي مكتوبة في ديوان الليل وديوان النهار ، ولأنها بين صلاتي جمع ، وهي لا تقصر ولا تجمع إلى غيرها . وذهب قوم إلى أنها صلاة الظهر ، وهو قول زيد بن ثابت ، وأبي سعيد الخدري وأسامة ابن زيد ، لأنها وسط النهار وهي أوسط صلاة النهار في الطول .

أخبرنا عمر بن عبد العزيز ، أخبرنا أبو القاسم بن جعفر الهاشمي ، أنا أبو علي اللؤلؤي ، أنا أبو داود أنا محمد بن المثنى ، أنا محمد بن جعفر ، أنا شعبة حدثني عمرو بن أبي حكيم قال : سمعت الزبير يحدث عن عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منها ، فنزلت : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) .

وذهب الأكثرون إلى أنها صلاة العصر ، رواه جماعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول علي وعبد الله بن مسعود وأبي أيوب وأبي هريرة وعائشة رضوان الله عليهم وبه قال إبراهيم النخعي وقتادة والحسن .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب عن مالك بن زيد بن أسلم ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما أنه قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فلما بلغتها آذنتها فأملت علي : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين ) قالت عائشة رضي الله عنها : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن حفصة مثل ذلك . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أنا أبو جعفر الرياني ، أنا حميد بن زنجويهن أخبرنا أبو نعيم ، أنا سفيان عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن جحش قال : قلنا لعبيدة : سل علياً عن الصلاة الوسطى . فسأله قال : كنا نرى أنها صلاة الفجر حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الخندق : " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً " .

ولأنها صلاتي نهار ، وصلاتي ليل ، وقد خصها النبي صلى الله عليه وسلم بالتغليظ . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل ، أنا مسلم بن إبراهيم أنا هشام أنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة عن أبي المليح ، قال : كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم فقال : بكروا بصلاة العصر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " . وقال قبيصة بن ذؤيب : هي صلاة المغرب لأنها وسط ، ليس بأقلها ولا بأكثرها ، وقال بعضهم : إنها صلاة العشاء ، ولم ينقل عن السلف فيها شيء ، وإنما ذكرها بعض المتأخرين لأنها بين صلاتي لا تقصران . وقال بعضهم هي إحدى الصلوات الخمس لا بعينها ، أبهمها الله تعالى تحريضاً للعباد على المحافظة على أداء جميعها ، كما أخفى ليلة القدر في شهر رمضان وساعة إجابة الدعوة في يوم الجمعة وأخفى الاسم الأعظم في الأسماء ليحافظوا على جميعها .

قوله تعالى : { وقوموا لله قانتين } . أي مطيعين ، قال الشعبي وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وطاووس ، والقنوت : الطاعة ، قال الله تعالى ( أمة قانتاً لله ) أي مطيعاً . وقال الكلبي ومقاتل : لكل أهل دين صلاة يقومون فيها عاصين فقوموا أنتم لله في صلاتكم مطيعين ، وقيل : القنوت السكوت عما لا يجوز التكلم به في الصلاة . أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، أنا أبو عيسى الترمذي أنا أحمد بن منيع أنا هشيم أنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن سقيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال : كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه إلى جنبه حتى نزلت { وقوموا لله قانتين } فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام .

وقال مجاهد : خاشعين ، وقال : من القنوت طول الركوع ، وغض البصر والركود وخفض الجناح ، كان العلماء إذ كان أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يلتفت أو يقلب الحصى أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا إلا ناسياً ، وقيل : المراد من القنوت طول القيام .

أخبرنا أبو عثمان الضبي ، أنا أبو محمد الجراحي أنا أبو العباس المحبوبي ، أنا أبو عيسى الترمذي أنا ابن أبي عمر ، أنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل ؟ قال : " طول القنوت " . وقيل : قانتين أي داعين . دليله ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً يدعو على أحياء من سليم ، على رعل وذكوان وعصية " وقيل : معناه مصلين لقوله تعالى ( أمن هو قانت آناء الليل ) أي مصل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ} (238)

221

وفي هذا الجو الذي يربط القلوب بالله ، ويجعل الإحسان والمعروف في العشرة عبادة لله ، يدس حديثا عن الصلاة - أكبر عبادات الإسلام - ولم ينته بعد من هذه الأحكام . وقد بقي منها حكم المتوفى عنها زوجها وحقها في وصية تسمح لها بالبقاء في بيته والعيش من ماله ، وحكم المتاع للمطلقات بصفة عامة - يدس الحديث عن الصلاة في هذا الجو ، فيوحي بأن الطاعة لله في كل هذا عبادة كعبادة الصلاة ، ومن جنسها ، وهو إيحاء لطيف من إيحاءات القرآن . وهو يتسق مع التصور الإسلامي لغاية الوجود الإنساني في قوله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) . واعتبار العبادة غير مقصورة على الشعائر ، بل شاملة لكل نشاط ، الاتجاه فيه إلى الله ، والغاية منه طاعة الله :

( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين . فإن خفتم فرجالا أو ركبانا . فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) . .

والأمر هنا بالمحافظة على الصلوات ، يعني إقامتها في أوقاتها ، وإقامتها صحيحة الأركان ، مستوفية الشرائط . أما الصلاة الوسطى فالأرجح من مجموع الروايات أنها صلاة العصر لقوله [ ص ] يوم الأحزاب :

" شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر . ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا " . . وتخصيصها بالذكر ربما لأن وقتها يجيء بعد نومة القيلولة ، وقد تفوت المصلي . .

والأمر بالقنوت ، الأرجح أنه يعني الخشوع لله والتفرغ لذكره في الصلاة . وقد كانوا يتكلمون في أثناء الصلاة فيما يعرض لهم من حاجات عاجلة . حتى نزلت هذه الآية فعلموا منها أن لا شغل في الصلاة بغير ذكر الله والخشوع له والتجرد لذكره .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ} (238)

{ حافظوا على الصلوات } بالأداء لوقتها والمداومة عليها ، ولعل الأمر بها في تضاعيف أحكام الأولاد والأزواج لئلا يلهيهم الاشتغال بشأنهم عنها . { والصلاة الوسطى } أي الوسطى بينها ، أو الفضلى منها خصوصا وهي صلاة العصر لقوله عليه الصلاة والسلام يوم الأحزاب " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم نارا " . وفضلها لكثرة اشتغال الناس في وقتها ، واجتماع الملائكة . وقيل صلاة الظهر لأنها في وسط النهار وكانت أشق الصلوات عليهم فكانت أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام " أفضل العبادات أحمزها " . وقيل صلاة الفجر لأنها بين صلاتي النهار والليل والواقعة في الحد المشترك بينهما ولأنها مشهودة . وقيل المغرب لأنها المتوسطة بالعدد ووتر النهار . وقيل العشاء لأنها بين جهريتين واقعتين طرفي الليل . وعن عائشة رضي الله تعالى عنها : أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ : " والصلاة الوسطى العصر " ، فتكون صلاة من الأربع خصت بالذكر مع العصر لانفرادهما بالفضل . وقرئ بالنصب على الاختصاص والمدح .

{ وقوموا لله } في الصلاة . { قانتين } ذاكرين له في القيام ، والقنوت الذكر فيه . وقيل خاشعين ، وقال ابن المسيب المراد به القنوت في الصبح .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ} (238)

حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ( 238 )

الخطاب لجميع الأمة ، والآية أمر بالمحافظة على إقامة الصلوات في أوقاتها وبجميع شروطها ، وذكر تعالى { الصلاة الوسطى } ثانية وقد دخلت قبل في عموم قوله { الصلوات } لأنه قصد تشريفها وإغراء المصلين بها ، وقرأ أبو جعفر أبو الرؤاسي( {[2304]} ) «والصلاةَ الوسطى » بالنصب على الإغراء ، وقرأ كذلك الحلواني( {[2305]} ) .

واختلف الناس من أي صلاة هو هذا الوصف ، فذهبت فرقة إلى أنها الصبح وأن لفظ { وسطى }( {[2306]} ) يراد به الترتيب ، لأنها قبلها صلاتا ليل يجهر فيهما ، وبعدها صلاتا نهار يسر فيهما ، قال هذا القول علي بن أبي طالب ، وابن عباس( {[2307]} ) ، وصلى( {[2308]} ) بالناس يوماً الصبح فقنت قبل الركوع فلما فرغ قال : «هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا الله أن نقوم فيها قانتين » ، وقاله أبو العالية ورواه عن جماعة من الصحابة ، وقاله جابر بن عبد الله وعطاء بن أبي رباح وعكرمة ومجاهد وعبد الله بن شداد بن الهادي( {[2309]} ) والربيع ومالك بن أنس . وقوى مالك ذلك بأن الصبح لا تجمع إلى غيرها ، وصلاتا جمع قبلها وصلاتا جمع بعدها( {[2310]} ) ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبْواً » ، وقال : «إنهما أشدّ الصلوات على المنافقين »( {[2311]} ) ، وفضل الصبح لأنها كقيام ليلة لمن شهدها والعتمة نصف ليلة( {[2312]} ) ، وقال الله تعالى { إن قرآن الفجر كان مشهوداً }( {[2313]} ) [ الإسراء : 78 ] ، فيقوي هذا كله أمر الصبح .

وقالت فرقة : هي صلاة الظهر . قاله زيد بن ثابت ورفع فيه حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم( {[2314]} ) . وقاله أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر . واحتج قائلوا هذه المقالة بأنها أول صلاة صليت في الإسلام ، فهي وسطى بذلك ، أي فضلى ، فليس هذا التوسط في الترتيب ، وأيضاً فروي أنها كانت أشق الصلوات على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لأنها كانت تجيء في الهاجرة ، وهم قد نفعتهم أعمالهم في أموالهم( {[2315]} ) ، وأيضاً فيدل على ذلك ما قالته حفصة وعائشة حين أملتا : حافظو على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر( {[2316]} ) ، فهذا اقتران الظهر والعصر .

وقالت فرقة : { الصلاة الوسطى } صلاة العصر لأنها قبلها صلاتا نهار وبعدها صلاتا ليل ، وروي هذا القول أيضاً عن علي بن أبي طالب وابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وأبي سعيد الخدري ، وفي مصحف عائشة رضي الله عنها «والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر » ، وهو قولها المروي عنها . وقاله الحسن البصري وإبراهيم النخعي ، وفي إملاء حفصة أيضاً «والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر » ، ومن روى «وصلاة العصر » فيتناول أنه عطف ( {[2317]} )الصفتين على الأخرى وهما لشيء واحد( {[2318]} ) . كما تقول جاءني زيد الكريم والعاقل ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر » ، على البدل ، وروى هذا القول سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم وتواتر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الأحزاب «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً » ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «كنا نرى أنها الصبح حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر .

فعرفنا أنها العصر « ، وقال البراء ابن عازب : كنا نقرأ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم : حافظوا على الصلوات وصلاة العصر . ثم نسخها الله ، فقرأنا : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } . فقال له رجل : فهي العصر ؟ ، قال : » قد أخبرتك كيف قرأناها وكيف نسخت( {[2319]} ) « ، والله أعلم . وروى أبو مالك الأشعري أن رسول الله صلى عليه وسلم قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر ( {[2320]} ) .

قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا القول جمهور الناس وبه أقوال والله أعلم( {[2321]} ) .

وقال قبيصة بن ذؤيب : الصلاة الوسطى صلاة المغرب ، لأنها متوسطة في عدد الركعات ليست ثنائية ولا رباعية ، وأيضاً فقبلها صلاتا سر وبعدها صلاتا جهر ، وحكى أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر في شرح باب جامع الوقوت وغيره عن فرقة أن { الصلاة الوسطى } صلاة العشاء الآخرة ، وذلك انها تجيء في وقت نوم وهي أشد الصلوات على المنافقين ، ويستحب تأخيرها وذلك شاق فوقع التأكيد في المحافظة عليها ، وأيضاً فقبلها صلاتان وبعدها صلاتان .

وقالت فرقة : { الصلاة الوسطى } لم يعينها الله تعالى لنا ، فهي في جملة الخمس غير معينة ، كليلة القدر في ليالي العشر ، فعَلَ الله ذلك لتقع المحافظة على الجميع ، قاله نافع عن ابن عمر وقاله الربيع بن خثيم .

وقالت فرقة : { الصلاة الوسطى } هي صلاة الجمعة فإنها وسطى فضلى ، لما خصت به من الجمع والخطبة وجعلت عيداً ، ذكره ابن حبيب ومكي .

وقال بعض العلماء : { الصلاة الوسطى } المكتوبة الخمس( {[2322]} ) ، وقوله أولاً { على الصلوات } يعم النفل والفرض ، ثم خص الفرض بالذكر ، ويجري مع هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم : شغلونا عن الصلاة الوسطى .

وقوله تعالى { وقوموا لله قانتين } معناه في صلاتكم ، واختلف الناس في معنى { قانتين } ، فقال الشعبي : » معناه مطيعين « ، وقاله جابر بن زيد وعطاء وسعيد بن جبير ، وقال الضحاك : كل قنوت في القرآن فإنما يعنى به الطاعة ، وقاله أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن أهل كل دين فهم اليوم يقومون لله عاصمين ، فقيل لهذه الأمة وقوموا لله مطيعين ، وقال نحو هذا الحسن بن أبي الحسن وطاوس ، وقال السدي : » قانتين معناه ساكتين »( {[2323]} ) ، وهذه الآية نزلت في المنع من الكلام في الصلاة وكان ذلك مباحاً في صدر الإسلام .

وقال عبد الله بن مسعود : «كنا نتكلم في الصلاة ونرد السلام ويسأل الرجل صاحبه عن حاجته » قال : «ودخلت يوماً والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس فسلمت فلم يرد عليّ أحد ، فاشتد ذلك عليَّ ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أنا أمرنا أن نقوم قانتين لا نتكلم في الصلاة ، والقنوت السكوت ، وقاله زيد بن أرقم ، وقال : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت : { وقوموا لله قانتين } ، فأمرنا بالسكوت ، وقال مجاهد : معنى قانتين خاشعين ، القنوت طول الركوع الخشوع وغض البصر وخفض الجناح .

قال القاضي أبو محمد : وإحضار الخشية والفكر في الوقوف بين يدي الله تعالى ، وقال الربيع : القنوت طول القيام وطول الركوع والانتصاب له ، وقال قوم : القنوت الدعاء ، و { قانتين } معناه داعين ، روي معنى هذا عن ابن عباس ، وفي الحديث : قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على رعل وذكوان ، فقال قوم : معناه دعا ، وقال قوم : معناه طوّل قيامه ، ولا حجة في هذا الحديث لمعنى الدعاء( {[2324]} ) .


[2304]:- هو محمد بن الحسن بن أبي سارة الكوفي النحوي، إمام مشهور، روى الحروف عن أبي عمرو، وله اختيار في القراءة يروى عنه، واختيار في الوقوف، روى عنه علي بن حمزة الكسائي، وخلاد بن خالد الصيرفي.
[2305]:- هو أحمد بن يزيد الصفار المعروف بازداذ. أبو الحسن الحلواني، إمام كبير عارف صدوق متقن ضابط خصوصا في قالون وهشام، توفي سنة 250هـ.
[2306]:- الذي تقتضيه قواعد اللغة العربية أن (الوسطى) مؤنث الأوسط بمعنى الفُضْلى مؤنث الأفضل، وأفعل التفضيل لا يبنى إلا مما يقبل الزيادة والنقصان، وكل ما لا يكون كذلك فلا يبنى منه أفعل التفضيل، وكون الشيء وسطا بين شيئين يجعله صالحاً لأن يبنى منه أفعل التفضيل، فينبغي أن يكون معنى الوسطى الفضلى، لأن ذلك يرجع إلى معنى يقبل التفاوت والتفاضل.
[2307]:- رواه الإمام مالك عنهما في الموطأ بلاغاً.
[2308]:- أي ابن عباس رضي الله عنهما. وقد تفيد (الواو) في قول ابن عطية رواية عن الإمام مالك: (وصلى) أن ابن عباس قال ذلك حين صلى بالناس يوما الصبح... الخ.
[2309]:- هو الليثي. ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أهل العلم، روى عن عمر وعلي وعن أبيه شداد.
[2310]:- قبلها صلاة المغرب والعشاء، وبعدها صلاة الظهر والعصر، وكل من الصلاتين يجمع تقديما وتأخيراً.
[2311]:- هذه الأحاديث التي تتضمن فضل صلاة العشاء والصبح غير واضحة الدلالة على أنها هي الصلاة الوسطى، والحديث الأول والثاني رواه البخاري وغيره.
[2312]:- رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والإمام مسلم.
[2313]:- من الآية (78) من سورة (الإسراء).
[2314]:- رواه ابن جرير الطبري مرفوعا، وروى مالك في موطئه، وأبو داود الطيالسي في مسنده عن زيد بن ثابت قال: (الصلاة الوسطى صلاة الظهر) زاد أبو داود الطيالسي: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها بالهجر».
[2315]:- أي أعيتهم وأتعبتهم أعمالهم. يقال: نَفِهت نفس فلان نفها: أعْيَتْ وكلَّت. فهو نافهٌ (ج) نُفَّه.
[2316]:- يعني أن اقتران صلاة العصر بالصلاة الوسطى دلالة على أن المراد بها الظهر إذ للقرآن معنى خاص، ويأتي أن هذه الزيادة هي من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، وليست من القرآن. وقد يقال أيضا: إن هذه الزيادة ربما تدل على أن صلاة العصر غير صلاة الوسطى، لأن العطف يقتضي المغايرة، وهذا مصادم لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب.
[2317]:- حاصله أنه رُوي: «والصلاة الوسطى وصلاة العصر» بالعطف، وبدون عطف على أنها بدل، وروي أيضا: «والصلاة الوسطى وهي العصر»، والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر»، فهذه أربع روايات، وهي تتعارض فيما بينها، وحديث البراء بن عازب قد يدل على نسخ ذلك، فتأمل، وأيا ما يكون فإن ذلك من باب التفسير، وليس من القرآن في شيء لعدم تواتره، ولذا لم يثبت في المصحف الإمام.
[2318]:- فهو من عطف الصفات، لا من عطف الذوات، وكان ذلك لاختلاف اللفظين.
[2319]:- هذا الحديث رواه الإمام مسلم، وغيره. وقد عضد به ابن عطية رحمه الله القول بأن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وفهمه أبو عبد الله (ق) رحمه الله على أنها مبهمة غير معينة قال: «يلزم من هذا الحديث أنها بعد أن عينت نسخ تعيينها وأُبهمت»، ثم قال: «وهذا هو الصحيح إن شاء الله لتعارض الأدلة وعدم الترجيح فلم يبق إلا المحافظة على الصلوات الخمس وأدائها في أوقاتها».
[2320]:- رواه ابن جرير، وقال الحافظ بن كثير: إسناده لا بأس به، ورواه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود، وسمرة بن جندب كما عند الترمذي في جامعه، وابن حبان في صحيحه.
[2321]:- هذا القول هو الراجح عند أهل الحديث، وهو قول الجمهور، ورجحه الإمام الطبري وأبو بكر بن العربي المعافري، وأبو محمد بن عطية، وأبو حيان الأندلسي، وشيخه الحافظ أبو محمد، وغيرهم من الأعلام، وما ذلك إلا لأنه استفاض من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، ولا قول لأحد مع قول النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه قد يقال: إذا كان قد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلماذا اختلف الصحابة في هذه المسألة اختلافا واسعا ؟ وقد قدمنا عن أبي عبد الله (ق) أنه صحح أنها مبهمة لتعارض الأدلة وانعدام الترجيح، والله أعلم.
[2322]:- هذا غير ما سبق من أنها في جملة الخمس غير معينة، وحاصله أن من العلماء من يقول: هي واحدة من الصلوات الخمس إلا أنها مبهمة، ومنهم من يقول: هي مجموع الصلوات الخمس ولو قال: الخمس المكتوبة لكان أوضح.
[2323]:- القنوت يتصرف في الكلام على معان كثيرة – إلا أن الراجح حمله على معنى السكوت في الآية لحديث عبد الله بن مسعود، ولحديث زيد بن أرقم في الصحيحين وغيرهما، وأما القنوت بمعنى الدعاء فقد داوم عليه صلى الله عليه وسلم في الصبح دون غيرها.
[2324]:- أي بدليل قوله: يدعو على رعل وذكوان، فلو كان قنت معناه دعا لتكرر ذلك، وإنما معناه أطال القيام للدعاء على رعل وذكوان الذين قتلوا القراء ببئر معونة. تنبيه: القيام في الفرض واجب على كل من قدر عليه فذاً كان أو إماماً، واختلفوا في المأموم إذا صلى قاعداً خلف إمام لا يستطيع القيام فقال بعضهم: إن ذلك جائز لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى جلوساً فصلوا جلوساً أجمعون). وهو الصحيح، وقال بعضهم: يجوز أن يصلي خلفه وهو قائم إذ كل منهما يؤدي فرضه على حسب طاقته، انظر تفسير (ق) رحمه الله.