المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

مقدمة السورة:

يمتن الله في هذه السورة على قريش ببيته الحرام الذي دفع عنه أعداءه ، وأسكنهم بجواره ، فنالوا الشرف والأمن ، ورحلوا في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام ، يتاجرون ، لا يتعرض لهم أحد بسوء ، حين يتخطف الناس من حولهم ، وتلك نعمة توجب عليهم عبادة من أطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف .

1 - أعجبوا لما يَسَّرْتُ لهم رحلة الشتاء إلى اليمن ، ورحلة الصيف إلى الشام في اطمئنان وأمن للاتجار وابتغاء الرزق .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة قريش

مكية ، وآياتها أربع .

{ لإيلاف قريش } قرأ أبو جعفر : " ليلاف " بغير همز( إلافهم ) طلباً للخفة ، وقرأ ابن عامر " لإلاف " بهمزة مختلسة من غير ياء بعدها ، وقرأ الآخرون بهمزة مشبعة وياء بعدها ، واتفقوا -غير أبي جعفر- في { إيلافهم } أنها بياء بعد الهمزة ، إلا عبد الوهاب بن فليج عن ابن كثير فإنه قرأ : " إلفهم " ساكنة اللام بغير الياء .

وعد بعضهم سورة الفيل وهذه السورة واحدة ، منهم أبي بن كعب ، لا فصل بينهما في مصحفه ، وقالوا : اللام في { لإيلاف } تتعلق بالسورة التي قبلها ، وذلك أن الله تعالى ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما صنع بالحبشة ، وقال : { لإيلاف قريش } . وقال الزجاج : المعنى : جعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ، أي هلك أصحاب الفيل لتبقى قريش ، وما ألفوا من رحلة الشتاء والصيف . وقال مجاهد : ألفوا ذلك فلا يشق عليهم في الشتاء والصيف . والعامة على أنهما سورتان ، واختلفوا في العلة الجالبة للام في قوله { لإيلاف } . قال الكسائي ، والأخفش : هي لام التعجب ، يقول : اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف ، وتركهم عبادة رب هذا البيت ، ثم أمرهم بعبادته ، كما تقول في الكلام لزيد وإكرامنا إياه على وجه التعجب : اعجبوا لذلك . والعرب إذا جاءت بهذه اللام اكتفوا بها دليلاً على التعجب من إظهار الفعل منه . وقال الزجاج : هي مردودة إلى ما بعدها ، تقريره : فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف . وقال ابن عيينة : لنعمتي على قريش . وقريش هم ولد النضر بن كنانة ، وكل من ولده النضر فهو قرشي ، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي .

أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أنبأنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي ، أنبأنا عبد الله بن مسلم أبو بكر الجوربردى ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، أنبأنا بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، حدثني شداد أبو عمار ، حدثنا وائلة بن الأسقع ، قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى من كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم " . سموا قريشاً من القرش والتقرش ، وهو التكسب والجمع ، يقال : فلان يقرش لعياله ويقترش ، يعني : يكتسب ، وهم كانوا تجاراً حراصاً على جمع المال والإفضال . وقال أبو ريحانة : سأل معاوية عبد الله بن عباس : لم سميت قريش قريشاً ؟ قال : لدابة تكون في البحر من أعظم دوابه ، يقال لها : القرش ، لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته ، وهي تأكل ولا تؤكل ، وتعلو ولا تعلى ، قال : وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم ، فأنشده شعر الجمحي :

وقريش هي التي تسكن البح*** ر ، بها سميت قريش قريشا

سلطت بالعلو في لجة البح*** ر بنى على سائر البحور جيوشا

تأكل الغث والسمين ولا تت*** رك فيه لذي الجناحين ريشا

هكذا في الكتاب حي قريش*** يأكلون البلاد أكلا كشيشا

ولهم في آخر الزمان نبي*** يكثر القتل فيهم والخموشا

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

سورة قريش مكية وآيتها أربع

استجاب الله دعوة خليله إبراهيم ، وهو يتوجه إليه عقب بناء البيت وتطهيره : ( رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات ) . . فجعل هذا البيت آمنا ، وجعله عتيقا من سلطة المتسلطين وجبروت الجبارين ؛ وجعل من يأوي إليه آمنا والمخافة من حوله في كل مكان . . حتى حين انحرف الناس وأشركوا بربهم وعبدوا معه الأصنام . . لأمر يريده سبحانه بهذا البيت الحرام .

ولما توجه أصحاب الفيل لهدمه كان من أمرهم ما كان ، مما فصلته سورة الفيل . وحفظ الله للبيت أمنه ، وصان حرمته ؛ وكان من حوله كما قال الله فيهم : ( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ? ) .

وقد كان لحادث الفيل أثر مضاعف في زيادة حرمة البيت عند العرب في جميع أنحاء الجزيرة ، وزيادة مكانة أهله وسدنته من قريش ، مما ساعدهم على أن يسيروا في الأرض آمنين ، حيثما حلوا وجدوا الكرامة والرعاية ، وشجعهم على إنشاء خطين عظيمين من خطوط التجارة - عن طريق القوافل - إلى اليمن في الجنوب ، وإلى الشام في الشمال . وإلى تنظيم رحلتين تجاريتين ضخمتين : إحداهما إلى اليمن في الشتاء ، والثانية إلى الشام في الصيف .

ومع ما كانت عليه حالة الأمن في شعاب الجزيرة من سوء ؛ وعلى ما كان شائعا من غارات السلب والنهب ، فإن حرمة البيت في أنحاء الجزيرة قد كفلت لجيرته الأمن والسلامة في هذه التجارة المغرية ، وجعلت لقريش بصفة خاصة ميزة ظاهرة ؛ وفتحت أمامها أبواب الرزق الواسع المكفول ، في أمان وسلام وطمأنينة . وألفت نفوسهم هاتين الرحلتين الآمنتين الرابحتين ، فصارتا لهم عادة وإلفا !

هذه هي المنة التي يذكرهم الله بها - بعد البعثة - كما ذكرهم منة حادث الفيل في السورة السابقة ، منة إيلافهم رحلتي الشتاء والصيف ، ومنة الرزق الذي أفاضه عليهم بهاتين الرحلتين - وبلادهم قفرة جفرة وهم طاعمون هانئون من فضل الله . ومنة أمنهم الخوف . سواء في عقر دارهم بجوار بيت الله ، أم في أسفارهم وترحالهم في رعاية حرمة البيت التي فرضها الله وحرسها من كل اعتداء .

يذكرهم بهذه المنن ليستحيوا مما هم فيه من عبادة غير الله معه ؛ وهو رب هذا البيت الذي يعيشون في جواره آمنين طاعمين ؛ ويسيرون باسمه مرعيين ويعودون سالمين . .

يقول لهم : من أجل إيلاف قريش : رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي كفل لهم الأمن فجعل نفوسهم تألف الرحلة ، وتنال من ورائها ما تنال ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع ) . . وكان الأصل - بحسب حالة أرضهم - أن يجوعوا ، فأطعمهم الله وأشبعهم من هذا الجوع ( وآمنهم من خوف ) . . وكان الأصل - بحسب ما هم فيه من ضعف وبحسب حالة البيئة من حولهم - أن يكونوا في خوف فآمنهم من هذا الخوف !

وهو تذكير يستجيش الحياء في النفوس . ويثير الخجل في القلوب . وما كانت قريش تجهل قيمة البيت وأثر حرمته في حياتها . وما كانت في ساعة الشدة والكربة تلجأ إلا إلى رب هذا البيت وحده . وها هو ذا عبد المطلب لا يواجه أبرهة بجيش ولا قوة . إنما يواجهه برب هذا البيت الذي يتولى حماية بيته ! لم يواجهه بصنم ولا وثن ، ولم يقل له . . إن الآلهة ستحمي بيتها . إنما قال له : " أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه " . . ولكن انحراف الجاهلية لا يقف عند منطق ، ولا يثوب إلى حق ، ولا يرجع إلى معقول .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

هذه السورة مفصولة عن التي قبلها في المصحف الإمام ، كتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ، وإن كانت متعلقة بما قبلها . كما صرح بذلك محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ؛ لأن المعنى عندهما : حبسنا عن مكة الفيل ، وأهلكنا أهله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة قريش مكية ، وآيها أربع آيات .

بسم الله الرحمن الرحيم { لإيلاف قريش } متعلق بقوله { فليعبدوا رب هذا البيت } والفاء لما في الكلام من معنى الشرط ؛ إذ المعنى أن نعم الله عليهم لا تحصى ، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لأجل إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ، أي الرحلة في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام ، فيمتارون ويتجرون ، أو بمحذوف مثل اعجبوا ، أو بما قبله كالتضمين في الشعر ، أي فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ، ويؤيده أنهما في مصحف أبي سورة واحدة . وقرئ ليألف قريش إلفهم رحلة الشتاء . وقريش ولد النضر بن كنانة منقول من تصغير قريش ، وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن فلا تطاق إلا بالنار ، فشبهوا بها ؛ لأنها تأكل ولا تؤكل ، وتعلو ولا تعلى ، وصغر الاسم للتعظيم ، وإطلاق الإيلاف ثم إبدال المقيد عنه للتفخيم . وقرأ ابن عامر لئلاف بغير ياء بعد الهمزة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية بلا خلاف{[1]} .

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي : { لإيلاف قريش إيلافهم } على إفعال ، والهمزة الثانية ياء ، وقرأ ابن عامر «لإلآف » على فعال { إيلافهم } على إفعال بياء في الثانية ، وقرأ أبو بكر عن عاصم : بهمزتين فيهما الثانية ساكنة ، قال أبو علي : وتحقيق عاصم هاتين الهمزتين لا وجه له ، وقرأ أبو جعفر : «إلْفهم » بلام ساكنة ، و { قريش } ولد النضر بن كنانة ، والتقرش : التكسب ، وتقول : ألف الرجل الأمر وآلفه غيره ، فالله عز وجل آلف قريشاً ، أي جعلهم يألفون رحلتين في العام : رحلة في الشتاء وأخرى في الصيف ، ويقال أيضاً : ألف بمعنى آلف ، وأنشد أبو زيد : [ الطويل ]

من المؤلفات الرمل أدماء حرة . . . شعاع الضحى في جيدها يتوضح{[11995]}

فألف وإلاف مصدر ألف ، و «إيلاف » مصدر آلف ، قال بعض الناس : كانت الرحلتان إلى الشام في التجارة ، وقيل : الأرباح ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]

سفرين بينهما له ولغيره . . . سفر الشتاء ورحلة الأصياف{[11996]}


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[11995]:هذا البيت لذي الرمة، والرواية في اللسان: "في متنها يتوضح" بدلا من "جيدها"، وهو شاهد على أن "آلف" تأتي بمعنى "ألف". يقال: "ألفت الشيء وآلفته" بمعنى: لزمته، والألفة هي الأنس بالشيء والتزامه، والأدماء: شديدة السمرة يصفها بأنها ممن ألفت الرمل وأنست إليه، وأنها سمراء تعودت أن تعيش حرة، ويصف جيدها بأنه يلمع كأن شعاع الشمس يصدر عنه.
[11996]:سن: وضع وبين، وكل من ابتدأ أمرا عمل به قوم من بعده فهو الذي سنه. والأصياف: جمع صيف، وهو الفصل المعروف من فصول العام، يقال في جمعه: صيوف وأصياف. ونرجح أن البيت من قصيدة قالها مطرود بن كعب الخزاعي في رثاء عبد المطلب ومدح فيها آل عبد مناف.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

مقدمة السورة:

سميت هذه السورة في عهد السلف { سورة لإيلاف قريش } قال عمرو بن ميمون الأودي صلى عمر بن الخطاب المغرب فقرأ في الركعة الثانية { ألم تر كيف } و{ لإيلاف قريش } وهذا ظاهر في إرادة التسمية ولم يعدها في الإتقان في السور التي لها أكثر من اسم .

وسميت في المصاحف وكتب التفسير { سورة قريش } لوقوع اسم قريش فيها ولم يقع في غيرها ، وبذلك عنونها البخاري في صحيحه .

والسورة مكية عند جماهير العلماء . وقال ابن عطية : بلا خلاف . وفي القرطبي عن الكلبي والضحاك أنها مدنية ، ولم يذكرها في الإتقان مع السور المختلف فيها .

وقد عدت التاسعة والعشرين في عداد نزول السور ، نزلت بعد سورة التين وقبل سورة القارعة .

وهي سورة مستقلة بإجماع المسلمين على أنها سورة خاصة .

وجعلها أبي بن كعب مع سورة الفيل سورة واحدة ولم يفصل بينهما في مصحفه بالبسملة التي كانوا يجعلونها علامة فصل بين السور ، وهو ظاهر خبر عمرو بن ميمون عن قراءة عمر بن الخطاب . والإجماع الواقع بعد ذلك نقض ذلك .

وعدد آياتها أربع عند جمهور العادين . وعدها أهل مكة والمدينة خمس آيات .

ورأيت في مصحف عتيق من المصاحف المكتوبة في القيروان عددها أربع آيات مع أن قراءة أهل القيروان قراءة أهل المدينة .

أغراضها

أمر قريش بتوحيد الله تعالى بالربوبية تذكيرا لهم بنعمة أن الله مكن لهم السير في الأرض للتجارة برحلتي الشتاء والصيف لا يخشون عاديا يعدو عليهم .

وبأنه أمنهم من المجاعات وأمنهم من المخاوف لما وقر في نفوس العرب من حرمتهم لأنهم سكان الحرم وعمار الكعبة .

وبما ألهم الناس من جلب الميرة إليهم من الآفاق المجاورة كبلاد الحبشة .

ورد القبائل فلا يغير على بلدهم أحد قال تعالى { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون } فأكسبهم ذلك مهابة في نفوس الناس وعطفا منهم .

افتتاح مُبدع إذ كان بمجرور بلام التعليل وليس بإثْره بالقرب ما يصلح للتعليق به ففيه تشويق إلى متعلق هذا المجرور . وزاده الطول تشويقاً إذ فصل بينه وبين متعلَّقه ( بالفتح ) بخمس كلمات ، فيتعلق { لإيلاف } بقوله : { فليعبدوا } .

وتقديم هذا المجرور للاهتمام به إذ هو من أسباب أمرهم بعبادة الله التي أعرضوا عنها بعبادة الأصنام والمجرور متعلق بفعل « ليعبدوا » .

وأصل نظم الكلام : لتَعْبُدْ قريشٌ ربَّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف ، فلما اقتضى قصدُ الاهتمام بالمعمول تقديمه على عامله ، تولَّدَ من تقديمه معنى جعله شرطاً لعامله فاقترن عامله بالفاء التي هي من شأن جواب الشرط ، فالفاء الداخلة في قوله : { فليعبدوا } مؤذنة بأن ما قبلها في قوة الشرط ، أي مؤذنة بأن تقديم المعمول مقصود به اهتمام خاص وعناية قوية هي عناية المشترط بشرطه ، وتعليق بقية كلامه عليه لما ينتظره من جوابه ، وهذا أسلوب من الإِيجاز بديع .

قال في « الكشاف » : دخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط لأن المعنى إمَّا لاَ فليعبدوه لإِيلافهم ، أي أن نعم الله عليهم لا تحصى فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة اه .

وقال الزجاج في قوله تعالى : { وربك فكبر } [ المدثر : 3 ] دخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل : وما كان فلا تَدَعْ تكبيره اه . وهو معنى ما في « الكشاف » . وسكتا عن منشإ حصول معنى الشرط وذلك أن مثل هذا جار عند تقديم الجار والمجرور ، ونحوه من متعلقات الفعل وانظر قوله تعالى : { وإياي فارهبون } في سورة البقرة ( 40 ) ، ومنه قوله تعالى : { فبذلك فليفرحوا } في سورة يونس ( 58 ) وقوله : { فلذلك فادع واستقم } في سورة الشورى ( 15 ) . وقول النبي للذي سأله عن الجهاد فقال له : ألك أبوان ؟ فقال : نعم . قال : ففيهما فجاهدْ .

ويجوز أن تجعل اللام متعلقة بفعل ( اعْجَبوا ) محذوفاً ينبىء عنه اللام لكثرة وقوع مجرور بها بعد مادة التعجب ، يقال : عجباً لك ، وعجباً لتلك قضية ، ومنه قول امرىء القيس : فيا لَكَ من ليل لأن حرف النداء مراد به التعجب فتكون الفاء في قوله : { فليعبدوا } تفريعاً على التعجيب .

وجوّز الفراء وابن إسحاق في « السيرة » أن يكون { لإيلاف قريش } متعلقاً بما في سورة الفيل ( 5 ) من قوله : { فجعلهم كعصف مأكول } قال القرطبي : وهو معنى قول مجاهد ورواية ابن جبير عن ابن عباس . قال الزمخشري : وهذا بمنزلة التضمين في الشعر وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقاً لا يصح إلاّ به اه . يعنون أن هذه السورة وإن كانت سورة مستقلة فهي ملحقة بسورة الفيل فكما تُلحق الآية بآية نزلت قبلها ، تلحق آيات هي سورة فتتعلق بسورة نزلت قبلها .

والإِيلاف : مصدر أألف بهمزتين بمعنى ألف وهما لغتان ، والأصل هو ألف ، وصيغة الإِفعال فيه للمبالغة لأن أصلها أن تدل على حصول الفعل من الجانبين ، فصارت تستعمل في إفادة قوة الفعل مجازاً ، ثم شاع ذلك في بعض الأفعال حتى ساوى الحقيقة مثل سَافَر ، وعافَاه الله ، وقاتَلَهُم الله .

وقرأه الجمهور في الموضعين { لإيلاف } بياء بعد الهمزة وهي تخفيف للهمزة الثانية . وقرأ ابن عامر « لإلاف » الأول بحذف الياء التي أصلها همزة ثانية ، وقرأه { إيلافهم } بإثبات الياء مثل الجمهور . وقرأ أبو جعفر « لِيلاَف قريش » بحذف الهمزة الأولى . وقرأ « إلافهم » بهمزة مكسورة من غير ياء .

وذكر ابن عطية والقرطبي أن أبا بكر عن عاصم قرأ بتحقيق الهمزتين في « لإِأَلاَفِ » وفي « إِأَلافهم » ، وذكر ابن عطية عن أبي علي الفارسي أن تحقيق الهمزتين لا وجه له . قلت : لا يوجد في كتب القراءات التي عرفناها نسبة هذه القراءة إلى أبي بكر عن عاصم . والمعروف أن عاصماً موافق للجمهور في جعل ثانية الهمزتين ياء ، فهذه رواية ضعيفة عن أبي بكر عن عاصم .

وقد كُتب في المصحف « إلافهم » بدون ياء بعد الهمزة وأما الألف المدّة التي بعد اللام التي هي عين الكلمة فلم تكتب في الكلمتين في المصحف على عادة أكثر المدَّات مثلها ، والقراءات روايات وليس خط المصحف إلا كالتذكرة للقارىء ، ورسم المصحف سُنّة متَّبعة سنَّها الصحابة الذين عُيّنوا لنسخ المصاحف وإضافة « إيلاف » إلى { قريش } على معنى إضافة المصدر إلى فاعله وحذف مفعوله لأنه هنا أطلق بالمعنى الاسمي لتلك العادة فهي إضافة معنوية بتقدير اللام .

وقريش : لقب الجد الذي يجمع بطوناً كثيرة وهو فهر بن مالك بن النضر بن كِنانة . هذا قول جمهور النّسابين وما فوق فِهر فهم من كنانة ، ولُقِّب فهرٌ بلقب قريش بصيغة التصغير وهو على الصحيح تصغير قَرْش ( بفتح القاف وسكون الراء وشين معجمة ) اسم نوع من الحوت قوي يعدو على الحيتان وعلى السفن .

وقال بعض النسابين : إن قريشاً لقب النضر بن كنانة . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه سئل منْ قريشٌ ؟ فقال : مَنْ وَلَدَ النضْرُ " . وفي رواية أنه قال : " إنّا وَلَدُ النضر بن كنانة لا نقفو أمَّنا ولا ننتفي من أبينا " . فجميع أهل مكة هم قريش وفيهم كانت مناصب أهل مكة في الجاهلية موزعة بينهم وكانت بنو كنانة بخِيف منى . ولهم مناصب في أعمال الحج خاصة منها النَّسِيء .