فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة قريش

ويقال سورة لإيلاف ، وهي أربع آيات وهي مكية عند الجمهور . وقال الضحاك والكلبي : هي مدنية .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة { لإيلاف } بمكة . وأخرج البخاري في تاريخه ، والطبراني والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي عن أم هانئ بنت أبي طالب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «فضل الله قريشاً بسبع خصال لم يعطها أحداً قبلهم ولا يعطيها أحداً بعدهم : أني فيهم . وفي لفظ : النبوة فيهم ، والخلافة فيهم ، والحجابة فيهم ، والسقاية فيهم ، ونصروا على الفيل ، وعبدوا الله سبع سنين . وفي لفظ : عشر سنين لم يعبده أحد غيرهم ، ونزلت فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم { لإيلاف قريش } » قال ابن كثير : هو حديث غريب ، ويشهد له ما أخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن عساكر عن الزبير بن العوّام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فضل الله قريشاً بسبع خصال : فضلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبده إلا قريش ، وفضلهم بأنه نصرهم يوم الفيل وهم مشركون ، وفضلهم بأنها نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل فيها أحد من العالمين غيرهم ، وهي لإيلاف قريش ، وفضلهم بأن فيهم النبوّة ، والخلافة ، والسقاية » . وأخرج الخطيب في تاريخه عن سعيد بن المسيب مرفوعاً نحوه ، وهو مرسل .

اللام في قوله : { لإيلاف } قيل : هي متعلقة بآخر السورة التي قبلها . كأنه قال سبحانه : أهلكت أصحاب الفيل لأجل تألف قريش . قال الفرّاء : هذه السورة متصلة بالسورة الأولى ، لأنه ذكر سبحانه أهل مكة بعظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة ، ثم قال : { لإيلاف قُرَيْشٍ } أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منّا على قريش ، وذلك أن قريشاً كانت تخرج في تجارتها فلا يغار عليها في الجاهلية ، يقولون : هم أهل بيت الله عزّ وجلّ ، حتى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة ويأخذ حجارتها فيبني بها بيتاً في اليمن يحجّ الناس إليه ، فأهلكهم الله عزّ وجلّ ، فذكرهم نعمته : أي فعل ذلك لإيلاف قريش : أي ليألفوا الخروج ولا يجترأ عليهم ، وذكر نحو هذا ابن قتيبة . قال الزجاج : والمعنى : فجعلهم كعصف مأكول { لإيلاف قُرَيْشٍ } أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف . وقال في الكشاف : إن اللام متعلق بقوله : { فَلْيَعْبُدُواْ } أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين ، ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط ، لأن المعنى : أما لا ، فليعبدوه . وقد تقدّم صاحب الكشاف إلى هذا القول الخليل بن أحمد ، والمعنى : إن لم يعبدوه لسائر نعمه ، فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة . وقال الكسائي والأخفش : اللام لام التعجب ، أي اعجبوا لإيلاف قريش . وقيل : هي بمعنى إلى . قرأ الجمهور : ( لِإِيلاَفِ ) بالياء مهموزاً من ألفت أؤلف إيلافاً . يقال : ألفت الشيء ألافاً وألفاً . وألفته إيلافاً بمعنى ، ومنه قول الشاعر :

المنعمين إذا النجوم تغيرت *** والظاعنين لرحلة الإيلاف

وقرأ ابن عامر : «لإلاف » بدون الياء ، وقرأ أبو جعفر : «لإلف » وقد جمع بين هاتين القراءتين الشاعر ، فقال :

زعمتم أن إخوتكم قريش *** لهم إلف وليس لكم إلاف

وقرأ عكرمة : «ليألف قريش » بفتح اللام على أنها لام الأمر ، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود ، وفتح لام الأمر لغة معروفة . وقرأ بعض أهل مكة : «إلاّف قريش » واستشهد بقول أبي طالب :

تذود الورى من عصبة هاشمية *** إلافهم في الناس خير إلاف

وقريش هم : بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ، فكل من كان من ولد النضر فهو قرشي ، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي ، وقريش يأتي منصرفاً إن أريد به الحيّ ، وغير منصرف إن أريد به القبيلة ومنه قول الشاعر :

وكفى قريش المعضلات وسادها *** . . .

وقيل إنّ قريشاً بنو فهر بن مالك بن النضر ، والأوّل أصح .

/خ4