السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، في قول الجمهور ، ومدنية في قول الضحاك والكلبي ، وهي أربع آيات ، وسبع عشرة كلمة ، وثلاثة وسبعون حرفاً .

{ بسم الله } الذي له جميع الكمال { الرحمن } ذي النعم والأفضال { الرحيم } الذي خص أولياءه بالقرب والإجلال .

وقوله تعالى : { لإيلاف قريش } في متعلقه أوجه : أحدها : أنه ما في السورة قبلها من قوله تعالى : { فجعلهم كعصف مأكول } [ الفيل : 5 ] . قال الزمخشري : وهذا بمنزلة التضمين في الشعر ، وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقاً لا يصح إلا به ، وهما في مصحف أبيّ سورة واحدة بلا فصل . وعن عمر أنه قرأهما في الثانية من صلاة المغرب ، وقرأ في الأولى ( والتين ) . اه ، وإلى هذا ذهب الأخفش . وقال الرازي : المشهور أنهما سورتان ، ولا يلزم من التعلق الاتحاد ؛ لأنّ القرآن كسورة واحدة .

ثانيها : أنه مضمر ، تقديره فعلنا ذلك ، وهو إيقاعهم للإيلاف ، وهو الفهم لبلدهم الذي ينشأ عنه طمأنينتهم وهيبة الناس لهم . وقيل : تقديره اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف ، وتركهم عبادة رب هذا البيت .

ثالثها : أنه متعلق بقوله تعالى : { فليعبدوا } ، أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين ؛ لأنهما أظهر نعمة عليهم ، وهذا هو الذي صدر به الزمخشري كلامه ، وفي هذا إشارة إلى تمام قدرته سبحانه ، وأنه إذا أراد شيئاً يسر سببه ؛ لأنّ التدبير كله له ، يخفض من يشاء ، وإن عز ، ويرفع من يشاء وإن ذل ، وقريش هم ولد النضر بن كنانة ، ومن ولده النضر فهو قرشيّ ، ومن لم يلده النضر فليس بقرشيّ . قال صلى الله عليه وسلم : «إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى من بني كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم » ، وأخرج الحاكم وصححه البيهقي عن أم هانئ بنت أبي طالب أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «فضل الله قريشاً بسبع خلال : أني منهم ، وأنّ النبوّة فيهم ، وأنّ الله نصرهم على الفيل ، وأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبده غيرهم ، وأنّ الحجابة والسقاية فيهم ، وأنّ الله أنزل فيهم سورة من القرآن » . وسموا قريشاً من القرش ، وهو التكسب والجمع ، يقال : فلان يقرش لعياله ويقترش ، أي : يكتسب ، وهم كانوا تجاراً حرّاصاً على جمع المال ، وقال أبو ريحانة : سأل معاوية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : لم سميت قريش قريشاً ؟ قال : لدابة تكون في البحر من أعظم دوابه تعبث بالسفن ، ولا تطاق إلا بالنار ، يقال لها : القرش ، ولا تمرّ بشيء من الغث والسمين إلا أكلته ، وهي تأكل ولا تؤكل ، وتعلو ولا تعلى ، . قال : وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم ، فأنشده شعر الجمحي :

وقريش هي التي تسكن البح *** ر بها سميت قريش قريشاً

تأكل الغث والسمين فلا تت *** رك فيه لذي الجناحين ريشاً

هكذا في الكتاب حي قريش *** يأكلون البلاد أكلاً كميشا

ولهم آخر الزمان نبيّ *** يكثر القتل منهمو والخموشا

وقيل : هو من تقرش الرجل إذا تنزه عن مدانس الأمور ، أومن تقارشت الرماح في الحرب إذا دخل بعضها في بعض .