المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغۡفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجۡزِيَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

14- قل - أيها الرسول - للذين صدَّقوا بالله واتبعوك يصفحوا عن الإيذاء الذي يصيبهم من الذين لا يتوقعون أيام الله التي يجزي فيها أقواماً بالخير وأقواماً بالشر حسبما كانوا .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغۡفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجۡزِيَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

قوله تعالى : { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } أي : لا يخافون وقائع الله ولا يبالون نقمته ، قال ابن عباس ومقاتل : نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، وذلك أن رجلاً من بني غفار شتمه بمكة فهم عمر -رضي الله تعالى عنه- أن يبطش به ، فأنزل الله هذه الآية ، وأمره أن يعفو عنه . وقال القرظي والسدي : نزلت في أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة كانوا في أذىً شديد من المشركين ، من قبل أن يؤمروا بالقتال ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله هذه الآية ثم نسختها آية القتال . { ليجزي قوماً } قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي : ( لنجزي ) بالنون ، وقرأ الآخرون بالياء ، أي ليجزي الله ، وقرأ أبو جعفر ( ليجزى ) بضم الياء الأولى وسكون الثانية وفتح الزاي ، قال أبو عمرو : وهو لحن ، قال الكسائي : معناه ليجزي الجزاء قوماً ، { بما كانوا يكسبون* من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغۡفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجۡزِيَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

وحين يبلغ سياق السورة إلى هذا المقطع القوي الذي يصل قلب المؤمن بقلب هذا الوجود . ويشعره بمصدر القوة الحقيقي وهو الاهتداء إلى أسرار هذا الوجود . . عند هذا يدعو المؤمنين إلى الترفع والاستعلاء وسعة الأفق ورحابة الصدر في مواجهة الضعاف العاجزين الذين لا تتصل قلوبهم بذلك المصدر الثري الغني . كما يدعوهم إلى شيء من العطف على هؤلاء المساكين المحجوبين عن الحقائق المنيرة القوية العظيمة ؛ من الذين لا يتطلعون إلى أيام الله ، التي يظهر فيها عظمته وأسراره ونواميسه :

( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ، ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون . من عمل صالحاً فلنفسه ، ومن أساء فعليها ، ثم إلى ربكم ترجعون ) . .

فهو توجيه كريم للذين آمنوا ليتسامحوا مع الذين لا يرجون أيام الله . تسامح المغفرة والعفو . وتسامح القوة والاستعلاء . وتسامح الكبر والارتفاع . والواقع أن الذين لا يرجون أيام الله مساكين يستحقون العطف أحياناً بحرمانهم من ذلك النبع الفياض ، الذي يزخر بالنداوة والرحمة والقوة والثراء . نبع الإيمان بالله ، والطمأنينة إليه ، والاحتماء بركنه ، واللجوء إليه في ساعات الكربة والضيق . وحرمانهم كذلك من المعرفة الحقيقية المتصلة بصميم النواميس الكونية وما وراءها من القوى والثروات . والمؤمنون الذين يملكون كنز الإيمان وذخره ، ويتمتعون برحمته وفيضه أولى بالمغفرة لما يبدو من أولئك المحرومين من نزوات وحماقات .

هذا من جانب . ومن الجانب الآخر ، ليترك هؤلاء المؤمنون الأمر كله لله يتولى جزاء المحسن على إحسانه ، والمسيء على إساءته . ويحسب لهم العفو والمغفرة عن المساءة في سجل الحسنات . ذلك فيما لا يظهر الفساد في الأرض ، ويعتدي على حدود الله وحرماته بطبيعة الحال :

( ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغۡفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجۡزِيَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

وقوله : { قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ } أي : يصفحوا عنهم ويحملوا{[26311]} الأذى منهم . وهذا كان في ابتداء الإسلام ، أمروا أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ، ليكون ذلك لتأليف قلوبهم{[26312]} ، ثم لما أصروا على العناد شرع الله للمؤمنين الجلاد والجهاد . هكذا روي عن ابن عباس ، وقتادة .

وقال مجاهد [ في قوله ]{[26313]} { لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ } لا يبالون{[26314]} نعم الله .

وقوله : { لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي : إذا صفحوا{[26315]} عنهم في الدنيا ، فإن الله مجازيهم بأعمالهم السيئة في الآخرة ؛ ولهذا قال : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }


[26311]:- (2) في أ: "ويحتملوا".
[26312]:- (3) في ت، م، أ: "كالتأليف لهم".
[26313]:- (4) زيادة من أ.
[26314]:- (5) في أ: "ينالون".
[26315]:- (6) في أ: "أي اصفحوا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغۡفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجۡزِيَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُل لّلّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للذين صدّقوا الله واتبعوك ، يغفروا للذين لا يخافون بأس الله ووقائعه ونقمه إذا هم نالوهم بالأذى والمكروه لِيَجْزِيَ قَوْما بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ يقول : ليجزي الله هؤلاء الذين يؤذونهم من المشركين في الاخرة ، فيصيبهم عذابه بما كانوا في الدنيا يكسبون من الإثم ، ثم بأذاهم أهل الإيمان بالله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : قُلْ لِلّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللّهِ لِيَجْزِيَ قَوْما بِمَا كانُوا يَكْسِبونَ قال : كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يعرض عن المشركين إذا آذوه ، وكانوا يستهزئون به ، ويكذّبونه ، فأمره الله عزّ وجلّ أن يقاتل المشركين كافّة ، فكان هذا من المنسوخ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : لِلّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللّهِ قال : لا يُبالون نِعم الله ، أو نِقم الله .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لا يَرْجونَ أيّامَ اللّهِ قال : لا يُبالون نِعم الله ، وهذه الاية منسوخة بأمر الله بقتال المشركين . وإنما قُلنا : هي منسوخة لإجماع أهل التأويل على أن ذلك كذلك . ذكر من قال ذلك : وقد ذكرنا الرواية في ذلك عن ابن عباس .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : قُلْ لِلّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللّهِ قال : نسختها ما في الأنفال : فإمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الحَرْبِ ، فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ ، وفي براءة : قاتِلُوا المُشْركِينَ كافّةً كمَا يُقاتِلُونَكُمْ كافّةً ، أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، في قوله : قُلْ لِلّذِينَ آمَنُوا يَغْفرُوا لِلّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللّهِ قال : نسختها فاقْتُلُوا المُشْركِينَ .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : قُلْ لِلّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللّهِ قال : هذا منسوخ ، أمر الله بقتالهم في سورة براءة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عنبسة عمن ذكره عن أبي صالح : قُلْ لِلّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا للّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللّهِ قال : نسختها التي في الحجّ : أُذِنَ لِلّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قُلْ لِلّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللّهِ قال : هؤلاء المشركون ، قال : وقد نسخ هذا وفرض جهادهم والغلظة عليهم .

وجزم قوله : يَغْفِرُوا تشبيها له بالجزاء والشرط وليس به ، ولكن لظهوره في الكلام على مثاله ، فعرّب تعريبه ، وقد مضى البيان عنه قبل .

واختلف القرّاء في قراءة قوله : لِيَجْزِيَ قَوْما فقرأه بعض قرّاء المدينة والبصرة والكوفة : لِيَجْزِيَ بالياء على وجه الخبر عن الله أنه يجزيهم ويثيبهم ، وقرأ ذلك بعض عامة قرّاء الكوفيين «لِنَجْزِيَ » بالنون على وجه الخبر من الله عن نفسه . وذُكر عن أبي جعفر القارىء أنه كان يقرأه «لِيُجْزَى قَوْما » على مذهب ما لم يسمّ فاعله ، وهو على مذهب كلام العرب لحن ، إلاّ أن يكون أراد : ليجزى الجزاء قوما ، بإضمار الجزاء ، وجعله مرفوعا «لِيُجْزَى » فيكون وجها من القراءة ، وإن كان بعيدا .

والصواب من القول في ذلك عندنا أن قراءته بالياء والنون على ما ذكرت من قراءة الأمصار جائزة بأيّ تينك القراءتين قرأ القارىء . فأما قراءته على ما ذكرت عن أبي جعفر ، فغير جائزة عندي لمعنيين : أحدهما : أنه خلاف لما عليه الحجة من القرّاء ، وغير جائز عندي خلاف ما جاءت به مستفيضا فيهم . والثاني بعدها من الصحة في العربية إلاّ على استكراه الكلام على غير المعروف من وجهه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغۡفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجۡزِيَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

وقوله تعالى : { قل للذين آمنوا يغفروا } الآية ، آية نزلت في صدر الإسلام ، أمر الله المؤمنين فيها أن يتجاوزوا عن الكفار وأن لا يعاقبوهم بذنب ، بل يأخذون أنفسهم بالصبر ، قاله محمد بن كعب القرظي والسدي . قال أكثر الناس : وهذه آية منسوخة بآية القتال ، وقالت فرقة : الآية محكمة ، والآية تتضمن الغفران عموماً ، فينبغي أن يقال : إن الأمور العظام كالقتل والكفر مجاهرة ونحو ذلك قد نسخ غفرانه آية السيف والجزية وما أحكمه الشرع لا محالة ، وإن الأمور المحقرة كالجفاء في القول ونحو ذلك يحتمل أن يتقى محكمه ، وأن يكون العفو عنها أقرب إلى التقوى . وقال ابن عباس لما نزلت : { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً }{[10266]} [ البقرة : 245 ] قال فنحاص اليهودي : احتاج رب محمد ، فأخذ عمر سيفه ومر ليقتله ، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : «إن ربك يقول : { قل للذين آمنوا } » الآية ، فهذا احتجاج بها مع قدم نزولها . وقد ذكر مكي وغيره أنها نزلت بمكة في عمر رضي الله عنه لما أراد أن يبطش بمشرك شتمه . وأما الجزم في قوله : { يغفروا } فهو جواب شرط مقدر تقديره : قل اغفروا فإن يجيبوا يغفروا .

وأخصر عندي من هذا أن { قل } هي بمثابة : اندب المؤمنين إلى الغفر{[10267]} .

وقوله : { أيام الله } قالت فرقة معناه : أيام إنعامه ونصره وتنعيمه في الجنة وغير ذلك ، ف { يرجون } على هذا هو من بابه . وقال مجاهد : { أيام الله } تعالى هي أيام نقمه وعذابه ، ف { يرجون } على هذا هي التي تتنزل منزلة يخافون ، وإنما تنزلت منزلتها من حيث الرجاء والخوف متلازمان لا تجد أحدهما إلا والآخر معه مقترن ، وقد تقدم شرح هذا غير مرة ، وقرأ جمهور القراء «ليجزي » بالياء على معنى : ليجزي الله . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والأعمش وأبو عبد الرحمن وابن وثاب : «لنجزي » بالنون . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بخلاف عنه «ليُجزَى » على بناء الفعل للمفعول «قوماً » ، وهذا على أن يكون التقدير : ليجزي الجزاء قوماً{[10268]} ، وباقي الآية وعيد .


[10266]:من الآية(245) من سورة (البقرة)، وتكررت في الآية (11) من سورة (الحديد).
[10267]:ومثل هذه الآية قوله تعالى في الآية(53) من سورة (الإسراء):{وقل لعبادي آمنوا يقيموا الصلاة}، والفراء يرى أنه مجزوم بالتشبيه بالجزاء والشرط.
[10268]:هذا تقدير الكسائي، ونظيره في ذلك قوله تعالى في سورة الأنبياء:{وكذلك نجي المؤمنين} على قراءة ابن عامر، وأبي بكر، ومثل هذا جاء في قول جرير يهجو الفرزدق ويعيره بأمه قُفيرة: ولو ولدت قُفيرة جرو كلب لسب بذلك الجرو الكِلابا إذ التقدير: لسب السب. ولكن الجمهور لا يجيز ذلك، ولهذا قال أبو عمرو عن هذه القراءة:"هذا لحن ظاهر"، وهناك تأويلات أخرى نجدها في كتب التفسير لتخريج هذه القراءة.