فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغۡفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجۡزِيَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

{ قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا } أي قل لهم اغفروا يغفروا أي يعفوا ويصفحوا ، قاله علي بن عيسى واختاره ابن العربي . وقيل التقدير قل لهم ليغفروا ، والمعنى قل لهم ليتجاوزوا .

{ لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ } أي الذين لا يرجون وقائع الله بأعدائه أي لا يتوقعونها ، ومعنى الرجاء هنا الخوف ، وقيل هو على معناه الحقيقي ، والمعنى لا يرجون ثوابه في الأوقات التي وقتها الله لثواب المؤمنين ، والأول أولى ، والأيام يعبر بها عن الوقائع كما تقدم في تفسير قوله { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ } قال مقاتل لا يخشون مثل عذاب الله للأمم الخالية ، وذلك أنهم لا يؤمنون به ، فلا يخافون عقابه ، وقيل المعنى لا يأملون نصر الله لأوليائه وإيقاعه بأعدائه ، وقيل : لا يخافون البعث .

قيل والآية منسوخة بآية السيف ، والأقرب أن يقال : إنه محمول على ترك المنازعة ، وعلى التجاوز فيما يصدر عنهم من الكلمات المؤذية ، وعن ابن عباس في الآية قال ( كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يعرض عن المشركين إذا آذوه وكانوا يستهزئون به ويكذبونه فأمره الله أن يقاتل المشركين كافة ) ، فكان هذا من المنسوخ ، والأولى القول بعدم النسخ .

{ لِيَجْزِيَ } الله { قَوْمًا } قرئ بالتحتية وقرئ بالنون لنجزي نحن ، والجملة لتعليل الأمر بالمغفرة ، والمراد بالقوم المؤمنون ، أمروا بالمغفرة ليجزيهم الله يوم القيامة { بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } في الدنيا من الأعمال الحسنة التي من جملتها الصبر على أذية الكفار ، والإغضاء عنهم ، بكظم الغيظ ، واحتمال المكروه ، وقيل المعنى ليجزي الكفار بما عملوا من السيئات ، كأنه قال لا تكافئوهم أنتم لنكافئهم نحن ، قيل المراد بالقوم كلاهما فيكون التنكير للتعظيم أو التحقير أو التنويع ، والأول أولى .