فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغۡفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجۡزِيَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

{ قُل لّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ } أي قل لهم اغفروا يغفروا { لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله } وقيل : هو على حذف اللام ، والتقدير : قل لهم ليغفروا . والمعنى : قل لهم يتجاوزوا عن الذين لا يرجون وقائع الله بأعدائه ، أي لا يتوقعونها ، ومعنى الرجاء هنا : الخوف ، وقيل : هو على معناه الحقيقي . والمعنى : لا يرجون ثوابه في الأوقات التي وقّتها الله لثواب المؤمنين ، والأوّل أولى . والأيام يعبر بها عن الوقائع كما تقدّم في تفسير قوله : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله } [ إبراهيم : 5 ] قال مقاتل : لا يخشون مثل عذاب الله للأمم الخالية ، وذلك أنهم لا يؤمنون به فلا يخافون عقابه . وقيل المعنى : لا يأملون نصر الله لأوليائه وإيقاعه بأعدائه ، وقيل : لا يخافون البعث . قيل والآية منسوخة بآية السيف { لِيَجْزِىَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي : ( لنجزي ) بالنون : أي لنجزى نحن . وقرأ باقي السبعة بالتحتية مبنياً للفاعل : أي ليجزي الله . وقرأ أبو جعفر ، وشيبة وعاصم بالتحتية مبنياً للمفعول مع نصب قوماً ، فقيل : النائب عن الفاعل مصدر الفعل ، أي ليجزى الجزاء قوماً ، وقيل إن النائب الجارّ والمجرور ، كما في قول الشاعر :

ولو ولدت فقيرة جرو كلب *** لسبّ بذلك الجرو الكلابا

وقد أجاز ذلك الأخفش والكوفيون ، ومنعه البصريون ، والجملة لتعليل الأمر بالمغفرة ، والمراد بالقوم المؤمنون ، أمروا بالمغفرة ليجزيهم الله يوم القيامة بما كسبوا في الدنيا من الأعمال الحسنة التي من جملتها الصبر على أذية الكفار ، والإغضاء عنهم بكظم الغيظ واحتمال المكروه . وقيل المعنى : ليجزي الكفار بما عملوا من السيئات كأنّه قال : لا تكافئوهم أنتم لنكافئهم نحن ، والأوّل أولى .

/خ15