تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغۡفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجۡزِيَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

12

المفردات :

يغفروا : يعفوا ويصفحوا .

لا يرجون أيام الله : لا يتوقعون وقائعه بأعدائه ونقمته عليهم .

ليجزي قوما : ليكافئ المؤمنين الغافرين .

التفسير :

14- { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون } .

هذه السورة مكية ، وكان عدد المسلمين في مكة مائتي رجل وامرأة ، فأمرهم الله بالصبر والاحتمال في فترة الضعف ، ثم لما استمر عناد المشركين ، وقوى عود المسلمين ، أمرهم الله بالجهاد والجلاد في المدينة .

قال الزركشي في البرهان :

وليس هذا من النسخ ولكنه من باب التدرج في التشريع ، فكلما كان المسلمون ضعافا أمروا بالصبر والاحتمال ، وكلما كانوا أقوياء أمروا بالجهاد ، وقد تعددت أقوال العلماء في سبب نزول هذه الآية ، فقيل : إنها نزلت في عمر بن الخطاب ، شتمه مشرك من غفار بمكة قبل الهجرة ، فهم أن يبطش به ، فنزلت هذه الآية .

وروى الواحدي والقشيري عن ابن عباس :

أن الآية نزلت في عمر بن الخطاب مع عبد الله بن أبي ، في غزوة بني المصطلق ، فإنهم نزلوا على بئر يقال لها : المُرَيْسِيع ، فأرسل عبد الله غلامه ليسقي فأبطأ عليه ، فقال : ما حسبك ؟ قال : غلام عمر قعد على فم البئر ، فما ترك أحدا يسقي حتى ملأ قرب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقرب أبي بكر ، وملأ لمولاه ، فقال عبد الله : ما مثلنا ومثل هؤلاء ، إلا كما قيل : ( سمن كلبك يأكلك ) فبلغ عمر قوله ، فاشتمل على سيفه يريد التوجه إليه ليقتله ، فأنزل الله هذه الآية ، وقيل غير ذلك في سبب نزولها ، لكن العبرة في الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فهي دعوة عامة للمؤمنين أن يصفحوا ويغفروا ، ويسامحوا هؤلاء المشركين الذين لا يتوقعون وقائع الله تعالى ، ولا يخافون نقمته عليهم لكفرهم ، كما انتقم الله منهم في بدر وأمثالها ، وكما ينتقم منهم يوم القيامة ، فيجزيهم على قبيح أفعالهم عند الحساب والجزاء ، فالجزاء عادل يوم القيامة .