مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغۡفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجۡزِيَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

{ قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ } أي قل لهم اغفروا يغفروا ، فحذف المقول لأن الجواب يدل عليه . ومعنى يغفروا يعفوا ويصفحوا . وقيل : إنه مجزوم بلام مضمر تقديره ليغفروا فهو أمر مستأنف وجاز حذف اللام للدلالة على الأمر { لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله } لا يتوقعون وقائع الله بأعدائه من قولهم لوقائع العرب أيام العرب . وقيل : لا يؤملون الأوقات التي وقتها الله تعالى لثواب المؤمنين ووعدهم الفوز فيها . قيل : نزلت في عمر رضي الله عنه حين شتمه رجل من المشركين من بني غفار فهم أن يبطش به { لِيَجْزِيَ } تعليل للأمر بالمغفرة أي إنما أمروا بأن يغفروا ليوفيهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة . وتنكير { قَوْماً } على المدح لهم كأنه قيل : ليجزي أيما قوم و { قَوْماً } مخصوصين بصبرهم على أذى أعدائهم . { لنجزى } شامي وحمزة وعلي . { ليُجْزَى قَوْماً } يزيد أي ليجزى الخير قوماً فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه كما أضمر الشمس في قوله { حتى تَوَارَتْ بالحجاب } [ ص : 32 ] لأن قوله { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بالعشي } دليل على تواري الشمس ، وليس التقدير ليجزي الجزاء قوماً ؛ لأن المصدر لا يقوم مقام الفاعل ومعك مفعول صحيح ، أما إقامة المفعول الثاني مقام الفاعل فجائز وأنت تقول جزاك الله خيراً { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الإحسان .