المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ} (5)

5- لا نعبد إلا إياك ، ولا نطلب المعونة إلا منك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ} (5)

قوله تعالى : { إياك نعبد } . ( إيا ) كلمة ضمير خصت بالإضافة إلى المضمر ، ويستعمل مقدماً على الفعل ، فيقال : إياك أعني ، وإياك أسأل ، ولا يستعمل مؤخراً إلا منفصلاً . فيقال : ما عنيت إلا إياك .

قوله : { نعبد } أي نوحدك ونطيعك خاضعين ، والعبادة الطاعة مع التذلل والخضوع ؛ وسمي العبد عبداً لذلته وانقياده ، يقال : طريق معبد أي مذلل .

قوله تعالى : { وإياك نستعين } . نطلب منك المعونة على عبادتك وعلى جميع أمورنا . فإن قيل : لم قدم ذكر العبادة على الاستعانة والاستعانة تكون قبل العبادة ؟ فلهذا يلزم من يجعل الاستطاعة قبل الفعل . ونحن نحمد الله نجعل التوفيق والاستعانة مع الفعل ، فلا فرق بين التقديم والتأخير ، ويقال : الاستعانة نوع تعبد ، فكأنه ذكر جملة العبادة أولاً ثم ذكر ما هو من تفاصيلها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ} (5)

( إياك نعبد وإياك نستعين ) . . وهذه هي الكلية الاعتقادية التي تنشأ عن الكليات السابقة في السورة . فلا عبادة إلا لله ، ولا استعانة إلا بالله .

وهنا كذلك مفرق طريق . . مفرق طريق بين التحرر المطلق من كل عبودية ، وبين العبودية المطلقة للعبيد ! وهذه الكلية تعلن ميلاد التحرر البشري الكامل الشامل . التحرر من عبودية الأوهام . والتحرر من عبودية النظم ، والتحرر من عبودية الأوضاع . وإذا كان الله وحده هو الذي يعبد ، والله وحده هو الذي يستعان ، فقد تخلص الضمير البشري من استذلال النظم والأوضاع والأشخاص ، كما تخلص من استذلال الأساطير والأوهام والخرافات . .

وهنا يعرض موقف المسلم من القوى الإنسانية ، ومن القوى الطبيعية . .

فأما القوى الإنسانية - بالقياس إلى المسلم - فهي نوعان : قوة مهتدية ، تؤمن بالله ، وتتبع منهج الله . . . وهذه يجب أن يؤازرها ، ويتعاون معها على الخير والحق والصلاح . . وقوة ضالة لا تتصل بالله ولا تتبع منهجه . وهذه يجب أن يحاربها ويكافحها ويغير عليها .

ولا يهولن المسلم أن تكون هذه القوة الضالة ضخمة أو عاتية . فهي بضلالها عن مصدرها الأول - قوة الله - تفقد قوتها الحقيقة . تفقد الغذاء الدائم الذي يحفظ لها طاقتها . وذلك كما ينفصل جرم ضخم من نجم ملتهب ، فما يلبث أن ينطفيء ويبرد ويفقد ناره ونوره ، مهما كانت كتلته من الضخامة . على حين تبقى لأية ذرة متصلة بمصدرها المشع قوتها وحرارتها ونورها : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) . . غلبتها باتصالها بمصدر القوة الأول ، وباستمدادها من النبع الواحد للقوة وللعزة جميعا .

وأما القوى الطبيعية فموقف المسلم منها هو موقف التعرف والصداقة ، لا موقف التخوف والعداء . ذلك أن قوة الإنسان وقوة الطبيعة صادرتان عن إرادة الله ومشيئته ، محكومتان بإرادة الله ومشيئته ، متناسقتان متعاونتان في الحركة والاتجاه .

إن عقيدة المسلم توحي إليه أن الله ربه قد خلق هذه القوى كلها لتكون له صديقا مساعدا متعاونا ؛ وأن سبيله إلى كسب هذه الصداقة أن يتأمل فيها . ويتعرف إليها ، ويتعاون وإياها ، ويتجه معها إلى الله ربه وربها . وإذا كانت هذه القوى تؤذيه أحيانا ، فإنما تؤذيه لأنه لم يتدبرها ولم يتعرف إليها ، ولم يهتد إلى الناموس الذي يسيرها .

ولقد درج الغربيون - ورثة الجاهلية الرومانية - على التعبير عن استخدام قوى الطبيعة بقولهم : " قهر الطبيعة " . . ولهذا التعبير دلالته الظاهرة على نظرة الجاهلية المقطوعة الصلة بالله ، وبروح الكون المستجيب لله . فأما المسلم الموصول القلب بربه الرحمن الرحيم ، الموصول الروح بروح هذا الوجود المسبحة لله رب العالمين .

فيؤمن بأن هنالك علاقة أخرى غير علاقة القهر والجفوة . أنه يعتقد أن الله هو مبدع هذه القوى جميعا . خلقها كلها وفق ناموس واحد ، لتتعاون على بلوغ الأهداف المقدرة لها بحسب هذا الناموس . وأنه سخرها للإنسان ابتداء ويسر له كشف أسرارها ومعرفة قوانينها . وأن على الإنسان أن يشكر الله كلما هيأ له أن يظفر بمعونة من إحداها . فالله هو الذي يسخرها له ، وليس هو الذي يقهرها : سخر لكم ما في الأرض جميعا . .

وإذن فإن الأوهام لن تملأ حسه تجاه قوى الطبيعة ؛ ولن تقوم بينه وبينها المخاوف . . إنه يؤمن بالله وحده ، ويعبد الله وحده ، ويستعين بالله وحده . وهذه القوى من خلق ربه . وهو يتأملها ويألفها ويتعرف أسرارها ، فتبذل له معونتها ، وتكشف له عن أسرارها . فيعيش معها في كون مأنوس صديق ودود . . وما أروع قول الرسول [ ص ] وهو ينظر إلى جبل أحد : " هذا جبل يحبنا ونحبه " . . ففي هذه الكلمات كل ما يحمله قلب المسلم الأول محمد [ ص ] من ود وألفة وتجاوب بينه وبين الطبيعة في أضخم وأخشن مجاليها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ} (5)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ }

قال أبو جعفر : وتأويل قوله : إِيّاكَ نَعْبُدُ : لك اللهم نخشع ، ونذلّ ، ونستكين ، إقرارا لك يا ربنا بالربوبية لا لغيرك . كما :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : قال جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد : إياك نعبد ، إياك نوحد ونخاف ونرجو يا ربّنا لا غيرك .

وذلك من قول ابن عباس بمعنى ما قلنا ، وإنما اخترنا البيان عن تأويله بأنه بمعنى نخشع ، ونذل ، ونستكين ، دون البيان عنه بأنه بمعنى نرجو ونخاف ، وإن كان الرجاء والخوف لا يكونان إلا مع ذلة لأن العبودية عند جميع العرب أصلها الذلّة ، وأنها تسمي الطريقَ المُذَلّل الذي قد وطئته الأقدام وذللته السابلة : مُعَبّدا . ومن ذلك قول طَرَفة بن العبد :

تُبارِي عِتَاقا ناجياتٍ وأتْبَعَتْ *** وَظِيفا وَظِيفا فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبّدِ

يعني بالمَوْر : الطريق ، وبالمعبّد : المذلّل الموطوء . ومن ذلك قيل للبعير المذلل بالركوب في الحوائج : مُعَبّد ، ومنه سمي العبد عبدا لذلّته لمولاه . والشواهد من أشعار العرب وكلامها على ذلك أكثر من أن تحصى ، وفيما ذكرناه كفاية لمن وفق لفهمه إن شاء الله تعالى .

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ .

قال أبو جعفر : ومعنى قوله : ( وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) وإيّاك ربنا نستعين على عبادتنا إياك وطاعتنا لك وفي أمورنا كلها لا أحد سواك ، إذ كان من يكفر بك يستعين في أموره معبوده الذي يعبده من الأوثان دونك ، ونحن بك نستعين في جميع أمورنا مخلصين لك العبادة . كالذي :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثني بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس : وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ قال : إياك : نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها .

فإن قال قائل : وما معنى أمر الله عباده بأن يسألوه المعونة على طاعته ؟ أوَ جائز وقد أمرهم بطاعته أن لا يعينهم عليها ؟ أم هل يقول قائل لربه : إياك نستعين على طاعتك ، إلا وهو على قوله ذلك معان ، وذلك هو الطاعة ، فما وجه مسألة العبد ربه ما قد أعطاه إياه ؟ قيل : إن تأويل ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه وإنما الداعي ربه من المؤمنين أن يعينه على طاعته إياه ، داعٍ أن يعينه فيما بقي من عمره على ما كلفه من طاعته ، دون ما قد تَقَضّى ومضى من أعماله الصالحة فيما خلا من عمره . وجازت مسألة العبد ربّه ذلك لأن إعطاء الله عبده ذلك مع تمكينه جوارحه لأداء ما كلفه من طاعته وافترض عليه من فرائضه ، فضل منه جل ثناؤه تفضّل به عليه ، ولطف منه لطف له فيه ، وليس في تركه التفضل على بعض عبيده بالتوفيق مع اشتغال عبده بمعصيته وانصرافه عن محبته ، ولا في بسطه فضله على بعضهم مع إجهاد العبد نفسه في محبته ومسارعته إلى طاعته ، فساد في تدبير ولا جور في حكم ، فيجوز أن يجهل جاهل موضع حكم الله ، وأمره عبده بمسألته عونه على طاعته . وفي أمر الله جل ثناؤه عباده أن يقولوا : ( إيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) بمعنى مسألتهم إياه المعونة على العبادة أدل الدليل على فساد قول القائلين بالتفويض من أهل القدر ، الذين أحلوا أن يأمر الله أحدا من عبيده بأمر أو يكلفه فرض عمل إلا بعد إعطائه المعونة على فعله وعلى تركه .

ولو كان الذي قالوا من ذلك كما قالوا لبطلت الرغبة إلى الله في المعونة على طاعته ، إذ كان على قولهم مع وجود الأمر والنهي والتكليف حقا واجبا على الله للعبد إعطاؤه المعونة عليه ، سأله عبده ذلك أو ترك مسألة ذلك بل ترك إعطائه ذلك عندهم منه جور . ولو كان الأمر في ذلك على ما قالوا ، لكن القائل : ( إِيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ ) إنما يسأل ربه أن لا يجور . وفي إجماع أهل الإسلام جميعا على تصويب قول القائل : اللهم إنا نستعينك وتخطئتهم قول القائل : اللهم لا تجر علينا ، دليل واضح على خطأ ما قال الذين وصفت قولهم ، إذْ كان تأويل قول القائل عندهم : اللهم إنا نستعينك ، اللهم لا تترك معونتنا التي تَرْكُهَا جور منك .

فإن قال قائل : وكيف قيل : ( إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ ) فقدم الخبر عن العبادة ، وأخرت مسألة المعونة عليها بعدها ؟ وإنما تكون العبادة بالمعونة ، فمسألة المعونة كانت أحق بالتقديم قبل المعان عليه من العمل والعبادة بها . قيل : لما كان معلوما أن العبادة لا سبيل للعبد إليها إلا بمعونة من الله جل ثناؤه ، وكان محالاً أن يكون العبد عابدا إلا وهو على العبادة معانٌ ، وأن يكون معانا عليها إلا وهو لها فاعل كان سواء تقديم ما قدم منهما على صاحبه ، كما سواء قولك للرجل إذا قضى حاجتك فأحسن إليك في قضائها : قضيت حاجتي فأحسنت إليّ ، فقدمت ذكر قضائه حاجتك . أو قلت : أحسنت إليّ فقضيت حاجتي ، فقدمت ذكر الإحسان على ذكر قضاء الحاجة لأنه لا يكون قاضيا حاجتك إلا وهو إليك محسن ، ولا محسنا إليك إلا وهو لحاجتك قاض . فكذلك سواء قول القائل : اللهم إنا إياك نعبد فأعنّا على عبادتك ، وقوله : اللهم أعنا على عبادتك فإنا إياك نعبد .

قال أبو جعفر : وقد ظن بعض أهل الغفلة أن ذلك من المقدّم الذي معناه التأخير ، كما قال امرؤ القيس :

ولَوْ أَنّ ما أسْعَى لأدنَى مَعِيشَةٍ *** كَفانِي ولَمْ أَطْلُبْ قَلِيلٌ مِنَ المَالِ

يريد بذلك : كفاني قليل من المال ولم أطلب كثيرا . وذلك من معنى التقديم والتأخير ، ومن مشابهة بيت امرىء القيس بمعزلٍ من أجل أنه قد يكفيه القليل من المال ويطلب الكثير ، فليس وجود ما يكفيه منه بموجب له ترك طلب الكثير . فيكون نظير العبادة التي بوجودها وجود المعونة عليها ، وبوجود المعونة عليها وجودها ، ويكون ذكر أحدهما دالاّ على الاَخر ، فيعتدل في صحة الكلام تقديم ما قدم منهما قبل صاحبه أن يكون موضوعا في درجته ومرتبا في مرتبته . فإن قال : فما وجه تكراره : إِيّاكَ مع قوله : نَسْتَعِينُ وقد تقدم ذلك قبل نعبد ؟ وهلا قيل : إياك نعبد ونستعين ، إذْ كان المخبر عنه أنه المعبود هو المخبر عنه أنه المستعان ؟ قيل له : إن الكاف التي مع «إيّا » ، هي الكاف التي كانت تتصل بالفعل ، أعني بقوله : نَعْبُدُ لو كانت مؤخرة بعد الفعل . وهي كناية اسم المخاطب المنصوب بالفعل ، فكثُرّتْ ب«إيّا » متقدمة ، إذ كانت الأسماء إذا انفردت بأنفسها لا تكون في كلام العرب على حرف واحد ، فلما كانت الكاف من «إياك » هي كناية اسم المخاطب التي كانت تكون كافا وحدها متصلة بالفعل إذا كانت بعد الفعل ، ثم كان حظها أن تعاد مع كل فعل اتصلت به ، فيقال : اللهم إنا نعبدك ونستعينك ونحمدك ونشكرك وكان ذلك أفصح في كلام العرب من أن يقال : اللهم إنا نعبدك ونستعين ونحمد كان كذلك إذا قدمت كناية اسم المخاطب قبل الفعل موصولة ب«إيّا » ، كان الأفصح إعادتها مع كل فعل . كما كان الفصيح من الكلام إعادتها مع كل فعل ، إذا كانت بعد الفعل متصلة به ، وإن كان ترك إعادتها جائزا . وقد ظن بعض من لم يمعن النظر أن إعادة «إياك » مع «نستعين » بعد تقدمها في قوله : إياكَ نَعْبُدُ بمعنى قول عديّ بن زيد العبادي :

وجاعلُ الشّمْس مِصْرا لا خَفَاءَ به *** بينَ النّهارِ وبينَ اللّيْل قَدْ فَصَلاَ

وكقول أعشى همدان :

بينَ الأشَجّ وبينَ قَيْسٍ باذِخٌ *** بَخْ بَخْ لوَالدِه وللمَوْلُودِ

وذلك جهل من قائله ؛ من أجل أن حظ «إياك » أن تكون مكرّرة مع كل فعل لما وصفنا آنفا من العلة ، وليس ذلك حكم «بين » لأنها لا تكون إذا اقتضت اثنين إلاّ تكريرا إذا أعيدت ، إذ كانت لا تنفرد بالواحد . وأنها لو أفردت بأحد الاسمين في حال اقتضائها اثنين كان الكلام كالمستحيل وذلك أن قائلاً لو قال : الشمس قد فصلت بين النهار ، لكان من الكلام خلْفا لنقصان الكلام عما به الحاجة إليه من تمامه الذي يقتضيه «بين » . ولو قال قائل : «اللهم إياك نعبد » لكان ذلك كلاما تاما . فكان معلوما بذلك أن حاجة كل كلمة كانت نظيرة «إياك نعبد » إلى «إياك » كحاجة «نعبد » إليها ، وأن الصواب أن تكرّر معها «إياك » ، إذ كانت كل كلمة منها جملة خبر مبتدأ ، وبينا حكم مخالفة ذلك حكم «بين » فيما وفق بينهما الذي وصفنا قوله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ} (5)

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( 5 )

وقوله تعالى : { إياك نعبد } .

نطق المؤمن به إقرار بالربوبية وتذلل وتحقيق لعبادة الله ، إذ سائر الناس يعبدون سواه من أصنام وغير ذلك ، وقدم المفعول على الفعل اهتماماً( {[66]} ) ، وشأن العرب تقديم الأهم .

ويذكر أن أعرابياً سبّ آخر فأعرضَ المسبوبُ عنهُ ، فقال له السابُّ : «إياك أعني » فقال الآخر : «وعنكَ أُعرِضُ » فقدَّما الأهم .

وقرأ الفضل الرقاشي( {[67]} ) : «أياك » بفتح الهمزة ، وهي لغة مشهورة وقرأ عمرو بن فائد : «إيَاك » بكسر الهمزة وتخفيف الياء ، وذاك أنه كره تضعيف الياء لثقلها وكون الكسرة قبلها ، وهذا كتخفيف «ربْ » و «إنْ »( {[68]} ) . وقرأ أبو السوار الغنوي( {[69]} ) : «هيّاك نعبد وهيّاك نستعين » بالهاء ، وهي لغة( {[70]} ) . واختلف النحويون في { إيّاك } فقال الخليل : إيّا اسم مضمر أضيف إلى ما بعده للبيان لا للتعريف ، وحكي عن العرب : «إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب »( {[71]} ) . وقال المبرد : إيّا اسم مبهم أضيف للتخصيص لا للتعريف ، وحكى ابن كيسان عن بعض الكوفيين أنّ { إيّاك } بكماله اسم مضمر ، ولا يعرف اسم مضمر يتغير آخره غيره ، وحكي عن بعضهم أنه قال : الكاف والهاء والياء هي الاسم المضمر ، لكنها لا تقوم بأنفسها ولا تكون إلا متصلات ، فإذا تقدمت الأفعال جعل «إيّا » عماداً لها . فيقال «إياك » و «إياه » و «إيّاي » ، وإذا تأخرت اتصلت بالأفعال واستغني عن «إيا » .

وحكي عن بعضهم أن أيا اسم مبهم يكنى به عن المنصوب ، وزيدت الكاف والياء والهاء تفرقة بين المخاطب والغائب والمتكلم ، ولا موضع لها من الإعراب فهي كالكاف في ذلك وفي أرايتك زيداً ما فعل .

و { نعبد } معناه نقيم الشرع والأوامر مع تذلل واستكانة ، والطريق المذلل يقال له معبد ، وكذلك البعير . وقال طرفة : [ الطويل ] .

تباري عتاق الناجيات وأتبعت . . . وظيفاً وظيفاً فوق مور معبد( {[72]} )

وتكررت { إياك } بحسب اختلاف الفعلين ، فاحتاج كل واحد منهما إلى تأكيد واهتمام .

و { نستعين } معناه نطلب العون منك في جميع أمورنا ، وهذا كله تبرؤ( {[73]} ) من الأصنام . وقرأ الأعمش وابن وثاب والنخعي : «ونستعين » بكسر النون ، وهي لغة لبعض قريش في النون والتاء والهمزة ولا يقولونها في ياء الغائب وإنما ذلك في كل فعل سمي فاعله فيه زوائد أو فيما يأتي من الثلاثي على فعل يفعل بكسر العين في الماضي وفتحها في المستقبل نحوعلم وشرب ، وكذلك فيما جاء معتل العين نحو خال يخال ، فإنهم يقولون تخال وأخال .

و { نستعين } أصله نستعون نقلت حركة الواو إلى العين وقلبت ياء لانكسار ما قبلها ، والمصدر استعانة أصله استعواناً نقلت حركة الواو إلى العين فلما انفتح ما قبلها وهي في نية الحركة انقلبت ألفاً ، فوجب حذف أحد الألفين الساكنين ، فقيل حذفت الأولى لأن الثانية مجلوبة لمعنى ، فهي أولى بالبقاء ، وقيل حذفت الثانية لأن الأولى أصلية فهي أولى بالبقاء ، ثم لزمت الهاء عوضاً من المحذوف ،


[66]:- وللاختصاص أيضا، إذ العلل والمقتضيات لا تتراحم ولا تتخاصم.
[67]:- وهو ابن عبد الصمد بن الفضل أبو العباس الرقاشي البصري الشاعر المتوفى تقريبا سنة (200)هـ. كان هو وأبو نواس يتهاجيان.
[68]:- لا عبرة بذلك فهي قراءة شاذة مردودة.
[69]:- بفتح السين وتشديد الواو، عربي فصيح، أخذ عنه أبو عبيدة فمن دونه، كما في بغية الوعاة.
[70]:- استدل كل من القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن"1/127، وابن كثير في تفسيره 1/47- وصاحب الكشاف في تفسيره 1/8- استدل كل منهم بقول الطفيل الغنوي: فهياك والأمر الذي إن تراحبَتْ موارده ضاقت عليك مصادره
[71]:- إضافة (إيَّا) إلى الظاهر نحو (وإيا الشواب) ونحو (دعني وإيا خالد) –نادر أو ضرورة.
[72]:- المور: الطريق، والناجيات: السراع، وطرفة هو ابن العبد الشاعر المشهور.
[73]:- وفي بعض النسخ: تبر.