بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ} (5)

قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } هو تعليم ؛ علم المؤمنين كيف يقولون ، إذا قاموا بين يديه في الصلاة ، فأمرهم بأن يذكروا عبوديتهم وضعفهم ، حتى يوفقهم ويعينهم فقال { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } أي نوحد ونطيع . وقال بعضهم { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } يعني إياك نطيع طاعة نخضع فيها لك . وقوله تعالى : { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } يقول : بك نستوثق على عبادتك وقضاء الحقوق . وفي هذا دليل على أن الكلام قد يكون بعضه على وجه المغايبة وبعضه على وجه المخاطبة ، لأنه افتتح السورة بلفظ المغايبة وهو قوله : { الحمد للَّهِ } ثم ذكر بلفظ المخاطبة ، فقال : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ؛ وهذا كما قال في آية أخرى { هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ في البر والبحر حتى إِذَا كُنتُمْ في الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جاءتها رِيحٌ عَاصِفٌ وجاءهم الموج مِن كُلِّ مَكَانٍ وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين } { صلى الله عليه وسلم } [ يونس : 22 ] فذكر بلفظ المخاطبة ، ثم قال : { هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ في البر والبحر حتى إِذَا كُنتُمْ في الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جاءتها رِيحٌ عَاصِفٌ وجاءهم الموج مِن كُلِّ مَكَانٍ وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين } [ يونس : 22 ] هذا ذكر على المغايبة ؛ ومثل هذا في القرآن كثير .