التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ} (5)

قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين )

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : قوله تعالى ( إياك نعبد ) أشار في هذه الآية الكريمة إلى تحقيق معنى لا إله إلا الله لن معناها مركب من أمرين : نفي وإثبات . فالنفي : خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنواع العبادات على الوجه المشروع ، وقد أشار إلى النفي من الإله إلا الله بتقديم المعمول الذي هو ( إياك ) ، وقد تقرر في الأصول ، في مبحث دليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة ، وفي المعاني في مبحث القصر : أن تقديم المعمول من صيغ الحصر ، وأشار إلى الإثبات منها بقوله ( نعبد ) وقد بين معناها المشار إليه هنا مفصلا في آيات أخر كقوله ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم ) الآية{[287]} . فصرح بالإثبات منها بقوله ( فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ){[288]} . وكقوله ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ){[289]} فصرح بالإثبات بقوله ( أن اعبدوا الله ) وبالنفي : بقوله ( واجتنبوا الطاغوت ){[290]} . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس : " وإذا استعنت فاستعن بالله . . . " {[291]} .

وأخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة مرفوعا في الحديث القدسي المتقدم : فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين . قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، ثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة في قوله : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال : يأمركم ان تخلصوا له العبادة ، وأن تستعينوه على أمركم{[292]} .

ورجاله ثقات إلا الحسن وعبد الوهاب فصدوقان وعبد الوهاب هو ابن عطاء الخفاف صدوق ربما أخطأ ومن مدلسي المرتبة الثالثة الذين لا يقبل تدليسهم إلا إذا صرحوا بالسماع ولكن عبد الوهاب معروف بصحبة سعيد بن أبي عروة وكتب كتبه لأنه كان مستملي سعيد وروايته عن سعيد قديمة قبل الاختلاط{[293]} . وأما سعيد بن أبي عروة فثقة ولكنه مدلس إلا انه من المرتبة الثانية فلا يضر وخصوصا انه أثبت الناس في قتادة بل روى البخاري له في الصحيح في كتاب التفسير عن سعيد بن ابي عروبة عن قتادة{[294]} . وقد سئل ابن معين : أيما أحب إليك تفسير سعيد عن قتادة أو تفسير شيبان عن قتادة ؟ فقال : سعيد{[295]} . ونقل الذهبي عن أحمد بن حنبل قال : زعموا أن سعيد بن أبي عروبة قال : لم اكتب إلا تفسير قتادة ، وذلك أن أبا معشر كتب إلي ان اكتبه{[296]} . فالإسناد حسن إلى قتادة .

وقال الشيخ الشنقيطي : قوله تعالى ( وإياك نستعين ) أي لا نطلب العون إلا منك وحدك ، أن المر كله بيدك وحدك لا يملك أحد منه معك مثقال ذرة ، وإتيانه بقوله ( وإياك نستعين ) بعد قوله ( إياك نعبد ) فيه إشارة إلى انه لا ينبغي أن يتوكل إلا على من يستحق العبادة ؛ لأن غيره ليس بيده الأمر ، وهذا المعنى المشار إليه هنا جاء مبينا واضحا في آيات أخر كقوله ( فاعبده وتوكل عليه ) الآية{[297]} . وقوله ( فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت ) الآية{[298]} . وقوله ( رب المشرق و المغرب لا إله إ لا هو فاتخذه وكيلا ){[299]}وقوله ( قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ){[300]} . إلى غير ذلك من الآيات{[301]} .


[287]:البقرة 21.
[288]:البقرة 22.
[289]:النحل 36.
[290]:أضواء البيان 1/103.
[291]:انظر سورة البقرة آية (45).
[292]:التفسير 1/158 رقم29.
[293]:انظر تهذيب التهذيب 6/451،450.
[294]:5/127 باب سورة آل عمران،قوله تعالى (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة)،وانظر عمدة القاري 17/155.
[295]:التاريخ2/205.
[296]:سير أعلام النبلاء 6/417.
[297]:هود123.
[298]:التوبة 129.
[299]:المزمل9.
[300]:الملك 29.
[301]:أضواء البيان 1/104.