المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

37- أكفار مكة خير في القوة والمنعة والسلطان وسائر أمور الدنيا أم قوم تبع ومن سبقهم ؟ ليس مشركو قومك - يا محمد - أقوى منهم ، وقد أهلكناهم في الدنيا بكفرهم وأجرامهم ، فليعتبروا بهم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

ثم خوفهم مثل عذاب الأمم الخالية فقال :{ أهم خير أم قوم تبع } أي ليسوا خيراً منهم ، يعني أقوى وأشد وأكثر من قوم تبع . قال قتادة : هو تبع الحميري ، وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة ، وبنى سمرقند ، وكان من ملوك اليمن ، سمي تبعا لكثرة أتباعه ، وكل واحد منهم يسمى : تبعاً لأنه يتبع صاحبه ، وكان هذا الملك يعبد النار فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام وهم حمير ، فكذبوه وكان من خبره ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره . وذكر عكرمة عن ابن عباس قالوا : كان تبع الآخر وهو أبو كرب أسعد بن مليك حين أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة ، وقد كان حين مر بها خلف بين أظهرهم ابناً له فقتل غيلة ، فقدمها وهو مجمع على خرابها واستئصال أهلها ، فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من أمره ، فخرجوا لقتاله وكان الأنصار يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل ، فأعجبه ذلك وقال : إن هؤلاء لكرام ، فبينما هو كذلك إذ جاءه حبران اسمهما : كعب وأسد من أحبار بني قريظة ، عالمان وكانا ابني عم ، حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة وأهلها ، فقالا له : أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ، ولم نأمن عليك عاجل العقوبة . فإنها مهاجر نبي يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد ، مولده مكة ، وهذه دار هجرته . ومنزلك الذي أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كبير في أصحابه ، وفي عدوهم . قال تبع : من يقاتله وهو نبي ؟ قالا : يسير إليه قومه فيقتتلون هاهنا ، فتناهى لقولهما عما كان يريد بالمدينة ، ثم إنهما دعواه إلى دينهما فأجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما وانصرف عن المدينة ، وخرج بهما ونفر من اليهود عامدين إلى اليمن ، فأتاه في الطريق نفر من هذيل وقالوا : إنا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة ، قال : أي بيت ؟ قالوا : بيت بمكة ، وإنما تريد هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه لم يرده أحد قط بسوء إلا هلك ، فذكر ذلك للأحبار ، فقالوا : ما نعلم لله في الأرض بيتاً غير هذا البيت ، فاتخذه مسجداً وانسك عنده وانحر واحلق رأسك ، وما أراد القوم إلا هلاكك لأنه ما ناوأهم أحد قط إلا أهلك ، فأكرمه واصنع عنده ما يصنع أهله ، فلما قالوا له ذلك أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم ، فلما قدم مكة نزل الشعب شعب البطائح ، وكسا البيت الوصائل ، وهو أول من كسا البيت ، ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة ، وأقام به أيام وطاف به وحلق وانصرف ، فلما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك وبينه ، قالوا : لا تدخل علينا وقد فارقت ديننا ، فدعاهم إلى دينه وقال إنه دين خير من دينكم ، قالوا : فحاكمنا إلى النار ، وكانت باليمن نار في أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه ، فتأكل الظالم ولا تضر المظلوم ، فقال تبع : أنصفتم ، فخرج القوم بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه ، فخرجت النار فأقبلت حتى غشيتهم ، فأكلت الأوثان وما قربوا معها ، ومن حمل ذلك من رجال حمير ، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما ، يتلوان التوراة تعرق جباههما لم تضرهما ، ونكصت النار حتى رجعت إلى مخرجها الذي خرجت منه ، فتابعتهما عند ذلك حمير على دينهما ، فمن هنالك كان أصل اليهودية في اليمن . وذكر أبو حاتم عن الرقاشي قال : كان أبو كرب أسعد الحميري من التبابعة ، آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة . وذكر لنا أن كعباً كان يقول : ذم الله قومه ولم يذمه . وكانت عائشة تقول : لا تسبوا تبعاً فإنه كان رجلاً صالحاً . وقال سعيد بن جبير : هو الذي كسا البيت .

أخبرنا سعيد الشريحي ، أنبأنا إسحاق الثعلبي ، أنبأنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري ، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو زرعة ابن عمرو بن جرير ، عن سهل بن سعد قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم " .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو سعيد إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن علي بن سالم الهمداني ، حدثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أدري تبع أكان نبياً كان أو غير نبي " . { والذين من قبلهم } من الأمم الكافرة . { أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

وقبل أن يوجههم هنا إلى هذا التدبر في تصميم الكون ذاته ، يلمس قلوبهم لمسة عنيفة بمصرع قوم تبع والتبابعة من ملوك حمير في الجزيرة العربية . ولا بد أن القصة التي يشير إليها كانت معروفة للسامعين ، ومن ثم يشير إليها إشارة سريعة للمس قلوبهم بعنف ، وتحذيرها مصيراً كهذا المصير :

( أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبّعٍ وَالّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أهؤلاء المشركون يا محمد من قومك خير ، أم قوم تُبّع ، يعني تُبّعا الحِمْيريّ . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عزّ وجلّ : أهُمْ خَيرٌ ، أمْ قَوْمُ تَبّعٍ قال : الحميريّ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أهُمْ خَيْرٌ أمْ قَوْمُ تُبّعٍ ذُكر لنا أن تبعا كان رجلاً من حمير ، سار بالجيوش حتى حَيْر الحيرة ، ثم أتى سمرقند فهدمها . وذُكر لنا أنه كان إذا كَتَبَ كَتَب باسم الذي تسمّى وملك برّا وبحرا وصحا وريحا . وذُكر لنا أن كعبا كان يقول : نُعِتَ نَعْتَ الرّجُلِ الصّالح ذمّ الله قومَه ولم يذمه . وكانت عائشة تقول : لا تسبوا تُبّعا ، فإنه كان رجلاً صالحا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قالت عائشة : كان تبّع رجلاً صالحا . وقال كعب : ذمّ قومه ولم يذمه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن تميم بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن جبير ، أن تُبّعا كسا البيت ، ونهى سعيد عن سبه .

وقوله : وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِهمْ يقول تعالى ذكره : أهؤلاء المشركون من قريش خير أم قوم تبّعِ والذين من قبلهم من الأمم الكافرة بربها ، يقول : فليس هؤلاء بخير من أولئك ، فنصفح عنهم ، ولا نهلكهم ، وهم بالله كافرون ، كما كان الذين أهلكناهم من الأمم من قبلهم كفارا .

وقوله : إنّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ يقول : إن قوم تبّع والذين من قبلهم من الأمم الذين أهلكناهم إنما أهلكناهم لإجرامهم ، وكفرهم بربهم . وقيل : إنهم كانوا مجرمين ، فكُسرت ألف «إن » على وجه الابتداء ، وفيها معنى الشرط استغناء بدلالة الكلام على معناها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

{ أهم خير } في القوة والمنعة . { أم قوم تبع } تبع الحميري الذي سار بالجيوش وحير الحيرة وبني سمرقند . وقيل هدمها وكان مؤمنا وقومه كافرين ولذلك ذمهم دونه . وعنه عليه الصلاة والسلام : " ما أدري أكان تبع نبيا أم غير نبي " . وقيل لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون كما قيل لهم الأقيال لأنهم يتقيلون . { والذين من قبلهم } كعاد وثمود . { أهلكناهم } استئناف بمآل قوم تبع . { والذين من قبلهم } هدد به كفار قريش أو حال بإضمار قد أو خبر من الموصول إن استؤنف به . { إنهم كانوا مجرمين } بيان للجامع المقتضي للإهلاك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

قوله تعالى : { أهم خير } الآية تقرير فيه وعيد ، و : { تبع } ملك حميري ، وكان يقال لكل ملك منهم : { تبع } ، إلا أن المشار إليه في هذه الآية رجل صالح من التبابعة . قال كعب الأحبار : ذم الله تعالى قومه ولم يذمه ، ونهى العلماء عن سبه ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق سهل بن سعد : أن تبعاً هذا أسلم وآمن بالله ، وروي أن ذلك كان على يد أهل كتاب كانوا بحضرته{[10242]} . وقال ابن عباس : كان { تبع } نبياً . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما أدري أكان { تبع } نبياً أم غير نبي ؟ »{[10243]} . وقال ابن جبير : هو الذي كسا الكعبة ، وقد ذكره ابن إسحاق في السيرة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إنهم كانوا مجرمين } يريد بالكفر . وقرأت فرقة : «أنهم » بفتح الألف . وقرأ الجمهور بكسرها .


[10242]:أخرجه أحمد، والطبراني، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، وذكره الإمام السيوطي في الدر المنثور، ولفظه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تسبوا تبع فإنه كان قد أسلم).
[10243]:ترجم الحافظ بن عساكر في تاريخه ترجمة حافلة لتبع، وذكر أنه ملك دمشق، ثم ساق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ما أدري، الحدود طهارة لأهلها أم لا؟ ولا أدري تبع لعينا كان أم لا؟ ولا أدري ذو القرنين نبيا كان أم ملكا)، وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن محمد بن حماد الظهراني، عن عبد الرزاق، وقال عبد الرزاق أيضا: أخبرنا معمر عن ابن أبي ذؤيب عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما أدري تبع نبيا كان أم غير نبي).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

استئناف ناشىء عن قوله : { ولقد فتنّا قبلهم قوم فرعون } [ الدخان : 17 ] فضمير { هم راجع إلى اسم الإشارة في قوله : { إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى } [ الدخان : 34 ، 35 ] فبعد أن ضرب لهم المثل بمهلك قوم فرعون زادهم مثلاً آخر هو أقرب إلى اعتبارهم به وهو مُهلك قوم أقرب إلى بلادهم من قوم فرعون وأولئك قوم تبّع فإن العرب يتسامعون بعظمة مُلك تُبَّع وقومه أهل اليمن وكثير من العرب شاهدوا آثار قوتهم وعظمتهم في مراحل أسفارهم وتحادثوا بما أصابهم من الهلك بسيل العرم . وافتتح الكلام بالاستفهام التقريري لاسترعاء الأسماع لمضمونه لأن كل أحد يعلم أن تُبَّعاً ومن قبله من الملوك خير من هؤلاء المشركين .

والمعنى : أنهم ليسوا خيراً من قوم تبع ومن قبلهم من الأمم الذين استأصلهم الله لأجل إجرامهم فلما مَاثلوهم في الإجرام فلا مزيّة لهم تدفع عنهم استئصال الذي أهلك الله به أمماً قبلهم .

والاستفهام في { أهم خير أم قوم تبع } تقريري إذ لا يسعهم إلا أن يعترفوا بأن قوم تبّع والذين من قبلهم خير منهم لأنهم كانوا يضربون بهم الأمثال في القوة والمنعة . والمراد بالخيرية التفضيل في القوة والمنعة ، كما قال تعالى بعد ذكر قوم فرعون { أكفاركم خيرٌ من أُولئكم } في سورة القمر ( 43 ) . وقوم تُبّع هم حمير وهم سكان اليمن وحضرَموت من حمير وسبأ وقد ذكرهم الله تعالى في سورة قَ .

وتُبّع بضم الميم وتشديد الموحدة لقب لِمَن يملك جميع بلاد اليمن حِمْيراً وسبأ وحضرموت ، فلا يطلق على الملك لقب تُبّع إلا إذا ملك هذه المواطن الثلاثة . قيل سمّوه تُبّعاً باسم الظل لأنه يَتبع الشمس كما يتبع الظل الشمس ، ومعنى ذلك : أنه يسير بغزاوته إلى كل مكان تطلع عليه الشمس ، كما قال تعالى في ذي القرنين { فاتّبع سبباً حتى إذا بلغ مغرب الشمس } إلى قوله : { لم نجعل لهم من دونها ستراً } [ الكهف : 85 90 ] ، وقيل لأنه تتبعه ملوك مخاليف اليمن ، وتخضع له جميع الأقيال والأذواء من ملوك مخاليف اليمن وأذوائه ، فلذلك لُقِّبَ تُبّعاً لأنه تتبعه الملوك .

وتُبّع المراد هُنا المسمّى أسعد والمُكَنَّى أبا كَرِب ، كان قد عظم سلطانه وغزا بلاد العرب ودخل مكة ويثرب وبلغ العراق . ويقال : إنه الذي بنى مدينة الحِيرة في العراق ، وكانت دولة تُبّع في سنة ألف قبل البعثة المحمدية ، وقيل كان في حدود السبعمائة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وتعليق الإهلاك بقوم تُبّع دونه يقتضي أن تبّعاً نجا من هذا الإهلاك وأن الإهلاك سلط على قومه ، قالت عائشة : ألا ترى أن الله ذمّ قومه ولم يَذمه .

والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد وغيره أنه قال : « لا تسبوا تُبعاً فإنه كان قد أسلم وفي رواية كان مؤمناً » وفسره بعض العلماء بأنه كان على دين إبراهيم عليه السلام وأنه اهتدى إلى ذلك بصحبة حبْرَين من أحبار اليهود لقيهما بيثرب حين غزاها وذلك يقتضي نجاته من الإهلاك . ولعل الله أهلك قومه بعد موته أو في مغيبه .

وجملة { أهلكناهم } مستأنفة استئنافاً بيانياً لما أثاره الاستفهام التقريري من السؤال عن إبهامه ماذا أريد به . وجملة { إنهم كانوا مجرمين } تعليل لمضمون جملة { أهلكناهم } ، أيْ أهلكناهم عن بكرة أبيهم بسبب إجرامهم ، أي شركهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

خوفهم الله تعالى بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال: {أهم خير أم قوم تبع}؛ لأن قوم تبع أقرب في الهلاك إلى كفار مكة.

{والذين من قبلهم} من الأمم الخالية.

{أهلكناهم} بالعذاب.

{إنهم كانوا مجرمين} يعني مذنبين مقيمين على الشرك منهمكين عليه...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أهؤلاء المشركون يا محمد من قومك خير أم قوم تُبّع، يعني تُبّعا الحِمْيريّ.

"وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِهمْ": أهؤلاء المشركون من قريش خير أم قوم تبّعِ والذين من قبلهم من الأمم الكافرة بربها: فليس هؤلاء بخير من أولئك فنصفح عنهم ولا نهلكهم، وهم بالله كافرون، كما كان الذين أهلكناهم من الأمم من قبلهم كفارا.

"إنّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ": إن قوم تبّع والذين من قبلهم من الأمم الذين أهلكناهم؛ إنما أهلكناهم لإجرامهم، وكفرهم بربهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ليس في هذا جواب لقولهم: {فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين} ولم يأت بجواب ذلك؛ وإنما كان لأنهم لم يستحقّوا الجواب لهذا السؤال، لأنهم سألوا ذلك تعنُّتا وعنادا، ويحتمل أن يكون في هذا جواب قولهم وسؤالهم الآية المُخترعة.

وفي الآية دلالة على البعث أيضا في وجهين: {أهم خير أم قوم تُبّع} ومن ذكر، أي أولئك هم أشد قوة أم هؤلاء؟ وهم علموا أن أولئك أشدّ قوة وبطشا، ثم لم يتهيأ لهم الامتناع من عذاب الله إذ نزل بهم بتكذيبهم الرسل وإنكارهم البعث، فأنتم دون أولئك، فكيف يتهيأ لكم الامتناع من العذاب الذي نزل بكم؟ وهو كقوله: {أكُفّاركم خير من أولئكم} [القمر: 43]، وإذا لم يتهيأ لهم الدفع، ومن سنّته الاستئصال بالتكذيب للآيات المخترعة، وقد وعد البقاء لهذه الأمة إلى يوم القيامة وكونه رحمة للخلق؛ لذلك لم يُعطهم الآية التي سألوا، والله أعلم.

وأما الثاني، وهو أنه لما أخبر أن تعذيب أولئك الكَفرة لتكذيب الرسل وإنكار البعث فدلّ أن البعث حقٌّ حتى يستحقّ مُنكِرُه العذاب.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{أهم خير أم قوم تبع} استفهام على سبيل الإنكار..

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما أخبروا على هذه العظمة تنطعاً؛ لأنها لو وقعت لم يكن بأدل على ثبوت النبوة المستلزمة لتصديق كل ما يقول لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وما يأتيهم به من الآيات غير خائفين من الله وهم يعلمون قدرته وإهلاكه للماضين؛ لأجل تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام، وكأنهم يدعون خصوصيته في مكنة من عين أو معنى ينجون بها من مساواة من قبلهم في ذلك، فقال تعالى منكراً عليهم: {أهم خير} أي في الدين والدنيا.

{أم قوم تبع} أي الذين ملك بهم تبع... وقومه حمير ومن تبعهم أقرب المهلكين إلى قريش زماناً ومكاناً، وكان له بمكة المشرفة ما ليس لغيره من الآثار، وقال الرازي في اللوامع هو أول من كسا البيت...

ولما كان ذلك في سياق التهديد بالإهلاك لأجل مخالفتهم، وكان الإهلاك لذلك إنما كان لبعض من تقدم زمانهم لا لجميع الخلق، أدخل الجار فقال: {والذين من قبلهم} أي من مشاهير الأمر كمدين وأصحاب الأيكة والرس وثمود وعاد.

ولما كان كأنه قيل: ما لهؤلاء الأمم؟ قيل: {أهلكناهم} أي بعظمتنا وإن كانوا عظماء لا يعسرهم هؤلاء فيما لهم من المكنة لقطعهم من أمر الله به أن يوصل من الرسل وأتباعهم، وتكذيبهم بما أتوا به، ولذلك علل الإهلاك تحذيراً للعرب بقوله مؤكداً لظنهم أن هلاكهم إنما هو على عادة الدهر: {إنهم كانوا} أي جبلة وطبعاً.

{مجرمين} أي عريقين في الإجرام، فليحذر هؤلاء إذا ارتكبوا مثل أفعالهم من مثل حالهم وأن يحل بهم ما حل بهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

قبل أن يوجههم هنا إلى هذا التدبر في تصميم الكون ذاته، يلمس قلوبهم لمسة عنيفة بمصرع قوم تبع والتبابعة من ملوك حمير في الجزيرة العربية، ولا بد أن القصة التي يشير إليها كانت معروفة للسامعين، ومن ثم يشير إليها إشارة سريعة للمس قلوبهم بعنف، وتحذيرها مصيراً كهذا المصير: (أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين)..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف ناشئ عن قوله: {ولقد فتنّا قبلهم قوم فرعون} [الدخان: 17] فضمير {هم راجع إلى اسم الإشارة في قوله: {إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى} [الدخان: 34، 35] فبعد أن ضرب لهم المثل بمهلك قوم فرعون زادهم مثلاً آخر هو أقرب إلى اعتبارهم به وهو مُهلك قوم أقرب إلى بلادهم من قوم فرعون، وأولئك قوم تبّع فإن العرب يتسامعون بعظمة مُلك تُبَّع وقومه أهل اليمن وكثير من العرب شاهدوا آثار قوتهم وعظمتهم في مراحل أسفارهم وتحادثوا بما أصابهم من الهلك بسيل العرم. وافتتح الكلام بالاستفهام التقريري لاسترعاء الأسماع لمضمونه؛ لأن كل أحد يعلم أن تُبَّعاً ومن قبله من الملوك خير من هؤلاء المشركين.

والمعنى: أنهم ليسوا خيراً من قوم تبع ومن قبلهم من الأمم الذين استأصلهم الله لأجل إجرامهم فلما مَاثلوهم في الإجرام فلا مزيّة لهم تدفع عنهم استئصال الذي أهلك الله به أمماً قبلهم.

والاستفهام في {أهم خير أم قوم تبع} تقريري إذ لا يسعهم إلا أن يعترفوا بأن قوم تبّع والذين من قبلهم خير منهم لأنهم كانوا يضربون بهم الأمثال في القوة والمنعة.

وقوم تُبّع هم حمير وهم سكان اليمن وحضرَموت من حمير وسبأ وقد ذكرهم الله تعالى في سورة قَ.

وتُبّع بضم الميم وتشديد الموحدة لقب لِمَن يملك جميع بلاد اليمن حِمْيراً وسبأ وحضرموت، فلا يطلق على الملك لقب تُبّع إلا إذا ملك هذه المواطن الثلاثة...

وتعليق الإهلاك بقوم تُبّع دونه يقتضي أن تبّعاً نجا من هذا الإهلاك وأن الإهلاك سلط على قومه، قالت عائشة: ألا ترى أن الله ذمّ قومه ولم يَذمه.

وجملة {أهلكناهم} مستأنفة استئنافاً بيانياً لما أثاره الاستفهام التقريري من السؤال عن إبهامه ماذا أريد به.

وجملة {إنهم كانوا مجرمين} تعليل لمضمون جملة {أهلكناهم}، أيْ أهلكناهم عن بكرة أبيهم بسبب إجرامهم، أي شركهم.