240- والذين يتوفون منكم ويتركون زوجات لهم ، فقد أوصى الله بهن أن يقمن في بيت الزوجية عاماً كاملاً مواساة لهن وإزالة لوحشتهن . ولا يحق لأحد أن يخرجهن ، فإن خرجن بأنفسهن في أثناء العام فلا إثم عليكم - أيها الأولياء - أن تتركوهن يتصرفن في أنفسهن بما لا ينكره الشرع الشريف عليهن ، وأطيعوا الله في أحكامه واعملوا بما شرع لكم فإنه قادر على أن ينتقم ممن يخالف أمره ، وهو ذو حكمة بالغة لا يشرع لكم إلا ما فيه المصلحة وإن غابت حكمتها عن علمكم .
قوله تعالى : { والذين يتوفون منكم } . يا معشر الرجال .
قوله تعالى : { ويذرون } . أي يتركون .
قوله تعالى : { أزواجاً } . أي زوجات .
قوله تعالى : { وصية لأزواجهم } . قرأ أهل البصرة وابن عامر وحمزة وحفص وصية بالنصب على معنى " فليوصوا وصية " ، وقرا الباقون بالرفع ، أي كتب عليكم الوصية .
قوله تعالى : { متاعاً إلى الحول } . " متاعاً " نصب على المصدر أي متعوهن متاعاً ، وقيل : جعل الله ذلك لهن متاعاً ، والمتاع نفقة سنة لطعامها ، وكسوتها وسكنها وما تحتاج إليه .
قوله تعالى : { غير إخراج } . نصب على الحال ، وقيل بنزع حرف على الصفة ، أي من غير إخراج ، نزلت هذه الآية في رجل من أهل الطائف يقال له حكيم بن الحارث ، هاجر إلى المدينة وله أولاد ومعه أبواه وامرأته فمات ، فأنزل الله هذه الآية فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم والديه وأولاده من ميراثه ، ولم يؤت امرأته شيئاً ، وأمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها حولاً كاملاً ، وكانت عدة الوفاة في ابتداء الإسلام حولاً كاملا ، وكان يحرم على الوارث إخراجها من البيت قبل تمام الحول ، وكانت نفقتها وسكنها واجبة في مال زوجها تلك السنة ما لم تخرج ، ولم يكن لها الميراث ، فإن خرجت من بيت زوجها سقطت نفقتها ، وكان على الرجل أن يوصي بها فكان كذلك حتى نزلت آية الميراث ، فنسخ الله تعالى نفقة الحول بالربع والثمن ، ونسخ عدة الحول بأربعة أشهر وعشر .
قوله تعالى : { فإن خرجن } . يعني من قبل أنفسهن قبل الحول من غير إخراج الورثة .
قوله تعالى : { فلا جناح عليكم } . يا أولياء الميت .
قوله تعالى : { في ما فعلن في أنفسهن من معروف } . يعني التزين للنكاح ، وارفع الجناح عن الرجال وجهان : أحدهما : لا جناح عليكم في قطع النفقة إذا خرجن قبل انقضاء الحول . والآخر : لا جناح عليكم في ترك منعهن من الخروج لأن مقامها في بيت زوجها حولا غير واجب عليها ، خيرها الله تعالى بين أن تقيم حولاً ولها النفقة والسكنى ، وبين أن تخرج فلا نفقة ولا سكنى إلى أن نسخه بأربعة أشهر وعشر .
ثم قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
أي : الأزواج الذين يموتون ويتركون خلفهم أزواجا فعليهم أن يوصوا { وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } أي : يوصون أن يلزمن بيوتهم مدة سنة لا يخرجن منها { فإن خرجن } من أنفسهن { فلا جناح عليكم } أيها الأولياء { فيما فعلن في أنفسهم من معروف والله عزيز حكيم } أي : من مراجعة الزينة والطيب ونحو ذلك وأكثر المفسرين أن هذه الآية منسوخة بما قبلها وهي قوله : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } وقيل لم تنسخها بل الآية الأولى دلت على أن أربعة أشهر وعشر واجبة ، وما زاد على ذلك فهي مستحبة ينبغي فعلها تكميلا لحق الزوج ، ومراعاة للزوجة ، والدليل على أن ذلك مستحب أنه هنا نفى الجناح عن الأولياء إن خرجن قبل تكميل الحول ، فلو كان لزوم المسكن واجبا لم ينف الحرج عنهم .
موقع هذه الآية هنا بعد قوله : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن } [ البقرة : 243 ] إلى آخرها في غاية الإشكال فإن حكمها يخالف في الظاهر حكم نظيرتها التي تقدمت ، وعلى قول الجمهور هاته الآية سابقة في النزول على آية { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن } يزداد موقعها غرابة إذ هي سابقة في النزول متأخرة في الوضع .
والجمهور على أن هذه الآية شرعت حكم تربص المتوفى عنها حولاً في بيت زوجها وذلك في أول الإسلام ، ثم نسخ ذلك بعدة الوفاة وبالميراث ، روي هذا عن ابن عباس ، وقتادة والربيع وجابر بن زيد . وفي البخاري في كتاب التفسير عن عبد الله بن الزبير قال : « قلت لعثمان هذه الآية ، { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم } قد نسختها الآية الآخرى فلم تكتبها ، قال : لا أغير شيئاً منه عن مكانه بابن أخي » فاقتضى أن هذا هو موضع هذه الآية ، وأن الآية التي قبلها ناسخة لها ، وعليه فيكون وضعها هنا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم لقول عثمان « لا أغير شيئاً منه عن مكانه » ويحتمل أن ابن الزبير أراد بالآية الأخرى آية سورة النساء في الميراث .
وفي البخاري قال مجاهد « شرع الله العدة أربعة أشهر وعشراً تعتد عند أهل زوجها واجباً ، ثم نزلت { وصية لأزواجهم } فجعل الله لها تمام السنة وصية ، إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت ، ولم يكن لها يومئذ ميراث معين ، فكان ذلك حقها في تركة زوجها ، ثم نسخ ذلك بالميراث » فلا تعرض في هذه الآية للعدة ولكنها في بيان حكم آخر وهو إيجاب الوصية لها بالسكنى حولاً : إن شاءت أن تحتبس عن التزوج حولاً مراعاة لما كانوا عليه ، ويكون الحول تكميلاً لمدة السكنى لا للعدة ، وهذا الذي قاله مجاهد أصرح ما في هذا الباب ، وهو المقبول .
واعلموا أن العرب في الجاهلية كان من عادتهم المتبعة أن المرأة إذا توفي عنها زوجها تمكث في شر بيت لها حولاً ، محدة لابسة شر ثيابها متجنبة الزينة والطيب ، كما تقدم في حاشية تفسير قوله تعالى : { فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف } [ البقرة : 234 ] عن « الموطأ » ، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك الغلو في سوء الحالة ، وشرع عدة الوفاة والإحداد ، فلما ثقل ذلك على الناس ، في مبدأ أمر تغيير العادة ، أمر الأزواج بالوصية لأزواجهم بسكنى الحول بمنزل الزوج والإنفاق عليها من ماله ، إن شاءت السكنى بمنزل الزوج ، فإن خرجت وأبت السكنى هنالك لم ينفق عليها ، فصار الخيار للمرأة في ذلك بعد أن كان حقاً عليها لا تستطيع تركه ، ثم نسخ الإنفاق والوصية بالميراث ، فاللَّه لما أراد نسخ عدة الجاهلية ، وراعى لطفه بالناس في قطعهم عن معتادهم ، أقر الاعتداد بالحول ، وأقر ما معه من المكث في البيت مدة العدة ، لكنه أوقفه على وصية الزوج عند وفاته لزوجه بالسكنى ، وعلى قبول الزوجة ذلك ، فإن لم يوص لها أو لم تقبل ، فليس عليها السكنى ، ولها الخروج ، وتعتد حيث شاءت ، ونسخ { وصية } السكنى حولاً بالمواريث ، وبقي لها السكنى في محل زوجها مدة العدة مشروعاً بحديث الفُريعة .
وقوله : { وصية لأزواجهم } قرأه نافع وابن كثير والكسائي وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر ويعقوب وخلف : برفع ( وصية ) على الابتداء ، محولاً عن المفعول المطلق ، وأصله وصية بالنصب بدلا من فعله ، فحول إلى الرفع لقصد الدوام كقولهم : حمد وشكر ، و { صبر جميل } [ يوسف : 18 ] كما تقدم في تفسير { الحمد لله } [ الفاتحة : 18 ] وقوله : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } [ البقرة : 229 ] ولما كان المصدر في المفعول المطلق ، في مثل هذا ، دالاً على النوعية ، جاز عند وقوعه مبتدأ أن يبقى منكراً ، إذ ليس المقصود فردا غير معين حتى ينافي الابتداء ، بل المقصود النوع ، وعليه فقوله : { لأزواجهم } خبر ، وقرأه أبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، وحفص عن عاصم : { وصيّةً } بالنصب فيكون قوله : { لأزواجهم } متعلقاً به على أصل المفعول المطلق الآتي بدلاً من فعله لإفادة الأمر .
وظاهر الآية أن الوصية وصية المتوفين ، فتكون من الوصية التي أمر بها من تحضره الوفاة مثل الوصية التي في قوله تعالى : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين } [ البقرة : 180 ] فعلى هذا الاعتبار إذا لم يوص المتوفَّى لزوجه بالسكنى فلا سكنى لها وقد تقدم أن الزوجة مع الوصية مخيرة بين أن تقبل الوصية ، وبين أن تخرج . وقال ابن عطية : قالت فرقة منهم ابن عباس والضحاك وعطاء والربيع : أن قوله { وصية لأزواجهم } هي وصية من الله تعالى للأزواج بلزوم البيوت حولاً ، وعلى هذا القول فهو كقوله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم } [ النساء : 11 ] وقوله : { وصية من الله } [ النساء : 12 ] فذلك لا يتوقف على إيصاء المتوفين ولا على قبول الزوجات ، بل هو حكم من الله يجب تنفيذه ، وعليه يتعين أن يكون { لأزواجهم } متعلقاً بوصية ، وتعلقه به هو الذي سوغ الابتداء به ، والخبر محذوف دل عليه المقام لعدم تأتي ما قرر في الوجه الأول .
وقوله : { متاعاً إلى الحول } : تقدم معنى المتاع في قوله : { متاعاً بالمعروف حقا على المحسنين } [ البقرة : 236 ] والمتاع هنا هو السكنى ، وهو منصوب على حذف فعله أي ليمتعوهن متاعاً ، وانتصب متاعاً على نزع الخافض ، فهو متعلق بوصية والتقدير وصية لأزواجهم بمتاع . و ( إلى ) مؤذنة بشيء جعلت غايته الحول ، وتقديره متاعاً بسكنى إلى الحول ، كما دل عليه قوله : { غير إخراج } .
والتعريف في الحول تعريف العهد ، وهو الحول المعروف عند العرب من عهد الجاهلية الذي تعتد به المرأة المتوفى عنها ، فهو كتعريفه في قول لبيد{[188]} :
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما *** ومن يَبْكِ حولاً كاملاً فقد اعتذر
وقوله : { غير إخراج } حال من { متاعاً } مؤكدة ، أو بدل من { متاعاً } بدلاً مطابقاً ، والعرب تؤكد الشيء بنفي ضده ، ومنه قول أبي العباس الأعمى يمدح بني أمية :
خباءٌ على المنابر فُرسا *** نٌ عليها وقالَةٌ غيرُ خُرْس
وقوله : { فإن خرجن فلا جناح عليكم } هو على قول فرقة معناه : فإن أبين قبول الوصية فخرجن ، فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من الخروج وغيره من المعروف عدا الخطبة والتزوج ، والتزين في العدة ، فذلك ليس من المعروف . وعلى قول الفرقة الأخرى التي جعلت الوصية من الله ، يجب أن يكون قوله : { فإن خرجن } عطفاً على مقدر للإيجاز ، مثل : { أن اضرب بعصاك البحر فانفلق } [ الشعراء : 63 ] أي فإن تم الحول فخرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن أي من تزوج وغيره من المعروف عدا المنكر كالزنا وغيره ، والحاصل أن المعروف يفسر بغير ما حرم عليها في الحالة التي وقع فيها الخروج وكل ذلك فعل في نفسها .
قال ابن عرفة في « تفسيره » « وتنكير معروف هنا وتعريفه في الآية المتقدمة ، لأن هذه الآية نزلت قبل الأخرى ، فصار هنالك معهوداً » . وأحسب هذا غير مستقيم ، وأن التعريف تعريف الجنس ، وهو والنكرة سواء ، وقد تقدم الكلام عن القراءة المنسوبة إلى علي بفتح ياء { يتوفون } وما فيها من نكتة عربية عند قوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن } [ البقرة : 234 ] الآية .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
" والذين يتوفون منكم"، أيها الرجال، "ويذرون أزواجا": يعني زوجات كن له نساء في حياته، بنكاح لا ملك يمين. ثم صرف الخبر عن ذكر من ابتدأ الخبر بذكره إلى الخبر عن ذكر أزواجهم.
"وصية لأزواجهم"؛ فاختلفت القرأة في قراءة ذلك: فقرأ بعضهم:"وصية لأزواجهم"، بنصب "وصية"، بمعنى: فليوصوا وصية لأزواجهم، أو: عليهم أن يوصوا وصية لأزواجهم.
و قرأ آخرون: "وَصِيِّةٌ لأزْوَاجِهِمْ" برفع "وصية". ثم اختلف أهل العربية في وجه رفع "وصية". فقال بعضهم: رفعت بمعنى: كتبت عليهم الوصية. واعتل في ذلك بأنها كذلك في قراءة عبد الله. فتأويل الكلام على ما قاله هذا القائل: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا، كتبت عليهم وصية لأزواجهم- ثم ترك ذكر "كتبت"، ورفعت "وصية" بذلك المعنى، وإن كان متروكا ذكره.
وقال آخرون منهم: بل "وصية" مرفوعة بقوله: "لأزواجهم"؛ فتأول: لأزواجهم وصية.
والقول الأول أولى بالصواب في ذلك، وهو أن تكون "وصية" إذا رفعت مرفوعة بمعنى: كتبت عليكم وصية لأزواجكم، لأن العرب تضمر النكرات مرافعها قبلها إذا أضمرت، فإذا أظهرت بدأت به قبلها.
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأه رفعا، لدلالة ظاهر القرآن على أن مقام المتوفى عنها زوجها في بيت زوجها المتوفى حولا كاملا كان حقا لها قبل نزول قوله: "وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا"، وقبل نزول آية الميراث، ولتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي دل عليه الظاهر من ذلك، أوصى لهن أزواجهن بذلك قبل وفاتهن، أو لم يوصوا لهن به.
فإن قال قائل: وما الدلالة على ذلك؟ قيل: لما قال الله تعالى ذكره: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم"، وكان الموصي لا شك، إنما يوصي في حياته بما يأمر بإنفاذه بعد وفاته، وكان محالا أن يوصي بعد وفاته، كان تعالى ذكره إنما جعل لامرأة الميت سكن الحول بعد وفاته، علمنا أنه حق لها وجب في ماله بغير وصية منه لها، إذ كان الميت مستحيلا أن يكون منه وصية بعد وفاته.
ولو كان معنى الكلام على ما تأوله من قال: فليوص وصية، لكان التنزيل: والذين تحضرهم الوفاة ويذرون أزواجا، وصية لأزواجهم، كما قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة}.
وبعدُ، فلو كان ذلك واجبًا لهن بوصية من أزواجهن المتوفّين، لم يكن ذلك حقًّا لهن إذا لم يوص أزواجهن لهن قبل وفاتهم، ولكان قد كان لورثتهم إخراجهن قبل الحول، وقد قال الله تعالى ذكره: "غير إخراج". ولكن الأمر في ذلك بخلاف ما ظنه في تأويله قارئُه: "وصيةً لأزواجهم"، بمعنى: أن الله تعالى كان أمر أزواجهن بالوصية لهنّ. وإنما تأويل ذلك: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا، كتب الله لأزواجهم عليكم وصية منه لهن أيها المؤمنون- أن لا تخرجوهن من منازل أزواجهن حولا كما قال تعالى ذكره في سورة النساء "غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ"، ثم ترك ذكر:"كتب".
حدثنا همام بن يحيى قال: سألت قتادة عن قوله: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج"، فقال: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا في مال زوجها، ما لم تخرج. ثم نسخ ذلك بعد في" سورة النساء"، فجعل لها فريضة معلومة: الثمن إن كان له ولد، والربع إن لم يكن له ولد، وعدتها أربعة أشهر وعشرا، فقال تعالى ذكره: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الحول.
وقال آخرون: هذه الآية ثابتة الحكم، لم ينسخ منها شيء... عن مجاهد في قول الله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قال: كانت هذه للمعتدة، تعتد عند أهل زوجها، واجبا ذلك عليها، فأنزل الله: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج"، إلى قوله: مِنْ مَعْرُوفٍ. قال: جعل الله لهم تمام السنة، سبعة أشهر وعشرين ليلة، وصية: إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، وهو قول الله تعالى ذكره: "غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ"، قال: والعدة كما هي واجبة.
وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره كان جعل لأزواج من مات من الرجال بعد موتهم، سكنى حول في منزله، ونفقتها في مال زوجها الميت إلى انقضاء السنة، ووجب على ورثة الميت أن لا يخرجوهن قبل تمام الحول من المسكن الذي يسكنه، وإن هن تركن حقهن من ذلك وخرجن، لم تكن ورثة الميت من خروجهن في حرج. ثم إن الله تعالى ذكره نسخ النفقة بآية الميراث، وأبطل مما كان جعل لهن من سكنى حول سبعة أشهر وعشرين ليلة، وردهن إلى أربعة أشهر وعشر، على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما قوله: "متاعا"، فإن معناه: جعل ذلك لهن متاعا، أي الوصية التي كتبها الله لهن.
"غَيْرَ إِخْرَاجٍ": معناه أن الله تعالى ذكره جعل ما جعل لهن من الوصية متاعا منه لهن إلى الحول، لا إخراجا من مسكن زوجها يعني: لا إخراج فيه منه حتى ينقضي الحول.
"فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ":
إن المتاع الذي جعله الله لهن إلى الحول في مال أزواجهن بعد وفاتهم وفي مساكنهم، ونهى ورثته عن إخراجهن، إنما هو لهن ما أقمن في مساكن أزواجهن، وأن حقوقهن من ذلك تبطل بخروجهن إن خرجن من منازل أزواجهن قبل الحول من قبل أنفسهن، بغير إخراج من ورثة الميت.
ثم أخبر تعالى ذكره أنه لا حرج على أولياء الميت في خروجهن وتركهن الحداد على أزواجهن. لأن المقام حولا في بيوت أزواجهن والحداد عليه تمام حول كامل، لم يكن فرضا عليهن، وإنما كان ذلك إباحة من الله تعالى ذكره لهن إن أقمن تمام الحول محدات. فأما إن خرجن فلا جناح على أولياء الميت ولا عليهن فيما فعلن في أنفسهن من معروف، وذلك ترك الحداد. يقول: فلا حرج عليكم في التزين إن تزينّ وتطيبن وتزوجن، لأن ذلك لهن.
وإنما قلنا: لا حرج عليهنّ في خروجهن، وإن كان إنما قال تعالى ذكره:"فلا جناح عليكم"، لأن ذلك لو كان عليهن فيه جناح، لكان على أولياء الرجل فيه جناح بتركهم إياهن والخروج، مع قدرتهم على منعهنّ من ذلك. ولكن لما لم يكن عليهن جناح في خروجهن وترك الحداد، وضع عن أولياء الميت وغيرهم الحرج فيما فعلن من معروف، وذلك في أنفسهن.
"وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ":والله عزيز في انتقامه ممن خالف أمره ونهيه وتعدى حدوده من الرجال والنساء، فمنع من كان من الرجال نساءهم وأزواجهم ما فرض لهن عليهم في الآيات التي مضت قبل: من المتعة والصداق والوصية، وإخراجهن قبل انقضاء الحول، وترك المحافظة على الصلوات وأوقاتها، ومنع من كان من النساء ما ألزمهن الله من التربص عند وفاة أزواجهن عن الأزواج، وخالف أمره في المحافظة على أوقات الصلوات. "حكيم"، فيما قضى بين عباده من قضاياه التي قد تقدمت في الآيات قبل قوله: "وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، وفي غير ذلك من أحكامه وأقضيته.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّونَ مِنكُم} الآية؛ أما الوصية فقد كانت بدل الميراث، ثم نسخت بآية المواريث، وأما الحَوْل فقد كانت عِدّة المتوفى عنها زوجها، ونسخت بأربعة أشهر وعشر...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ من معروف} منع من له الولاية عليهنّ من إخراجهنّ، فإن خرجن مختارات للخروج ارتفع الحرج عن الناظر في أمرهنّ، إذ خروجهنّ مختارات جائز لهنّ، وموضح انقطاع تعلقهنّ بحال الميت، فليس له منعهنّ مما يفعلن في أنفسهنّ من: تزويج، وترك إحداد... وخروج، وتعرض للخطاب، إذا كان ذلك بالمعروف شرعاً...
{والله عزيز حكيم} ختم الآية بهاتين الصفتين، فقوله: {عزيز}، إظهار للغلبة والقهر لمن منع من إنفاذ الوصية بالتمتيع المذكور، أو أخرجهن وهنّ لا يخترن الخروج، ومشعر بالوعيد على ذلك. وقوله: {حكيم}، إظهار أن ما شرع من ذلك فهو جارٍ على الحكمة والإتقان، ووضع الأشياء مواضعها...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان ذكر أحكام عشرة النساء على هذا الوجه مظنة سؤال سائل كما تقدم يقول: قد استغرق الاشتغال بهن الزمان وأضر بالفراغ للعبادة وكان هذا السؤال إيماء إلى الاستئذان في الرهبانية... وكان الإعراض عن جواب السائل بالأمر بالمحافظة على الصلاة ربما أشعر بالإقرار على مضمون السؤال و الإذن في الترهّب بقرينة الإعراض عن السؤال وربما كان مشيراً إلى النهي عن الترهب بقرينة السكوت على ما تقدم من الأمر بعشرتهن من غير نهي عنه عقب الأمر بذلك ببعض آيات النساء تأكيداً لما أفهمته تلك الإشارة أي اتركوا الترهب وكونوا رجالاً في الاقتداء بنبيكم صلى الله عليه وسلم في القيام بحقوق الله وحقوق نفسه وغيره من سائر العباد وجعل ما تعقب آية الصلاة من تعلق النكاح آيتين فقط أولاهما في حكم من أحكام الموت وهي منسوخة كما قال الأكثر ليست من دعائم أحكام هذا الباب إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون الإقبال على العبادة أكثر وأن يكون الاشتغال بأمر النساء والأولاد إنما هو على وجه التزود للموت وما بعده فقال تعالى:
{والذين} وقال الحرالي: لما ذكر سبحانه وتعالى أحكام الأزواج في الطلاق والوفاة وحكم الفرض والمتعة في المطلقات قبل الدخول ختم هذه الأحكام المؤكدة بالفرض والأمر بما هو من نحوها فنظم بالمتعة من النفقة والكسوة والإخدام وما في معناه المتعة بالسكنى للمتوفى عنها زوجها إلى حد ما كانت العدة في الجاهلية ليكون للخير والمعروف بقاء في الإسلام بوجه ما أيما عقد وعهد كان في الجاهلية فلن يزيده الإسلام إلا شدة...
فقال تعالى: {يتوفون منكم} أي يقاربون أن يستوفي أرواحهم من أعارها أبدانهم فيخلصها منها كاملة لا يغادر منها شيئاً ولا يأخذ شيئاً من الجسم معها مع ما بينهما من كمال الامتزاج الذي لا يقدر معه على تمييز أحدهما عن الآخر إلا هو سبحانه وتعالى
{ويذرون أزواجاً} بعد موتهم، فليوصوا {وصية} ومن رفع فالتقدير عندهم: فعليهم وصية، ويجوز أن تحمل الوفاة على حقيقتها ويكون التقدير: وصية من الله لأزواجهم، أو يوصيكم الله وصية {لأزواجهم} بالسكنى في بيوتهم {متاعاً} لهن {إلى} رأس {الحول} من حين الوفاة. قال الحرالي: وهو غاية العمر وجامع لجملة الفصول التي بوفائها تظهر أحوال الصبر عن الشيء والحرص عليه وإنما الحول الثاني استدراك...
{غير إخراج} أي غير مصاحب ذلك المتاع بنوع إخراج أو غير ذوي إخراج. قال الحرالي: لتكون الأربعة الأشهر والعشر فرضاً وباقي الحول متاعاً لتلحق أنواع المتعة بأنواع اللازم في الزوجية من نفقة وكسوة وإخدام وسكنى.
ولما كان هذا المتاع الزائد إنما هو تقرير للزوجة في حال ما كانت عليه مع زوجها إشعاراً ببقاء العصمة وإلاحة من الله تعالى بحسن صبر المرأة المتوفى عنها زوجها على زوجها، لا تتزوج عليه غيره حتى تلقاه فتكون معه على النكاح السابق ليكون للأمة في أزواجهم لمحة حظ من تحريم أزواج نبيهم بعده اللاتي يقمن بعده إلى أن يلقينه أزواجاً بحالهن، فيكون ذلك لمن يستشرف من خواص أمته إلى اتباعه في أحكامه وأحكام أزواجه لأن الرجال مما يستحسنون ذلك لأزواجهم، فمن أشد ما يلحق الرجل بعد وفاته تزوج زوجه من بعده لأنها بذلك كأنها هي المطلقة له، ولذلك ورد أن المرأة إنما تكون لآخر زوج. لأنها تركت الزوج ولم يتركها هو...
روى البخاري في التفسير عن مجاهد {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً} [البقرة: 234] قال: كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله عزّ وجلّ: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج} [البقرة: 240] قال: جعل الله سبحانه وتعالى لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت وهو قول الله سبحانه وتعالى: {غير إخراج} فالعدة كما هي واجب عليها. ولما كان هذا المتاع الواجب من جهة الزوج جائزاً من جهة المرأة نبه عليه بقوله {فإن خرجن} أي من أنفسهن من غير مزعج ولا مخرج {فلا جناح عليكم} يا أهل الدين الذين يجب عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {فيما فعلن في أنفسهن} من النكاح ومقدماته.
ولما كانت لهن في الجاهلية أحوال منكرة في الشرع قيده بقوله: {من معروف} أي عندكم يا أهل الإسلام. ولما كان في هذا حكمان حكم من جهة الرجال فضل وآخر من جهة النساء عفو فكان التقدير: فالله غفور حليم، عطف عليه قوله: {والله} أي الذي لا كفوء له {عزيز حكيم *} وفي ضمنه كما قال الحرالي تهديد شديد للأولياء إن لم ينفذوا ويمضوا هذه الوصية بما ألزم الله، ففي إلاحته أن من أضاع ذلك ناله من عزة الله عقوبات في ذات نفسه وزوجه ومخلفيه من بعده ويجري مأخذ ما تقتضيه العزة على وزن الحكمة جزاء وفاقاً وحكماً قصاصاً، وهذه الآية مما ذكر فيها بعض الناس النسخ...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
هذه الآيات تتمة ما في السورة من أحكام الأزواج، وقد جاء الأمر بالمحافظة على الصلوات في أثناء هذه الأحكام ـ والصلاة عماد الدين ـ للعناية بها فمن حافظ على الصلوات كان جديرا بالوقوف عند حدود الله تعالى والعمل بشريعته ولذلك قال: {استعينوا بالصبر والصلاة} (البقرة: 153)...
وقد خطر لي وجه آخر هو الذي يطرد في أسلوب القرآن الخاص في مزج مقاصد القرآن بعضها ببعض من عقائد وحكم ومواعظ وأحكام تعبدية ومدنية وغيرها، وهو نفي السآمة على القارئ والسامع من طول النوع الواحد منها، وتجديد نشاطها واعتبارهما في الصلاة وغيرهما.
قال الأستاذ الإمام: الأحسن ما قاله بعضهم من أن متاعا مصدر بمعنى تمتيعا أو معمول للمصدر الذي هو وصية معنى {غير إخراج} غير مخرجات وهو حال من الأزواج والنكتة في العدول عنه هي أن المراد أن يوصي الرجل بعدم إخراج زوجه وأن ينفذ أولياؤه وصيته فلا يخرجونهن من بيوتهن، ولو قال:"غير مخرجات" لكان تحتيما عليهن بالبقاء في البيوت ولأفاد عدم جواز إخراجهن لأحد ولو كان وليا كأبيها، وليس هذا المراد، فعبارة الآية تفيد المعنى المراد ولا توهم سواه...
وأقول وعليه يكون الإصلاح لتلك العادات الجاهلية في الاعتداد لوفاة الزوج وما يتبعه من الحداد عليه قد حصل بالتدريج فأقرت مدة العدة أولا ولكن منع أن تكون بتلك الحالة الرديئة التي تقدم ذكرها ثم نسخت بما تقدم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
{فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف}.. وكلمة {عليكم} توحي بمعنى الجماعة المتضامنة المسؤولة عن كل ما يقع فيها. فالجماعة هي التي يناط بها أمر هذه العقيدة وأمر هذه الشريعة وأمر كل فرد وكل فعل في محيطها. وهي التي يكون عليها جناح فيما يفعل أفرادها أو لا يكون.. ولهذا الإيحاء قيمته في إدراك حقيقة الجماعة المسلمة وتبعاتها، وفي ضرورة قيام هذه الجماعة لتقوم على شريعة الله وتحرسها من خروج أي فرد عليها. فهي المسؤولة في النهاية عن الأفراد في الصغيرة والكبيرة. والخطاب يوجه إليها بهذه الصفة لتقرير هذه الحقيقة في حسها وفي حس كل فرد فيها..
والتعقيب: {والله عزيز حكيم}...
. للفت القلوب إلى قوة الله. وحكمته فيما يفرض وما يوجه. وفيه معنى التهديد والتحذير...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
موقع هذه الآية هنا بعد قوله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن} [البقرة: 243] إلى آخرها في غاية الإشكال فإن حكمها يخالف في الظاهر حكم نظيرتها التي تقدمت، وعلى قول الجمهور هاته الآية سابقة في النزول على آية {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن} يزداد موقعها غرابة إذ هي سابقة في النزول متأخرة في الوضع. والجمهور على أن هذه الآية شرعت حكم تربص المتوفى عنها حولاً في بيت زوجها وذلك في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك بعدة الوفاة وبالميراث، روي هذا عن ابن عباس، وقتادة والربيع وجابر بن زيد. وفي البخاري في كتاب التفسير عن عبد الله بن الزبير قال: « قلت لعثمان هذه الآية، {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم} قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها، قال: لا أغير شيئاً منه عن مكانه بابن أخي» فاقتضى أن هذا هو موضع هذه الآية، وأن الآية التي قبلها ناسخة لها، وعليه فيكون وضعها هنا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم لقول عثمان « لا أغير شيئاً منه عن مكانه» ويحتمل أن ابن الزبير أراد بالآية الأخرى آية سورة النساء في الميراث...
وفي البخاري قال مجاهد « شرع الله العدة أربعة أشهر وعشراً تعتد عند أهل زوجها واجباً، ثم نزلت {وصية لأزواجهم} فجعل الله لها تمام السنة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت، ولم يكن لها يومئذ ميراث معين، فكان ذلك حقها في تركة زوجها، ثم نسخ ذلك بالميراث» فلا تعرض في هذه الآية للعدة ولكنها في بيان حكم آخر وهو إيجاب الوصية لها بالسكنى حولاً: إن شاءت أن تحتبس عن التزوج حولاً مراعاة لما كانوا عليه، ويكون الحول تكميلاً لمدة السكنى لا للعدة، وهذا الذي قاله مجاهد أصرح ما في هذا الباب، وهو المقبول...
فاللَّه لما أراد نسخ عدة الجاهلية، وراعى لطفه بالناس في قطعهم عن معتادهم، أقر الاعتداد بالحول، وأقر ما معه من المكث في البيت مدة العدة، لكنه أوقفه على وصية الزوج عند وفاته لزوجه بالسكنى، وعلى قبول الزوجة ذلك، فإن لم يوص لها أو لم تقبل، فليس عليها السكنى، ولها الخروج، وتعتد حيث شاءت، ونسخ
{وصية} السكنى حولاً بالمواريث، وبقي لها السكنى في محل زوجها مدة العدة مشروعاً بحديث الفُريعة...
والتعريف في الحول تعريف العهد، وهو الحول المعروف عند العرب من عهد الجاهلية الذي تعتد به المرأة المتوفى عنها...
وقوله: {غير إخراج} حال من {متاعاً} مؤكدة، أو بدل من {متاعاً} بدلاً مطابقاً، والعرب تؤكد الشيء بنفي ضده...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
{و الله عزيز حكيم} ذيل الله سبحانه وتعالى هذه الآية الكريمة بهذا للإشارة إلى ثلاثة أمور:
أولها: أن هذه الأمور التي شرعها الله في الأسرة إنما هي بحكمته، وفيها صلاح المجتمع، وإذا كان يسوغ أن تجبر المرأة على الخروج من منزل الزوجية بمجرد وفاة الزوج، فإن ذلك قد يؤدي إلى فساد كبير، وتهزيع للأخلاق، ولقد أعطاها الله سبحانه وتعالى ذلك الحق ردءا لهذا الفساد ومنعا له.
و ثانيها: إن الله سبحانه وتعالى غالب على كل شيء، وله سبحانه وتعالى العزة في السماوات وفي الأرض، وأن الورثة إن استضعفوا شأن المرأة فمنعوها حقها فالله فوقهم قاهر غالب، وهو مجازيهم بعملهم، وهو ناصر الضعيف.
و ثالثها: إشعار النفوس بتذكر الله رب العالمين عندما ينظمون علاقاتهم بعضهم مع بعض، وخصوصا في شؤون الأسرة...