إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (240)

{ والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أزواجا } عَودٌ إلى بيانِ بقيةِ الأحكامِ المفصَّلة فيما سلف إثرَ بيانِ أحكامٍ توسطتْ بينهما لما أشير إليه من الحكمة الداعيةِ إلى ذلك { وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِم } أي يوصون أو لِيُوصوا أو كتب الله عليهم وصيةً ، ويؤيد هذا قراءةُ مَنْ قرأ كتب عليكم الوصية لأزواجكم وقرئ بالرفع على تقدير مضاف في المبتدأ أو الخبر أي حُكمُ الذين يُتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصيةٌ لأزواجهم ، أو والذين يُتوفون أهل وصية لأزواجهم أو كُتِب عليهم وصيةٌ أو عليهم وصيةٌ وقرئ متاع لأزْوَاجِهِم بدل وصية { متاعا إِلَى الحول } منصوبٌ بيوصون إن أضمَرْته وإلا فبالوصية أو بمتاع على القراءة الأخيرة { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } بدل منه أو مصدر مؤكد كما في قولك : هذا القولُ غيرُ ما تقول أو حال من أزواجهم أي غيرَ مُخرَجاتٍ والمعنى يجب على الذين يُتوفَّوْن أن يوصوا قبل الاحتضار لأزواجهم بأن يُمتّعْنَ بعدهم حولاً بالنفقة والسكنى وكان ذلك أولَ الإسلام ثم نُسخت المدة بقوله تعالى : { أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } [ البقرة ، الآية : 234 ] فإنه وإن كان متقدماً في التلاوة فهو متأخرٌ في النزول وسقطت النفقة بتوريثها الربعَ أو الثمنَ وكذلك السكنى عندنا ، وعند الشافعيّ هي باقية ، { فَإِنْ خَرَجْنَ } عن منزل الأزواج باختيارهن { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أيها الأئمة { فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَعْرُوفٍ } لا ينكِرُه الشرْعُ كالتزيُّن والتطيُّب وتركِ الحِدادِ والتعرّضِ للخُطّاب ، وفيه دلالةٌ على أن المحظورَ إخراجُها عند إرادة القرارِ وملازمةِ مسكنِ الزوجِ والحداد من غير أن يجب عليها ذلك وأنها كانت مخيّرة بين الملازمة مع أخذ النفقةِ وبين الخروج مع تركها { والله عَزِيزٌ } غالبٌ على أمره يعاقِبُ من خالفه { حَكِيمٌ } يراعي في أحكامه مصالحَ عباده .