فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (240)

هذا عَود إلى بقية الأحكام المفصلة فيما سلف ، وقد اختلف السلف ، ومن تبعهم من المفسرين في هذه الآية هل هي محكمة ، أو منسوخة ؟ فذهب الجمهور إلى أنها منسوخة بالأربعة الأشهر والعشر كما تقدم ، وأن الوصية المذكورة فيها منسوخة بما فرض الله لهنّ من الميراث . وحكى ابن جرير ، عن مجاهد أن هذه الآية محكمة لا نسخ فيها ، وأن العدة أربعة أشهر وعشر ، ثم جعل الله لهنّ وصية منه سكنى سبعة أشهر وعشرين ليلة ، فإذا شاءت المرأة سكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت . وقد حكى ابن عطية ، والقاضي عياض أن الإجماع منعقد على أن الحول منسوخ ، وأن عدتها أربعة أشهر وعشر . وقد أخرج عن مجاهد ، ما أخرجه ابن جرير عنه البخاري في صحيحه . وقوله : { وَصِيَّةٍ } قرأنا نافع ، وابن كثير ، وعاصم في رواية أبي بكر ، والكسائي بالرفع على أن ذلك مبتدأ لخبر محذوف يقدر مقدماً . أي : عليهم وصية ، وقيل : إن الخبر قوله : { لأزْوَاجِهِم } وقيل : إنه خبر مبتدأ محذوف . أي : وصية الذين يتوفون وصية ، أو حكم الذين يتوفون وصية . وقرأ أبو أبو بكر ، وحمزة ، وابن عامر بالنصب على تقدير فعل محذوف . أي : فليوصوا وصية ، أو أوصى الله وصية ، أو كتب الله عليهم وصية . وقوله : { متاعا } منصوب بوصية ، أو بفعل محذوف . أي : متعوهن متاعاً ، أو جعل الله لهنّ ذلك متاعاً ، ويجوز أن يكون منتصباً على الحال . والمتاع هنا : نفقة السنة . وقوله : { غَيْرَ إِخْرَاجٍ } صفة لقوله : { متاعا } وقال الأخفش : إنه مصدر كأنه قال لا إخراجاً ، وقيل : إنه حال ، أي : متعوهن غير مخرجات ، وقيل : منصوب بنزع الخافض ، أي : من غير إخراج ، والمعنى : أنه يجب على الذين يتوفون أن يوصوا قبل نزول الموت بهم لأزواجهم أن يمتعن بعدهم حولاً كاملاً بالنفقة ، والسكنى من تركتهم ، ولا يُخْرَجْن من مساكنهنّ . وقوله : { فَإِنْ خَرَجْنَ } يعني : باختيارهنّ قبل الحول { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أي : لا حرج على الوليّ ، والحاكم ، وغيرهما { فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ } من التعرّض للخطاب ، والتزين لهم . وقوله : { مِن معْرُوفٍ } أي : بما هو معروف في الشرع غير منكر .

وفيه دليل على أن النساء كنّ مخيرات في سكنى الحول ، وليس ذلك بحتم عليهنّ ؛ وقيل : المعنى : لا جناح عليكم في قطع النفقة عنهنّ ، وهو ضعيف ؛ لأن متعلق الجناح هو مذكور في الآية بقوله : { فِيمَا فَعَلْنَ }

/خ241