السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (240)

{ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم } قرأ نافع وابن كثير وشعبة والكسائي وصية بالرفع أي : فعليهم وصية ، والباقون بالنصب أي : فليوصوا وصية ، وقوله تعالى : { متاعاً } نصب على المصدر أي : متعوهنّ متاعاً أي : يتمتعن به من النفقة والكسوة { إلى } تمام { الحول } من موتهم الواجب عليهنّ تربصه ، وقوله تعالى : { غير إخراج } نصب على الحال أي غير مخرجات من مسكنهنّ . نزلت هذه الآية في رجل من أهل الطائف ، يقال له الحكم بن الحارث ، هاجر إلى المدينة وله أولاد ومعه أبواه وامرأته ، فمات فأنزل الله هذه الآية ، ( فأعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم والديه وأولاده من ميراثه ولم يعط امرأته شيئاً وأمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها حولاً ) ، وكانت عدّة الوفاة في ابتداء الإسلام حولاً ، وكان يحرم على الوارث إخراجها من البيت قبل تمام الحول ، وكان نفقتها وسكناها واجبة في مال زوجها تلك السنة ، ما لم تخرج ولم يكن لها الميراث ، فإن خرجت من بيت زوجها سقطت نفقتها ، وكان على الرجل أن يوصي بها ، فكان كذلك حتى نزلت آية الميراث ففسخ الله تعالى نفقة الحول بالربع والثمن ، ونسخ عدّة الحول بآية { أربعة أشهر وعشراً } السابقة .

فإن قيل : كيف نسخت الآية السابقة المتأخرة ؟ أجيب : بأنها متقدّمة في التلاوة متأخرة في النزول كما في قوله تعالى : { سيقول السفهاء } ( البقرة ، 142 ) مع قوله : { قد نرى تقلب وجهك في السماء } ( البقرة ، 144 ) { فإن خرجن } من قبل أنفسهنّ قبل الحول من غير إخراج الورثة { فلا جناح عليكم } يا أولياء الميت { فيما فعلن في أنفسهنّ من معروف } شرعاً كالتزين وترك الإحداد وقطع النفقة عنها ، خيرها الله تعالى بين أن تقيم حولاً ولها النفقة والسكنى ، وبين أن تخرج ولا نفقة لها ولا سكنى ، إلى أن نسخه بأربعة أشهر وعشراً { والله عزيز } في ملكه { حكيم } في صنعه لا يسأل عما يفعل .