{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ } يا معشر الرجال { وَيَذَرُونَ } ويتركون { أَزْوَاجاً } زوجات .
قال الكسائي : أكثر ما تقول العرب للمرأة زوجة ، ولكن في القرآن زوج { وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ } قرأ الحسن وأبو عمرو وأبو عامر والأعمش وحمزة ( وصيّة ) بالنصب على معنى فليوصوا وصية ، وقرأ الباقون بالرفع على معنى كُتب عليهم الوصية ، وقيل : معناه لأزواجهم وصية ، وقيل : ولتكن وصية ، ودليل هذه القراءة قراءة عبد الله : كُتبت عليهم وصية لأزواجهم .
وقرأ أُبي : ويذرون أزواجاً متاع لأزواجهم ، قال أبو عبيد : ومع هذا رأينا هذا المعنى كلّها في القرآن رفعاً مثل قوله { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } ، { فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ } ونحوهما . { مَّتَاعاً } نصب على المصدر أي متّعوهنّ متاعاً ، وقيل : جعل الله عزّ وجلّ ذلك لهنّ متاعاً ، وقيل : نصب على الحال ، وقيل : نصب بالوصية كقوله { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً } [ البلد : 14-15 ] . والمتاع : النفقة سنة لطعامها وكسوتها أو سكناها أو ما تحتاج إليه { إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } نصب على الحال ، وقيل : بنزع حرف الصفة أي من غير إخراج .
فأما تفسير الآية وحكمها ، فقال ابن عباس وسائر المفسرين : نزلت هذه الآية في رجل من أهل الطائف يقال له : حكيم بن الحرث هاجر إلى المدينة وله أولاد ومعه أبواه وامرأته فمات ، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم والديه وأولاده من ميراثه ولم يعط امرأته غير أنّه أمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها حولا ، وذلك أن الرجل كان إذا مات وترك امرأة اعتدّت سنة في بيت زوجها لا تخرج ، فإذا كان الحول خرجت ورمت كلباً ببعرة تعني بذلك أن قعودها بعد زوجها أهون عليها من بعرة رُمي بها كلب ، وقد ذكر ذلك الشعراء في شعرهم ، قال لبيد :
وكان سكناها ونفقتها واجبة في مال زوجها هذه السنة ما لم تخرج ، وكان ذلك حظّها من تركة زوجها ، ولم يكن لها الميراث ، وإنْ خرجت من بيت زوجها فلا نفقة لها ، وكان الرجل يوصي بذلك ، وكان كذلك حتى نزلت آية المواريث فنسخ الله نفقة الحول بالربع والثمن ، ونسخ عدة الحول بقوله { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } قال الله تعالى { فَإِنْ خَرَجْنَ } يعني من قبل أنفسهنّ قبل الحول من غير إخراج الورثة { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } يا أولياء الميت { فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ } يعني التشوق للنكاح ، وفي معنى رفع الجناح عن الرجال بفعل النساء وجهان :
أحدهما : لا جناح عليكم في قطع النفقة عنهنّ إذا خرجن قبل انقضاء الحول .
والوجه الآخر : لا جناح عليكم في ترك منعهنّ من الخروج لأن مقامها حولا في بيت زوجها غير واجب عليها ، خيّرها الله في ذلك إلى أن نسخت أربعة أشهر وعشراً ، لأن ذلك لو كان واجباً عليها ما كان على أولياء الزوج منعها من ذلك ، فرفع الله الجناح عنهم وعنها ، وأباح لها الخروج إن شاءت ، ثم نسخ النفقة بالميراث ، ومقام السنة بأربعة أشهر وعشراً { وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.