التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (240)

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً [ 1 ] لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ { 240 } } .

[ 1 ] وصية : قرئت بالفتح على تقدير ( فليوصوا وصية ) وقرئت بالرفع على اعتبار الإيجاب والحكم .

وتبعاً لاختلاف قراءة ( وصية ) يكون في الآية أمر للأزواج بأن يوصوا حين تحضرهم الوفاة بأن ينفق على زوجاتهم من بعدهم حولاً كاملاً ، وبأن لا يُخرجن من مسكنهن طيلة هذه المدة أو يكون فيها أمر رباني بإيجاب تنفيذ ذلك . وبالإضافة إلى هذا فإن فيها تسويغاً لخروجهن قبل نهاية المدة إذا شئن ، ورفعاً للحرج عن ذي العلاقة والولاية فيما يفعلنه في أنفسهن من التصرفات المشروعة وتنبيهاً على أن الله تعالى عزيز تجب طاعته حكيم لا يأمر إلا بما فيه الخير والمصلحة .

وروح الآية وفحواها يلهمان أن ما تقرره للزوجة هو واجب على ورثة زوجها وتركتها سواء أوصى هو بذلك أم لم يوصِ . وأن معنى { مَّتَاعاً } هنا هو نفقة معيشتها .

تعليق على الآية

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ . . . }

والآية فصل تشريعي من باب الفصول التي سبقت ومن المحتمل أن تكون نزلت بعد السياق السابق فوضعت في ترتيبها أو وضعت في ترتيبها للمماثلة التشريعية . ولقد روى الخازن أنها نزلت في امرأة رجل من الطائف هاجر إلى المدينة مع أبويه وزوجته فمات فلم تعط زوجته شيئا من ميراثه وكان ذلك قبل نزول آيات المواريث في سورة النساء ، فرفعت أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى الآية فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقوها في بيتها سنة وينفقوا عليها .

والرواية لم ترد في كتب الصحاح ، ويلحظ أنها لا تتسق تماماً مع فحوى الآية ، ويتبادر لنا أنها في شأن أرملة أراد أهل زوجها إخراجها وامتنعوا عن النفقة عليها . ولا يمنع هذا أن تكون طبقت على الجملة التي رواها الخازن .

ويروي الطبري عن ابن عباس وآخرين أن حكم هذه الآية كان جارياً قبل نزول الآية [ 234 ] من هذه السورة وقبل نزول آيات المواقيت في سورة النساء . وأنها نسخت فأنقصت المدة إلى أربعة أشهر وعشر في الآية [ 234 ] وحملت الأرملة نفقة نفسها ؛ لأنها صارت ترث من زوجها . ويروي الطبري عن مجاهد وآخرين أيضا أن حكم الآية ظل محكماً لمن تشاء من الزوجات البقاء في بيت زوجها المتوفى سنة مع إيجاب نفقتها ، ويبقى حكم الآية [ 234 ] وما ورد في صددها من أحاديث أوردناها قبل محكما بالنسبة لهذه الزوجة . وقد صوب الطبري القول الأول غير أن الذي يتبادر لنا استلهاماً من مجيء هذه الآية بعد الآية [ 234 ] أن القول الثاني هو الأوجه ، وليس هناك حديث وثيق بالنسخ . أما مسألة نفقتها طول السنة فالذي يتبادر لنا أن نسخها بآية المواريث هو وجيه وآية المواريث نزلت بعدها والله أعلم .

وعلى صحة استنتاج بقاء الآية محكمة في حق الزوجة في البقاء في بيت زوجها المتوفى عنها سنة كاملة وعدم الحرج مع ذلك من خروجها أثناء هذه المدة ، فالذي يتبادر لنا مع الآية ومقاصدها أنها لو خرجت لحاجتها ثم أرادت أن تعود إلى بيت زوجها لإتمام مدة السنة فلها ذلك ، والله تعالى أعلم .