21- واذكر هوداً أخا عاد إذ حذَّر قومه المقيمين بالأحقاف - وقد مضت الرسل قبله وبعده بمثل إنذاره - قائلاً لهم : لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم الهول{[202]} .
قوله تعالى : { واذكر أخا عاد } يعني هوداً . { إذ أنذر قومه بالأحقاف } قال ابن عباس : الأحقاف : واد بين عمان ومهرة . وقال مقاتل : كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال له : مهرة ، وإليها تنسب الإبل المهرية ، وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم ، وكانوا من قبيلة إرم . قال قتادة : ذكر لنا أن عاداً كانوا أحياء باليمن ، وكانوا أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها : الشحر . والأحقاف جمع حقف ، وهي المستطيل المعوج من الرمال . قال ابن زيد هي ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلاً ، قال الكسائي : هي ما استدار من الرمال ، { وقد خلت النذر } مضت الرسل ، { من بين يديه } أي من قبل هود ، { ومن خلفه } إلى قومهم ، { ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم* }
{ 21-26 } { وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ } إلى آخر القصة{[784]}
أي : { وَاذْكُرْ } بالثناء الجميل { أَخَا عَادٍ } وهو هود عليه السلام ، حيث كان من الرسل الكرام الذين فضلهم الله تعالى بالدعوة إلى دينه وإرشاد الخلق إليه .
{ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ } وهم عاد { بِالْأَحْقَافِ } أي : في منازلهم المعروفة بالأحقاف وهي : الرمال الكثيرة في أرض اليمن .
{ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } فلم يكن بدعا منهم ولا مخالفا لهم ، قائلا لهم : { أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }
فأمرهم بعبادة الله الجامعة لكل قول سديد وعمل حميد ، ونهاهم عن الشرك والتنديد وخوفهم -إن لم يطيعوه- العذاب الشديد فلم تفد فيهم تلك الدعوة .
يقول تعالى مسليا لنبيه في تكذيب من كذبه من قومه : { وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ } وهو هود ، عليه السلام ، بعثه الله إلى عاد الأولى ، وكانوا يسكنون الأحقاف - جمع حقْف وهو : الجبل من الرمل - قاله ابن زيد . وقال عكرمة : الأحقاف : الجبل والغار . وقال علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : الأحقاف : واد بحضرموت ، يدعى بُرْهوت ، تلقى فيه أرواح الكفار . وقال قتادة : ذُكر لنا أن عادا كانوا حيا باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها : الشِّحْر .
قال ابن ماجه : " باب إذا دعا فليبدأ بنفسه " : حدثنا الحسين بن علي الخلال ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يرحمنا الله ، وأخا عاد " {[26443]} .
وقوله : { وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } يعني : وقد أرسل الله إلى من حَول بلادهم من القرى مرسلين ومنذرين ، كقوله : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا } [ البقرة : 66 ] ، وكقوله : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأنزلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [ فصلت : 13 ، 14 ] {[26444]} {[26445]} أي : قال لهم هود ذلك ، فأجابه قومه قائلين : { أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا }
{ واذكر أخا عاد } يعني هودا . { إذ أنذر قومه بالأحقاف } جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج ، وكانوا يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن . { وقد خلت النذر } الرسل . { من بين يديه ومن خلفه } قبل هود وبعده والجملة حال أو اعتراض . { ألا تعبدوا إلا الله } أي لا تعبدوا ، أو بأن لا تعبدوا فإن النهي عن الشيء إنذار من مضرته . { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } هائل بسبب شرككم .
واختلف الناس في هذه «الأحقاف » أين كانت ؟ فقال ابن عباس والضحاك : هي جبل بالشام ، وقيل كانت بلاد نخيل ، وقيل هي الرمال بين مهرة وعدن . وقال ابن عباس أيضاً : بين عمان ومهرة . وقال قتادة : هي بلاد الشحر المواصلة للبحر اليماني وقال ابن إسحاق هي بين حضرموت وعمان ، والصحيح من الأقوال : أن بلاد عاد كانت باليمن ولهم كانت إرم ذات العماد . و «الأحقاف » : جمع حقف ، و هو الجبل المستطيل والمعوجّ من الرمل . ( قال الخليل : هي الرمال الأحقاف ) وكثيراً ما تحدث هذه الأحقاف في بلاد الرمل في الصحارى ، لأن الريح تصنع ذلك .
وقوله تعالى : { وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه } اعتراض مؤكد مقيم للحجة أثناء قصة هود ، لأن قوله : { ألا تعبدوا إلا الله } هو من نذارة هود . و : { خلت } معناه : مضت إلى الخلاء ومرت أزمانها . وفي مصحف عبد الله : «وقد خلت النذر من قبله وبعده » . وروي أن فيه : «وقد خلت النذر من بين يديه ومن بعده » . و { النذر } : جمع نذير بناء اسم فاعل .