قوله تعالى : بما كنتم تعملون وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظةً } يعني : الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ، وهو جمع حافظ ، نظيره { وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين } [ الانفطار :11 ] .
قوله تعالى : { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته } ، قرأ حمزة " توفاه " و " استهواه " بالياء ، وأمالهما .
قوله تعالى : { رسلنا } يعني : أعوان ملك الموت يقبضونه ، فيدفعونه إلى ملك الموت ، فيقبض روحه ، كما قال : { قل يتوفاكم ملك الموت } ، وقيل الأعوان يتوفونه بأمر ملك الموت ، فكأن ملك الموت توفاه لأنهم يصدرون عن أمره ، وقيل : أراد بالرسل ملك الموت وحده ، فذكر الواحد بلفظ الجمع ، وجاء في الأخبار : أن الله تعالى جعل الدنيا بين يدي ملك الموت كالمائدة الصغيرة ، فيقبض من هاهنا ومن هاهنا ، فإذا كثرت الأرواح يدعوا الأرواح فتجيب له .
{ وَهُوَ } تعالى { الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } ينفذ فيهم إرادته الشاملة ، ومشيئته العامة ، فليسوا يملكون من الأمر شيئا ، ولا يتحركون ولا يسكنون إلا بإذنه ، ومع ذلك ، فقد وكل بالعباد حفظةً من الملائكة ، يحفظون العبد ويحفظون عليه ما عمل ، كما قال تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } فهذا حفظه لهم في حال الحياة .
{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } أي الملائكة الموكلون بقبض الأرواح . { وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } في ذلك ، فلا يزيدون ساعة مما قدره الله وقضاه ولا ينقصون ، ولا ينفذون من ذلك ، إلا بحسب المراسيم الإلهية والتقادير الربانية .
وقوله : { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } أي : هو الذي قهر كل شيء ، وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء .
{ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً } أي : من الملائكة يحفظون بدن الإنسان ، كما قال [ تعالى ]{[10746]} { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } [ الرعد : 11 ] ، وحفظة يحفظون عمله ويحصونه [ عليه ]{[10747]} كما قال : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ [ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ] {[10748]} } [ الانفطار : 10 - 12 ] ، وقال : { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 17 ، 18 ] .
وقوله : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ } أي : [ إذا ]{[10749]} احتضر وحان أجله { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } أي : ملائكة موكلون بذلك .
قال ابن عباس وغير واحد : لملك الموت أعوان من الملائكة ، يخرجون الروح من الجسد ، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم وسيأتي عند قوله تعالى : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ] {[10750]} } [ إبراهيم : 27 ] ، الأحاديث المتعلقة بذلك ، الشاهدة لهذا المروي عن ابن عباس وغيره بالصحة .
وقوله : { وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ } أي : في حفظ روح المتوفى ، بل يحفظونها وينزلونها حيث شاء الله ، عَزَّ وجل ، إن كان من الأبرار ففي عليين ، وإن كان من الفجار ففي سجين ، عياذا بالله من ذلك .
{ وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة } ملائكة تحفظ أعمالكم ، وهم الكرام الكاتبون ، والحكمة فيه أن المكلف إذا علم أن أعماله تكتب عليه وتعرض على رؤوس الأشهاد كان أزجر عن المعاصي ، وأن العبد إذا وثق بلطف سيده واعتمد على عفوه وستره لم يحتشم منه احتشامه من خدمه المطيعين عليه . { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا } ملك الموت وأعوانه . وقرأ حمزة " توفاه " بالألف ممالة . { وهم لا يفرطون } بالتواني والتأخير . وقرئ بالتخفيف ، والمعنى : لا يجاوزون ما حد لهم بزيادة أو نقصان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.