المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقٞۗ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِهِمۡ لِيُجَٰدِلُوكُمۡۖ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ} (121)

121- وإذا كانت الأنعام حلالا لكم بذبحها ، فلا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله تعالى عليه عند ذبحه إذا تركت فيه التسمية عمداً ، أو ذكر فيه اسم غير الله تعالى ، فإن هذا فسق وخروج عن حكم الله . . وإن العتاة المفسدين من إبليس وأعوانه ليوسوسون في صدور من استولوا عليهم ، ليجادلوكم بالباطل . وليجروكم إلى تحريم ما أحل الله ، وإن اتبعتموهم فإنكم مثلهم في الإشراك بالله .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقٞۗ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِهِمۡ لِيُجَٰدِلُوكُمۡۖ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ} (121)

قوله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } قال ابن عباس رضي الله عنهما : الآية في تحريم الميتات وما في معناها من المنخنقة وغيرها . قال عطاء : الآية في تحريم الذبائح التي كانوا يذبحونها على اسم الأصنام . واختلف أهل العلم في ذبيحة المسلم إذا لم يذكر اسم الله عليها ، فذهب قوم إلى تحريمها ، سواء ترك التسمية عامداً أو ناسياً ، وهو قول ابن سيرين ، والشعبي ، واحتجوا بظاهر هذه الآية . وذهب قوم إلى تحليلها ، يروى ذلك عن ابن عباس وهو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد رضوان الله عليهم أجمعين . وذهب قوم إلى أنه إن ترك التسمية عامداً لا يحل ، وإن تركها ناسياً يحل ، حكى الخرقي من أصحاب أحمد : أن هذا مذهبه ، وهو قول الثوري وأصحاب الرأي ، من أباحها قال : المراد من الآية الميتات ، و ما ذبح على غير اسم الله ، بدليل أنه قال :

قوله تعالى : { وإنه لفسق } ، والفسق في ذكر اسم غير الله كما قال في آخر السورة { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم } إلى قوله { أو فسقاً أهل لغير الله به } . واحتج من أباحها بما أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا يوسف بن موسى ، ثنا أبو خالد الأحمر قال : سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : إن قوما قالوا يا رسول الله ، إن هنا أقواماً حديثا عهدهم بشرك ، يأتون بلحمان لا ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا ؟ قال : ( اذكروا أنتم اسم الله وكلوا ) . ولو كانت التسمية شرطاً للإباحة لكان الشك في وجودها مانعاً من أكلها كالشك في أصل الذبح . قوله تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } . أراد أن الشياطين ليوسوسون إلى أوليائهم من المشركين ليجادلوكم ، وذلك أن المشركين قالوا : يا محمد ، أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها ؟ فقال : الله قتلها ، قالوا : فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال ، وما قتله الكلب والصقر والفهد حلال ، وما قتله الله حرام ؟ فأنزل الله هذه الآية .

قوله تعالى : { وإن أطعتموهم } ، في أكل الميتة .

قوله تعالى : { إنكم لمشركون } ، قال الزجاج : وفيه دليل على أن من أحل شيئاً مما حرم الله ، أو حرم ما أحل الله فهو مشرك .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقٞۗ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِهِمۡ لِيُجَٰدِلُوكُمۡۖ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ} (121)

{ 121 } { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }

ويدخل تحت هذا المنهي عنه ، ما ذكر عليه اسم غير الله كالذي يذبح للأصنام ، وآلهتهم ، فإن هذا مما أهل لغير الله به ، المحرم بالنص عليه خصوصا .

ويدخل في ذلك ، متروك التسمية ، مما ذبح لله ، كالضحايا ، والهدايا ، أو للحم والأكل ، إذا كان الذابح متعمدا ترك التسمية ، عند كثير من العلماء .

ويخرج من هذا العموم ، الناسي بالنصوص الأخر ، الدالة على رفع الحرج عنه ، ويدخل في هذه الآية ، ما مات بغير ذكاة من الميتات ، فإنها مما لم يذكر اسم الله عليه .

ونص الله عليها بخصوصها ، في قوله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } ولعلها سبب نزول الآية ، لقوله { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ } بغير علم .

فإن المشركين -حين سمعوا تحريم الله ورسوله الميتةَ ، وتحليله للمذكاة ، وكانوا يستحلون أكل الميتة- قالوا -معاندة لله ورسوله ، ومجادلة بغير حجة ولا برهان- أتأكلون ما قتلتم ، ولا تأكلون ما قتل الله ؟ يعنون بذلك : الميتة .

وهذا رأي فاسد ، لا يستند على حجة ولا دليل بل يستند إلى آرائهم الفاسدة التي لو كان الحق تبعا لها لفسدت السماوات والأرض ، ومن فيهن .

فتبا لمن قدم هذه العقول على شرع الله وأحكامه ، الموافقة للمصالح العامة والمنافع الخاصة . ولا يستغرب هذا منهم ، فإن هذه الآراء وأشباهها ، صادرة عن وحي أوليائهم من الشياطين ، الذين يريدون أن يضلوا الخلق عن دينهم ، ويدعوهم ليكونوا من أصحاب السعير .

{ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } في شركهم وتحليلهم الحرام ، وتحريمهم الحلال { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } لأنكم اتخذتموهم أولياء من دون الله ، ووافقتموهم على ما به فارقوا المسلمين ، فلذلك كان طريقكم ، طريقهم .

ودلت هذه الآية الكريمة على أن ما يقع في القلوب من الإلهامات والكشوف ، التي يكثر وقوعها عند الصوفية ونحوهم ، لا تدل –بمجردها على أنها حق ، ولا تصدق حتى تعرض على كتاب الله وسنة رسوله .

فإن شهدا لها بالقبول قبلت ، وإن ناقضتهما ردت ، وإن لم يعلم شيء من ذلك ، توقف فيها ولم تصدق ولم تكذب ، لأن الوحي والإلهام ، يكون الرحمن ويكون من الشيطان ، فلا بد من التمييز بينهما والفرقان ، وبعدم التفريق بين الأمرين ، حصل من الغلط والضلال ، ما لا يحصيه إلا الله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقٞۗ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِهِمۡ لِيُجَٰدِلُوكُمۡۖ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ} (121)

استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب إلى أنه لا تحل الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها ، ولو كان الذابح مسلما ، وقد اختلف الأئمة ، رحمهم الله ، في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :

فمنهم من قال : لا تحل هذه الذبيحة بهذه الصفة ، وسواء متروك التسمية عمدًا أو سهوًا . وهو مروي عن ابن عمر ، ونافع مولاه ، وعامر الشعبي ، ومحمد بن سيرين . وهو رواية عن الإمام مالك ، ورواية عن أحمد بن حنبل نصرها طائفة من أصحابه المتقدمين والمتأخرين ، وهو اختيار أبي ثور ، وداود الظاهري ، واختار ذلك أبو الفتوح محمد بن محمد بن علي الطائي{[11111]} من متأخري الشافعية في كتابه " الأربعين " ، واحتجوا لمذهبهم هذا بهذه الآية ، وبقوله في آية الصيد : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } [ المائدة : 4 ] . ثم قد أكد في هذه الآية بقوله : { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } والضمير قيل : عائد على الأكل ، وقيل : عائد على الذبح لغير الله - وبالأحاديث الواردة في الأمر بالتسمية عند الذبيحة والصيد ، كحديثي عدي بن حاتم وأبي ثعلبة : " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك " . وهما في الصحيحين ، وحديث رافع بن خُدَيْج . " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه " . وهو في الصحيحين أيضًا ، وحديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للجن : " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه " {[11112]} رواه مسلم . وحديث جُنْدَب بن سفيان البَجَلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ، ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله " . أخرجاه{[11113]} وعن عائشة ، رضي الله عنها ، أن ناسا قالوا : يا رسول الله ، إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري : أذكر اسم الله عليه أم لا ؟ قال : " سموا عليه أنتم وكلوا " . قالت : وكانوا حديثي عهد بالكفر . رواه البخاري . ووجه الدلالة أنهم فهموا أن التسمية لا بد منها ، [ وأنهم ]{[11114]} خشوا ألا تكون وجدت من أولئك ، لحداثة إسلامهم ، فأمرهم بالاحتياط بالتسمية عند الأكل ، لتكون كالعوض عن المتروكة عند الذبح إن لم تكن وجدت ، وأمرهم بإجراء أحكام المسلمين على السداد ، والله [ تعالى ]{[11115]} أعلم .

والمذهب الثاني في المسألة : أنه لا يشترط التسمية ، بل هي مستحبة ، فإن تركت عمدًا أو نسيانًا لم تضر{[11116]} وهذا مذهب الإمام الشافعي ، رحمه الله ، وجميع أصحابه ، ورواية عن الإمام أحمد . نقلها عنه حنبل . وهو رواية عن الإمام مالك ، ونص على ذلك أشهب بن عبد العزيز من أصحابه ، وحكي عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعطاء بن أبي رباح ، والله أعلم .

وحمل الشافعي الآية الكريمة : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } على ما ذبح لغير الله ، كقوله تعالى { أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } [ الأنعام : 145 ] .

وقال ابن جُرَيْج ، عن عطاء : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } قال : ينهى عن ذبائح كانت تذبحها قريش عن الأوثان ، وينهى عن ذبائح المجوس ، وهذا المسلك الذي طرقه الإمام الشافعي [ رحمه الله ]{[11117]} قوي ، وقد حاول بعض المتأخرين أن يقويه بأن جعل " الواو " في قوله : { وإِنَّهُ لَفِسْقٌ } حالية ، أي : لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه في حال كونه فسقًا ، ولا يكون فسقا حتى يكون قد أهل به لغير الله . ثم ادعى أن هذا متعين ، ولا يجوز أن تكون " الواو " عاطفة . لأنه يلزم منه عطف جملة اسمية خبرية على جمله فعلية طلبية . وهذا ينتقض عليه بقوله : { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } فإنها عاطفة لا محاولة ، فإن كانت " الواو " التي{[11118]} ادعى أنها حالية صحيحة على ما قال ؛ امتنع عطف هذه عليها ، فإن عطفت{[11119]} على الطلبية ورد عليه ما أورد على غيره ، وإن لم تكن " الواو " حالية ، بطل ما قال من أصله ، والله أعلم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، أنبأنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس قوله : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } قال : هي الميتة .

ثم رواه ، عن أبي زُرْعَة ، عن يحيى بن أبي كثير{[11120]} عن ابن لَهِيعَة ، عن عطاء - وهو ابن السائب - به .

وقد استدل لهذا المذهب بما رواه أبو داود في المراسيل ، من حديث ثور بن يزيد ، عن الصلت السدوسي - مولى سُوَيْد بن مَنْجوف{[11121]} أحد التابعين الذين ذكرهم أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذَبِيحَة المسلم حلال ذُكِر اسمُ اللهِ أو لم يُذْكَرْ ، إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله " {[11122]}

وهذا مرسل يعضد بما رواه الدارقطني عن ابن عباس أنه قال : إذا ذبح المسلم - ولم يذكر اسم الله فليأكل ، فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله " {[11123]}

واحتج البيهقي أيضًا بحديث عائشة ، رضي الله عنها ، المتقدم أن ناسا قالوا : يا رسول الله ، إن قوما حديثي عهد بجاهلية يأتونا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال : " سَمّوا أنتم وكُلُوا " . قال : فلو كان وجود التسمية شرطا لم يرخص لهم إلا مع تحققها ، والله أعلم .

المذهب الثالث في المسألة : [ أنه ]{[11124]} إن ترك البسملة على الذبيحة نسيانا لم يضر وإن تركها عمدًا لم تحل .

هذا هو المشهور من مذهب الإمام مالك ، وأحمد بن حنبل ، وبه يقول أبو حنيفة وأصحابه ، وإسحاق بن راهويه : وهو محكي عن علي ، وابن عباس ، وسعيد بن المُسَيَّب ، وعَطَاء ، وطاوس ، والحسن البصري ، وأبي مالك ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وجعفر بن محمد ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن .

ونقل الإمام أبو الحسن المرغيناني في كتابه " الهداية " الإجماع - قبل الشافعي على تحريم متروك التسمية عمدا ، فلهذا قال أبو يوسف والمشايخ : لو حكم حاكم بجواز بيعه لم ينفذ لمخالفة الإجماع .

وهذا الذي قاله غريب جدًا ، وقد تقدم نقل الخلاف عمن قبل الشافعي ، والله أعلم .

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : من حرم ذبيحة الناسي ، فقد خرج من قول جميع الحجة ، وخالف الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك{[11125]}

يعني ما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا أبو أمية الطرسوسي ، حدثنا محمد بن يزيد ، حدثنا معقل بن عبيد الله ، عن عمرو بن دينار ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المسلم يكفيه اسمه ، إن نسي أن يسمي حين يذبح ، فليذكر اسم الله وليأكله " {[11126]}

وهذا الحديث رفعه خطأ ، أخطأ فيه معقل بن عبيد الله الجزيري{[11127]} فإنه{[11128]} وإن كان من رجال مسلم إلا أن سعيد بن منصور ، وعبد الله بن الزبير الحميدي روياه عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن أبي الشعثاء ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس ، من قوله . فزادا في إسناده " أبا الشعثاء " ، ووقفا{[11129]} والله [ تعالى ]{[11130]} أعلم . وهذا أصح ، نص عليه البيهقي [ وغيره من الحفاظ ]{[11131]}

وقد نقل ابن جرير وغيره . عن الشعبي ، ومحمد بن سيرين ، أنهما كرها متروك التسمية نسيانا ، والسلف يطلقون الكراهية على التحريم كثيرا ، والله أعلم . إلا أن من قاعدة ابن جرير أنه لا يعتبر قول الواحد ولا الاثنين مخالفا لقول الجمهور ، فيعده إجماعا ، فليعلم هذا ، والله الموفق .

قال ابن جرير : حدثنا ابن وَكِيع ، حدثنا أبو أسامة ، عن جَهِير بن يزيد قال : سئل الحسن ، سأله رجل أتيت بطير كَرًى{[11132]} فمنه ما قد ذبح فذكر اسم الله عليه ، ومنه ما نسي أن يذكر اسم الله عليه ، واختلط الطير ، فقال الحسن : كله ، كله . قال : وسألت محمد بن سيرين فقال : قال الله [ تعالى ]{[11133]} { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ }

واحتج لهذا المذهب بالحديث المروي من طرق عند ابن ماجه ، عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وأبي ذر{[11134]} وعقبة بن عامر ، وعبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه " {[11135]} وفيه نظر ، والله أعلم .

وقد روى الحافظ أبو أحمد بن عدي ، من حديث مروان بن سالم القرقساني ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اسم الله على كل مسلم " {[11136]}

ولكن هذا إسناده{[11137]} ضعيف ، فإن مروان بن سالم القرقساني أبا عبد الله الشامي ، ضعيف ، تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، والله أعلم .

وقد أفردت هذه المسألة على حدة ، وذكرت مذاهب{[11138]} الأئمة ومآخذهم وأدلتهم ، ووجه الدلالات والمناقضات والمعارضات{[11139]} ، والله أعلم .

قال ابن جرير : وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية : هل نسخ من حكمها شيء أم لا ؟ فقال بعضهم : لم ينسخ منها شيء وهي محكمة فيما عُنيت به . وعلى هذا قول عامة أهل العلم .

وروي عن الحسن البصري وعكرمة . ما حدثنا به ابن حُميد ، حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين بن واقد ، عن عكرمة والحسن البصري قالا قال الله : { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } وقال { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } فنسخ واستثنى من ذلك فقال : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ } [ المائدة : 5 ] .

وقال ابن أبي حاتم : قرئ علي العباس بن الوليد بن مزيد{[11140]} ، حدثنا محمد بن شعيب ، أخبرني النعمان - يعني ابن المنذر - عن مكحول قال : أنزل الله في القرآن : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } ثم نسخها الرب ورحم المسلمين فقال : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } فنسخها بذلك وأحل طعام أهل الكتاب .

ثم قال ابن جرير : والصواب أنه لا تعارض بين حل طعام أهل الكتاب ، وبين تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه .

وهذا الذي قاله صحيح ، ومن أطلق من السلف النسخ هاهنا فإنما أراد التخصيص ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

وقوله تعالى : { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق قال : قال رجل لابن عمر : إن المختار يزعم أنه يوحى إليه ؟ قال : صدق ، وتلا هذه الآية : { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ }

وحدثنا أبي ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا عكرمة بن عمار ، عن أبي زُمَيْل قال : كنت قاعدًا عند ابن عباس ، وحج المختار ابن أبي عبيد ، فجاءه{[11141]} رجل فقال : يا ابن عباس ، وزعم أبو إسحاق أنه أوحي{[11142]} إليه الليلة ؟ فقال ابن عباس : صدق ، فنفرت وقلت : يقول ابن عباس صدق . فقال ابن عباس : هما وحيان ، وحي الله ، ووحي الشيطان ، فوحي الله [ عَزَّ وجل ]{[11143]} إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، ووحي الشيطان إلى أوليائه ، ثم قرأ : { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ{[11144]} لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ }

وقد تقدم عن عكرمة في قوله : { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا } نحو هذا .

وقوله [ تعالى ]{[11145]} : { لِيُجَادِلُوكُمْ } قال ابن أبي حاتم : : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَيْر قال : خاصمت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : نأكل مما قتلنا ، ولا نأكل مما قتل الله ؟ فأنزل الله : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ }

هكذا رواه مرسلا ورواه أبو داود متصلا فقال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس قال : جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله ؟ فأنزل الله : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ] }{[11146]} .

وكذا رواه ابن جَرير ، عن محمد بن عبد الأعلى وسفيان{[11147]} بن وَكِيع ، كلاهما عن عمران بن عيينة ، به .

ورواه البزار ، عن محمد بن موسى الحَرَشي ، عن عمران بن عيينة ، به . {[11148]} وهذا فيه نظر من وجوه ثلاثة : أحدها :

أن اليهود لا يرون إباحة الميتة حتى يجادلوا .

الثاني : أن الآية من الأنعام ، وهي مكية .

الثالث : أن هذا الحديث رواه الترمذي ، عن محمد بن موسى الحَرَشِي ، عن زياد بن عبد الله البكائي ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس . ورواه الترمذي بلفظ{[11149]} : أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقال : حسن غريب ، رُوي عن سعيد بن جبير مرسلا{[11150]} .

وقال الطبراني : حدثنا علي بن المبارك ، حدثنا زيد بن المبارك ، حدثنا موسى بن عبد العزيز ، حدثنا الحكم بن أبان ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } أرسلت فارس إلى قريش : أن خاصموا محمدًا وقولوا له : كَمَا تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال ، وما ذبح الله ، عَزَّ وجل ، بشمشير من ذهب - يعني الميتة - فهو حرام . فنزلت هذه الآية : { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ } قال : الشياطين من فارس ، وأوليائهم [ من ]{[11151]} قريش{[11152]} .

وقال أبو داود : حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا إسرائيل ، حدثنا سِماك ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس في قوله : { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } يقولون : ما ذبح الله فلا تأكلوه . وما ذبحتم أنتم فكلوه ، فأنزل الله : { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ }

ورواه ابن ماجه وابن أبي حاتم ، عن عمرو بن عبد الله ، عن وكيع ، عن إسرائيل ، به{[11153]} . وهذا إسناد صحيح .

ورواه ابن جرير من طرق متعددة ، عن ابن عباس ، وليس فيه ذكر اليهود ، فهذا هو المحفوظ{[11154]} ، والله أعلم .

وقال ابن جُرَيْج : قال عمرو بن دينار ، عن عكرمة : إن مشركي قريش كاتبوا فارس على الروم ، وكاتبتهم فارس ، وكتب فارس إلى مشركي قريش : أن محمدًا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ، فما ذبح الله بسكين من ذهب فلا يأكله محمد وأصحابه - للميتة وما{[11155]} ذبحوه هم يأكلون . فكتب بذلك المشركون إلى أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء ، فأنزل الله{[11156]} : { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ [ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ] }{[11157]} ونزلت : { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا }

وقال السُّدِّي في تفسير هذه الآية : إن المشركين قالوا للمؤمنين : كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله ، وما ذبح الله فلا تأكلونه ، وما ذبحتم أنتم أكلتموه ؟ فقال الله : { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } فأكلتم الميتة { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }

وهكذا قاله مجاهد ، والضحاك ، وغير واحد من علماء السلف ، رحمهم الله .

وقوله تعالى : { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } أي : حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره ، فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك ، كما قال تعالى : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ] }{[11158]} [ التوبة : 31 ] .

وقد روى الترمذي في تفسيرها ، عن عدي بن حاتم أنه قال : يا رسول الله ، ما عبدوهم ، فقال : " بل إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم " {[11159]} .


[11111]:في أ: "الظاهري".
[11112]:صحيح مسلم برقم (450).
[11113]:صحيح البخاري برقم (985) وصحيح مسلم برقم (1960).
[11114]:زيادة من م.
[11115]:زيادة من م.
[11116]:في م: "لم تضره".
[11117]:زيادة من م، أ.
[11118]:في م: "الذي".
[11119]:في م: "عطف".
[11120]:في م: "يحيى بن بكر".
[11121]:في م، أ: "ميمون".
[11122]:المراسيل برقم (378) ورواه البيهقي في السنن الكبرى (9/240) من طريق أبي داود به. وقال ابن القطان كما في نصب الراية (4/183): "فيه مع الإرسال أن الصلت السدوسي لا يعرف له حال ولا يعرف بغير هذا، ولا روى عنه غير ثور بن يزيد".
[11123]:سنن الدارقطني (4/295) وقد روى مرفوعا، ورجح البيهقي وقفه وصححه ابن السكن.
[11124]:زيادة من أ.
[11125]:تفسير الطبري (12/53).
[11126]:السنن الكبرى (9/240).
[11127]:في م: "الخوزني"، وفي أ: "الجزري".
[11128]:في م: "وإنه".
[11129]:في م، أ: "ووقفاه".
[11130]:زيادة من م.
[11131]:زيادة من م، أ.
[11132]:في م، أ: "بطير كذا".
[11133]:زيادة من م، أ.
[11134]:في م: "وعن أبي ذر".
[11135]:رواه ابن ماجة في السنن برقم (2045) من طريق الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس، رضي الله عنه، ورواه ابن ماجة في السنن برقم (2044) من طريق قتادة، عن زرارة بن أبي أوفى، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، ورواه ابن ماجة في السنن برقم (2043) من طريق أبي بكر الهذلي، عن شهر بن حوشب، عن أبي ذر الغفاري، رضي الله عنه. قال البوصيري في الزوائد (2/130): "إسناده ضعيف". ورواه البيهقي في السنن الكبرى (7/356) من طريق ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، عن عقبة بن عامر، رضي الله عنه، أما من حديث عبد الله بن عمرو فلم أجده، وقد جاء من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رواه أبو نعيم في الحلية (6/352).
[11136]:الكامل لابن عدي (6/385).
[11137]:في أ: "إسناد".
[11138]:في أ: "مذهب".
[11139]:والراجح في هذه المسألة والله أعلم، ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، في وجوب التسمية مطلقا، فلا تؤكل الذبيحة بدونها سواء تركها عمدا أو سهوا، قال: "وهذا أظهر الأقوال، فإن الكتاب والسنة قد علق الحل بذكر اسم الله في غير موضع" انظر كلامه في: مجموع الفتاوى (35/239).
[11140]:في أ: "يزيد".
[11141]:في أ: "فدعاه".
[11142]:في أ: "يوحى".
[11143]:زيادة من أ.
[11144]:في هـ: "الشيطان".
[11145]:زيادة من م.
[11146]:زيادة من أ.
[11147]:في م: "سعيد" هو خطأ.
[11148]:سنن أبي داود برقم (2819) وتفسير الطبري (12/82).
[11149]:في م، أ: "بلفظ قال".
[11150]:سنن الترمذي برقم (3069).
[11151]:زيادة من أ.
[11152]:المعجم الكبير للطبراني (11/241).
[11153]:سنن أبي داود برقم (2818) وسنن ابن ماجة برقم (3173).
[11154]:رواه الطبري في تفسيره (12/78).
[11155]:في م: "وأما".
[11156]:في م، أ: "فنزلت".
[11157]:زيادة من م، أ. وفي هـ: "الآية".
[11158]:زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".
[11159]:سنن الترمذي برقم (3095) من طريق عبد السلام بن حرب، عن غطيف بن أعين، عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم، رضي الله عنه، قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث".
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقٞۗ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِهِمۡ لِيُجَٰدِلُوكُمۡۖ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ} (121)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ": لا تأكلوا أيها المؤمنون مما مات فلم تذبحوه أنتم أو يذبحه موحد يدين لله بشرائع شرعها له في كتاب منزّل فإنه حرام عليكم، ولا ما أهلّ به لغير الله مما ذبحه المشركون لأوثانهم، فإن أكْلَ ذلك فسق، يعني: معصية كفر...

"وَإنّ الشّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائهِمْ":... إن الله أخبر أن الشياطين يوحون إلى أوليائهم ليجادلوا المؤمنين في تحريمهم أكل الميتة بما ذكرنا من جدالهم إياهم. وجائز أن يكون الموحون كانوا شياطين الإنس يوحون إلى أوليائهم منهم، وجائز أن يكونوا شياطين الجن أوحوا إلى أوليائهم من الإنس، وجائز أن يكون الجنسان كلاهما تعاونا على ذلك، كما أخبر الله عنهما في الآية الأخرى التي يقول فيها: "وكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلّ نَبِيّ عَدُوّا شَياطِينَ الإنْسِ والجِنّ، يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورا"، بل ذلك الأغلب من تأويله عندي، لأن الله أخبر نبيه أنه جعل له أعداء من شياطين الجنّ والإنس، كما جعل لأنبيائه مِن قبله يوحي بعضهم إلى بعض المزيّنَ من الأقوال الباطلة، ثم أعلمه أن أولئك الشياطين يوحون إلى أوليائهم من الإنس ليجادلوه ومن تبعه من المؤمنين فيما حرّم الله من الميتة عليهم...

وأما قوله "لَفِسقٌ "فإنه يعني: وإنّ أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من الميتة وما أهلّ به لغير الله لفسق...

وأما الأولياء: فهم النصراء والظهراء في هذا الموضع.

ويعني بقوله: "لِيُجادِلُوكُمْ": ليخاصموكم...

وأما قوله: "وَإنْ أطَعْتُمُوهُمْ إنّكُمْ لَمُشْرِكُونَ "فإنه يعني: وإن أطعتموهم في أكل الميتة وما حرم عليكم ربكم...

وأما قوله: "إنّكُمْ لَمُشْركُونَ" يعني: إنكم إذا مثلهم، إذ كان هؤلاء يأكلون الميتة استحلالاً، فإذا أنتم أكلتموها كذلك فقد صرتم مثلهم مشركين...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ومن حق ذي البصيرة في دينه أن لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه كيفما كان؛ لما يرى في الآية من التشديد العظيم، وإن كان أبو حنيفة رحمه الله مرخصاً في النسيان دون العمد، ومالك والشافعي رحمهما الله فيهما...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما أمرهم بالأكل مما ينفعهم ويعينهم على شكره محذراً من أكل ما يعيش مرأى بصائرهم، أتبعه نهيهم نهياً جازماً خاصاً عن الأكل مما يضرهم في أبدانهم وأخلاقهم، وهو ما ضاد الأول في خلوه عن الاسم الشريف فقال {ولا تأكلوا مما لم يذكر} أي مما لا يقبل أن يذكر {اسم الله} أي الذي لا يؤخذ شيء إلا منه، لأن له الكمال كله فله الإحاطة الكاملة، وأشار بأداة الاستعلاء إلى الإخلاص ونفي الإشراك فقال: {عليه} أي لكون الله قد حرمه فصار نجس العين أو المعنى، فصار مخبثاً للبدن والنفس مما ذكر عليه غير اسمه سبحانه بما دل عليه من تسميته فسقاً، وتفسير الفسق في آية أخرى بما أهل به لغير الله و كذا ما كان في معناه مما مات أو كان حراماً بغير ذلك، واسمه تعالى منزه عن أن يذكر على غير الحلال، فإن ذكر عليه كان ملاعباً فلم يطهره، وأما ما كان حلالاً ولم يذكر عليه اسم الله ولا غيره فهو حلال -كما في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: قالوا: يا رسول الله! إن هنا أقواماً حديث عهد بشرك يأتوننا بلحمان لا ندري يذكرون اسم الله أم لا! قال:"اذكروا أنتم اسم الله وكلوا" قال البغوي: ولو كانت التسمية شرطاً للإباحة لكان الشك في وجودها مانعاً من أكلها كالشك في أصل الذبح- انتهى.

ولما كان التقدير: فإنه خبيث في نفسه مخبث، عطف عليه قوله: {وإنه} أي الأكل منه أو هو نفسه لكونه السبب {لفسق} فجعله نفس الفسق -وهو الخروج عما ينبغي إلى ما لا ينبغي- لأنه عريق جداً في كونه سببه لما تأصل عندهم من أمره وانتشر من شره، وهذا دليل على ما أولت به لأن النسيان ليس بسبب الفسق، والذي تركت التسمية عليه نسياناً ليس بفسق، والناسي ليس بفاسق -كما قاله البخاري، وإلى ذلك الإشارة بما رواه عن عائشة رضي الله عنها أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوماً يأتونّا باللحم، لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا! فقال:

"سموا عليه أنتم وكلوه"، قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر- انتهى. فهذا كله يدل على أن المراد إنما هو كونه مما يحل ذبيحته، وليس المراد اشتراط التسمية بالفعل.

ولما كانت الشبه ربما زلزلت ثابت العقائد، قال محذراً منها: {وإن الشياطين} أي أخابث المردة من الجن والإنس البعيدين من الخير المهيئين للنشر المحترقين باللعنة من مردة الجن والإنس {ليوحون} أي يوسوسون وسوسة بالغة سريعة {إلى أوليائهم} أي المقاربين لهم في الطباع المهيئين لقبول كلامهم {ليجادلوكم} أي ليفتلوكم عما أمركم به بأن يقولوا لكم: ما قتله الله أحق بالأكل مما قتلتموه أنتم وجوارحكم -ونحو ذلك، وأهل الحرم لا ينبغي أن يقفوا في غيره، والغريب لا ينبغي أن يساويهم في الطواف في ثيابه، والنذر للأصنام كالنذر للكعبة، ونحو هذا من خرافاتهم التي بنوا أمرهم فيها على الهوى الذي هم معترفون بأنه مضل مضر، ومبالغون في الذم باتباعه والميل إليه، ويكفي في هدم جميع شبههم إجمالاً أن صاحب الدين ومالك الملك منع منها.

ولما كان التقدير: فإن أطعتموهم تركتم الهدى وتبعتم الهوى، وكان من المعلوم أن الهوى يعود إلى الشرك، عطف على هذا قوله: {وإن أطعتموهم} أي المشركين تديناً بما يقولونه في ترك الأكل مما ذكر اسم الله عليه والأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، أو في شيء مما جادلوكم فيه {إنكم لمشركون} أي فأنتم وهم في الإشراك سواء كما إذا سميتم غير الله على ذبائحكم على وجه العبادة، لأن من اتبع أمر غير الله فقد اشركه بالله

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} أمر الله تعالى بالأكل مما ذكر اسمه عليه في مقام بيان ضلال المشركين وإضلالهم بأكل ما ذكر اسم غيره عليه، ثم صرح بالمفهوم المراد من ذلك الأمر، ولم يكتف بدلالة السياق على القصر لشدة العناية بهذا الأمر الذي هو من أظهر أعمال الشرك، أي ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه من الذبائح عند تزكيته والحال أنه لفسق أهل به لغيره كما قال في آية المحرمات {أو فسقا أهل لغير الله به} (الأنعام 145} فالآية لا تدل على تحريم كل ما لم يذكر اسم الله عليه من الذبائح فضلا عن غيرها من الأطعمة خلافا لمن قال بهذا وذاك لأنها خاصة بتلك القرابين الدينية وأمثالها بقرينة السياق كما تقدم شرحه وبدليل تقييد النهي بالجملة الحالية كما حققه السعد التفتازاني ويؤيده قوله: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} أي وإن شياطين الإنس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ليوحون إلى أوليائهم بالوسوسة والتلقين الخادع الخفي ما يجادلونكم به من الشبهات في هذه المسألة وإن أطعتموهم فيها فجاريتموهم في هذه العبادة الوثنية الباطلة إنكم لمشركون مثلهم وإن كان لأجل التسول بذلك الغير إليه ليقرب المتوسل إليه زلفى ويشفع له عنده كما يفعل أهل الوثنية. ومن المعلوم أن أولياء الشياطين لم يجادلوا أحدا من المؤمنين فيما لم يذكر اسم الله ولا اسم غيره عليه من الذبائح المعتادة التي لا يقصد بها العبادة وأن من يأكل هذه الذبائح لا يكون مشركا وكذلك من يأكل الميتة لا يكون مشركا بل يكون عاصيا إن لم يكن مضطرا وإن كان قد وقع الجدال في هذه...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

... لمّا كانت الآية السّابقة قد أفادت إباحة أكل ما ذكر اسمُ الله عليه، وأفهمت النّهيَ عمَّا لم يذكر اسم الله عليه، وهو الميتة، وتَمّ الحكم في شأن أكل الميتة والتفرقةُ بينها وبين ما ذُكّي وذُكر اسم الله عليه، ففي هذه الآية أفيد النّهي والتّحذير من أكل ما ذُكر اسم غيرِ الله عليه. فمعنى: {لم يذكر اسم الله عليه}: أنَّه تُرِك ذكر اسم الله عليه قصداً وتجنّبا لذكره عليه، ولا يكون ذلك إلاّ لقصد أن لا يكون الذّبح لله، وهو يساوي كونه لغير الله، إذ لا واسطة عندهم في الذكاة بين أن يذكروا اسم الله أو يذكروا اسم غير الله، كما تقدّم بيانه عند قوله: {فكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 118]. وممّا يرشّح أنّ هذا هو المقصود قولُه هنا: {وإنه لفسق} وقوله في الآية الآتية: {أو فِسْقا أهِلّ لغير الله به} [الأنعام: 145]، فعلم أنّ الموصوف بالفسق هنا: هو الّذي وصف به هنالك، وقيد هنالك بأنَّه أُهلّ لغير الله به، وبقرينة تعقيبه بقوله: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} لأنّ الشّرك إنَّما يكون بذكر أسماء الأصنام على المذكَّى، ولا يكون بترك التّسمية.

وربّما كان المشركون في تَحيّلهم على المسلمين في أمر الذكاة يقتنعون بأن يسألوهم ترك التّسمية، بحيث لا يُسمّون الله ولا يسمّون للأصنام، فيكون المقصود من الآية: تحذير المسلمين من هذا التّرك المقصود به التمويه، وأن يسمّى على الذّبائح غيرُ أسماء آلهتهم.

فإن اعتددنا بالمقصد والسّياق، كان اسم الموصول مراداً به شيء معيّن، لم يذكر اسم الله عليه، فكان حكمها قاصراً على ذلك المعيّن، ولا تتعلّق بها مسألةُ وجوب التّسمية في الذكاة، ولا كونها شرطاً أو غير شرط بله حكم نسيانها. وإن جعلنا هذا المقصد بمنزلة سبب للنّزول، واعتددنا بالموصول صادقاً على كلّ ما لم يذكر اسم الله عليه، كانت الآية من العامّ الوارد على سبب خاصّ، فلا يخصّ بصورة السّبب، وإلى هذا الاعتبار مال جمهور الفقهاء المختلفين في حكم التّسمية على الذّبيحة...