غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقٞۗ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِهِمۡ لِيُجَٰدِلُوكُمۡۖ وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ} (121)

111

{ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } نقل عن عطاء أنه قال : كل ما لم يذكر اسم الله تعالى عليه من طعام أو شراب فهو حرام تمسكاً بعموم الآية . وأجمع سائر الفقهاء على تخصيص هذا العموم بالذبح ، ثم اختلفوا فمالك : كل ذبح لم يذكر اسم الله تعالى عليه فهو حرام ، ترك الذكر عمداً أو نسياناً وهو قول ابن سيرين وطائفة من المتكلمين . أبو حنيفة : إن ترك عمداً حرام وإن ترك نسياناً حل . الشافعي : متروك التسمية عمداً وسهواً حلال إذا كان الذابح مسلماً لقوله تعالى : { وإنه لفسق } والضمير عائد إلى الأكل الذي دل عليه الفعل أو إلى الموصول على أنه في نفسه فسق مثل «رجل عدل » أو على تقدير حذف المضاف أي وإن أكله لفسق . وقد أجمع المسلمون على أنه لا يفسق بأكل ذبيحة المسلم الذي ترك التسمية ولقوله تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } وهذه المناظرة كانت في مسألة الميتة ؛ وذلك أن المشركين قالوا : يا محمد أخبرنا عن الشاة من قتلها إذا ماتت ؟ قال : الله قتلها ، قالوا : فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال ، وما قتل الكلب والصقر حلال ، وما قتله الله حرام ؟ فأنزل الله الآية ، فالمراد من الشياطين هاهنا إبليس وجنوده وسوسوا إلى أوليائهم من المشركين ليخاصموا محمداً وأصحابه في أكل الميتة . وقال عكرمة : وإن الشياطين - يعني مردة المجوس - ليوحون إلى أوليائهم من مشركي قريش . وذلك أنه لما نزل تحريم الميتة سمعه المجوس من أهل فارس فكتبوا إلى قريش وكانت بينهم مكاتبة أن محمداً وأصحابه يزعمون أن ما يذبحونه حلال وأن ما يذبحه الله حرام ، فوقع في أنفس ناس من المسلمين شيء فنزلت الآية . ثم قال : { وإن أطعتموهم } يعني في استحلال الميتة { إنكم لمشركون } قال الزجاج : وفيه دليل على أن كل من أحل شيئاً مما حرم الله تعالى أو حرم شيئاً مما أحل الله فهو مشرك لأنه أثبت حاكماً سوى الله تعالى . ثم قال الشافعي : الفسق في آية أخرى ، وهي قوله : { قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً } [ الأنعام : 145 ] إلى قوله : { أو فسقاً أهل لغير الله } مفسر بما أهل به لغير الله فعلمنا أن الفسق في هذه الآية أيضاً مفسر به نزلنا عن هذا المقام وهو التمسك بالمخصصات ، فلم قلتم إنه لم يوجد ذكر الله هاهنا لما روي أنه صلى الله عليه وآله قال : «ذكر الله مع المسلم سواء قال أو لم يقل » فيحمل هذا الذكر على ذكر القلب . أو نقول : هب أن هذا الدليل يوجب الحرمة إلا أن معنا ما يدل على الحل ، وإذا تعارض الحل والحرمة فالحل راجح لأن الأصل في الأشياء الإباحة وللعمومات الدالة على الحل كقوله : { خلق لكم ما في الأرض جميعاً } [ البقرة : 29 ] { وكلوا واشربوا } [ الطور : 19 ] ولأنه مستطاب وقد قال : { أحل لكم الطيبات } [ المائدة : 4 ] ، ولأن الطبع يميل إليه وقد نهى عن إضاعة المال ، هذا تقرير مذهب الشافعي ومع ذلك فالأولى بالمسلم أن يحترز عنه لقوة ظاهر النص . قال الكعبي : في الآية دلالة على أن الإيمان اسم لجميع الطاعات لأنه تعالى سمى مخالفته شركاً . وأجيب بأنه لم لا يجوز أن يراد بالشرك هاهنا اعتقاد أن لله شريكاً في الحكم .

/خ121