المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

7- ما رده الله على رسوله من أموال أهل القرى بغير إيجاف خيل أو ركوب ، فهو لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ؛ كيلا تكون الأموال متداولة بين الأغنياء منكم خاصة ، وما جاءكم به الرسول من الأحكام فتمسكوا به ، وما نهاكم عنه فاتركوه ، واجعلوا لكم وقاية من غضب الله . إن الله شديد العقاب .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

قوله عز وجل : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } يعني من أموال كفار أهل القرى ، قال ابن عباس : هي قريظة والنضير وفدك وخيبر وقرى عرينة ، { فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } ، قد ذكرنا في سورة الأنفال حكم الغنيمة وحكم الفيء . إن مال الفيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته يضعه حيث يشاء وكان ينفق منه على أهله نفقة سنتهم ويجعل ما بقي مجعل الله . واختلف أهل العلم في مصرف الفيء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال قوم : هو للأئمة بعده ، وللشافعي فيه قولان : أحدهما- هو للمقاتلة ، والثاني : لمصالح المسلمين ، ويبدأ بالمقاتلة ثم بالأهم فالأهم من المصالح . واختلفوا في تخميس مال الفيء : فذهب بعضهم إلى أنه يخمس ، فخمسه لأهل الغنيمة ، وأربعة أخماسه للمقاتلة وللمصالح ، وذهب الأكثرون إلى أنه لا يخمس بل مصرف جميعه واحد ، ولجميع المسلمين فيه حق ، قرأ عمر بن الخطاب :{ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى }( الحشر 7-12 ) ، حتى بلغ : { للفقراء المهاجرين والذين جاؤوا من بعدهم } ثم قال : هذه استوعبت المسلمين عامة ، وقال : ما على وجه الأرض مسلم إلا له في هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم . { كيلا يكون دولةً } قرأ العامة بالياء دولة نصب أي لكيلا يكون الفيء دولة ، وقرأ أبو جعفر : تكون بالتاء " دولة " بالرفع على اسم كان ، أي : كيلا يكون الأمر إلى دولة ، وجعل الكينونة بمعنى الوقوع وحينئذ لا خبر له . والدولة اسم للشيء الذي يتداوله القوم بينهم ، { بين الأغنياء منكم } يعني بين الرؤساء والأقوياء ، معناه كيلا يكون الفيء دولة بين الأغنياء والأقوياء فيغلبوا عليه الفقراء والضعفاء ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا اغتنموا غنيمة أخذ الرئيس ربعها لنفسه ، وهو المرباع ، ثم يصطفي منها بعد المرباع ما شاء ، فجعله الله لرسوله صلى الله عليه وسلم يقسمه فيما أمر به ، ثم قال : { وما آتاكم } أعطاكم ، { الرسول } من الفيء والغنيمة ، { فخذوه وما نهاكم عنه } من الغلول وغيره ، { فانتهوا } وهذا نازل في أموال الفيء ، وهو عام في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : ( لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ) ، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ، فجاءت فقالت : إنه بلغني أنك كيت وكيت ، فقال : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالى ؟ فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول : قال : لئن كنت قرأته لقد وجدته أما قرأت : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }( الحشر- 7 ) ؟ قالت : بلى ، قال : فإنه قد نهى عنه . { واتقوا الله إن الله شديد العقاب } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

وحكمه العام ، كما ذكره الله في قوله : { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } عموما ، سواء أفاء الله في وقت رسوله أو بعده ، لمن يتولى من بعده أمته{[1034]}

{ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } وهذه الآية نظير الآية التي في سورة الأنفال ، في{[1035]}  قوله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } .

فهذا الفيء يقسم خمسة أقسام :

خمس لله ولرسوله يصرف في مصالح المسلمين [ العامة ] ، وخمس لذوي القربى ، وهم : بنو هاشم وبنو المطلب ، حيث كانوا يسوى [ فيه ] بين ، ذكورهم وإناثهم ، وإنما دخل بنو المطلب في خمس الخمس ، مع بني هاشم ، ولم يدخل بقية بني عبد مناف ، لأنهم شاركوا بني هاشم في دخولهم الشعب ، حين تعاقدت قريش على هجرهم وعداوتهم{[1036]}  فنصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بخلاف غيرهم ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ، في بني عبد المطلب : " إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام "

وخمس لفقراء اليتامى ، وهم : من لا أب له ولم يبلغ ، وخمس للمساكين ، وسهم لأبناء السبيل ، وهم الغرباء المنقطع بهم في غير أوطانهم .

وإنما قدر الله هذا التقدير ، وحصر الفيء في هؤلاء المعينين ل { كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً } أي : مدوالة واختصاصا { بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ } فإنه لو لم يقدره ، لتداولته الأغنياء الأقوياء ، ولما حصل لغيرهم من العاجزين منه شيء ، وفي ذلك من الفساد ، ما لا يعلمه إلا الله ، كما أن في اتباع أمر الله وشرعه من المصالح ما لا يدخل تحت الحصر ، ولذلك أمر الله بالقاعدة الكلية والأصل العام ، فقال : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } وهذا شامل لأصول الدين وفروعه ، ظاهره وباطنه ، وأن ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به واتباعه ، ولا تحل مخالفته ، وأن نص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى ، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه ، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله ، ثم أمر بتقواه التي بها عمارة القلوب والأرواح [ والدنيا والآخرة ] ، وبها السعادة الدائمة والفوز العظيم ، وبإضاعتها الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي ، فقال : { وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } على من ترك التقوى ، وآثر اتباع الهوى .


[1034]:- في ب: سواء كان في وقت الرسول أو بعده على من تولى من بعده من أمته.
[1035]:- في ب: وهي.
[1036]:- كذا في ب، وفي أ: حين تعاقد على هجرهم قريش وعداوتهم.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (7)

ثم قال : { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } أي : جميع البلدان التي تُفتَح هكذا ، فحكمها حكم أموال بني النضير ؛ ولهذا قال :{ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ } إلى آخرها والتي بعدها . فهذه مصارفُ أموال الفيء ووجوهه .

قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن عمرو ومَعْمَر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان ، عن عمر ، رضي الله عنه ، قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله إلى رسوله مما لم يُوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة{[28539]} فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته{[28540]} - وقال مَرّة : قوت{[28541]} سنته - وما بقي جعله في الكُرَاع والسلاح في سبيل الله ، عز وجل ، هكذا أخرجه أحمد هاهنا مختصرًا ، وقد أخرجه الجماعة في كتبهم - إلا ابن ماجة - من حديث سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن الزهري ، به{[28542]} وقد رويناه مطولا فقال أبو داود ، رحمه الله :

حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس - المعنى واحد - قالا حدثنا بشرِ بن عُمَر الزهراني ، حدثني مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن مالك بن أوس قال : أرسل إلىَّ عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، حين تعالى النهار ، فجئته فوجدته جالسًا على سرير مُفضيًا إلى رُماله ، فقال حين دخلت عليه : يا مال ، إنه قد دَفّ أهل أبيات{[28543]} من قومك ، وقد أمرت فيهم بشيء ، فاقسم فيهم . قلت : لو أمرتَ غيري بذلك ؟ فقال : خذه ، فجاءه {[28544]} يرفأ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هل لك في عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ؟ فقال : نعم . فأذن لهم فدخلوا ، ثم جاءه يرفا فقال : يا أمير المؤمنين ، هل لك في العباس وعلي ؟ قال : نعم . فأذن لهم فدخلوا ، فقال العباس : يا أمير المؤمنين ، اقض بيني وبين هذا - يعني : عليًا - فقال بعضهم : أجل يا أمير المؤمنين ، اقض بينهما وأرحهما . قال مالك بن أوس : خُيّل إليَّ أنهما قَدّما أولئك النفر لذلك . فقال عمر ، رضي الله عنه : اتئدا ، ثم أقبل على أولئك الرهط فقال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا نُورَث ، ما تركنا صدقة ) . قالوا : نعم ، ثم أقبل على عليّ والعباس فقال : أنشدُكُما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا نورث ، ما تركنا صدقة ) ، فقالا نعم . فقال : فإن الله خص رسوله بخاصة لم يخص بها أحدًا من الناس ، فقال :{ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فكان الله أفاء إلى رسوله أموال بني النضير ، فوالله ما استأثر بها عليكم ولا أحرزها دونكم ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منها نفقة سنة - أو : نفقته ونفقة أهله سنة - ويجعل ما بقي أسوة المال . ثم أقبل على أولئك الرهط فقال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض : هل تعلمون ذلك ؟ قالوا : نعم . ثم أقبل على عليٍّ والعباس فقال : أنشدُكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض : هل تعلمان ذلك ؟ قالا نعم . فلما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر : ( أنا وليّ رسول الله ) ، فجئت أنتَ وهذا إلى أبي بكر ، تطلب أنت ميراثك عن ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ، فقال أبو بكر ، رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا نورث ، ما تركنا صدقة ) ، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق . فوليها أبو بكر ، فلما توفي قلتُ : أنا وَلِيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ووليّ أبي بكر ، فَوليتها ما شاء الله أن أليها ، فجئت أنت وهذا ، وأنتما جَميع وأمركما واحد ، فسألتمانيها ، فقلت : إن شئتما فأنا أدفعها إليكما على أنّ عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يليها ، فأخذتماها مني على ذلك ، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك . والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عَجَزتُما عنها فَرُدّاها إلي .

أخرجوه من حديث الزهري ، به{[28545]} . وقال الإمام أحمد :

حدثنا عارم وعفان قالا حدثنا معتمر ، سمعت أبي يقول : حدثنا أنس بن مالك ، عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل كان يجعل له من ماله النخلات ، أو كما شاء الله ، حتى فُتحَت عليه قريظة والنضير . قال : فجعل يَرُدّ بعد ذلك ، قال : وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله الذي كان أهله أعطوه أو بعضه ، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أمّ أيمن ، أو كما شاء الله ، قال : فسألتُ النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيهن ، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوبَ في عنقي وجعلت تقول : كلا والله الذي لا إله إلا هو لا يُعطيكَهُنّ وقد أعطانيهن ، أو كما قالت ، فقال نبي الله : " لك كذا وكذا " . قال : وتقول :

كلا والله ، قال ويقول : " لك كذا وكذا " . قال : وتقول : كلا والله . قال : " ويقول : لك كذا وكذا " . قال : حتى أعطاها ، حسبت أنه قال : عشرة أمثال أو قال قريبًا من عشرة أمثاله ، أو كما قال . رواه البخاري ومسلم من طُرُق عن معتمر ، به{[28546]} .

وهذه المصارف المذكورة في هذه الآية هي المصارف المذكورة في خُمس الغَنيمة . وقد قدمنا الكلام عليها في سورة " الأنفال " بما أغنى عن إعادته هاهنا ، ولله الحمد{[28547]} .

وقوله : { كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ } أي : جعلنا هذه المصارف لمال الفيء لئلا يبقى مأكلة يتغلب عليها الأغنياء ويتصرفون فيها ، بمحض الشهوات والآراء ، ولا يصرفون منه شيئًا إلى الفقراء .

وقوله : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } أي : مهما أمركم به فافعلوه ، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه ، فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن العوفي ، عن يحيى بن الجزار ، عن مسروق قال : جاءت امرأة إلى ابن مسعود فقالت : بلغني أنك تنهى عن الواشمة والواصلة ، أشيء وجدته في كتاب الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : بلى ، شيء وجدته في كتاب الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف فما وجدت فيه الذي تقول ! . قال : فما وجدت فيه : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ؟ قالت : بلى . قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الواصلة والواشمة والنامصة . قالت : فلعله في بعض أهلك . قال : فادخلي فانظري . فدخلت فَنَظرت ثم خرجَت ، قالت : ما رأيتُ بأسا ، فقال لها : أما حفظت وصية العبد الصالح : { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، [ عن إبراهيم ]{[28548]} عن علقمة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والمتنمصات ، والمُتفَلجات للحُسْن ، المغيرات خلق الله ، عز وجل . قال : فبلغ امرأة في البيت يقال لها : " أم يعقوب " ، فجاءت إليه فقالت : بلغني أنك قلت كيتَ وكيتَ . قال : ما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وفي كتاب الله . فقالت : إني لأقرأ ما بين لوحيه فما وجدته . فقال : إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه . أما قرأت : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ؟ قالت : بلى . قال : فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه . قالت : [ إني ]{[28549]} لأظن أهلك يفعلونه . قال : اذهبي فانظري .

فذهَبت فلم تر من حاجتها شيئا ، فجاءت فقالت : ما رأيتُ شيئًا . قال : لو كانت كذلك لم تُجَامعنا . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث سفيان الثوري{[28550]} .

وقد ثبت في الصحيحين أيضًا عن أبي هُرَيرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " . {[28551]} .

وقال النسائي : أخبرنا أحمد بن سعيد ، حدثنا يزيد ، حدثنا منصور بن حيان ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عُمَر وابن عباس : أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن الدُّباء والحَنْتَم والنَّقير والمزَفَّت ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } {[28552]} .

وقوله : { وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } أي : اتقوه في امتثال أوامره وترك زواجره ؛ فإنه شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه ، وارتكب ما عنه زجره ونهاه .


[28539]:- (3) في م: "خاصة".
[28540]:- (4) في م: "سنة".
[28541]:- (5) في أ: "مسيرة".
[28542]:- (6) المسند (1/25) وصحيح البخاري برقم (4885) وصحيح مسلم برقم (1757) وسنن أبي داود برقم (2965) وسنن الترمذي برقم (1719) وسنن النسائي الكبرى برقم (11575).
[28543]:- (7) في أ: "أهل بنات".
[28544]:- (8) في م: "فجاء".
[28545]:- (1) سنن أبي داود برقم (2963) وصحيح البخاري برقم (3094) وصحيح مسلم برقم (1757) وسنن النسائي (7/136) وسنن الترمذي برقم (1610).
[28546]:- (1) المسند (3/219) وصحيح البخاري برقم (3128، 4030، 4120) وصحيح مسلم برقم (1771).
[28547]:- (2) في أ: "ولله الحمد والمنة".
[28548]:-(3) زيادة من مسند الإمام أحمد والبخاري ومسلم.
[28549]:- (4) زيادة من م، أ، والمسند.
[28550]:- (1) المسند (1/433) وصحيح البخاري برقم (4887) وصحيح مسلم برقم (2125).
[28551]:- (2) صحيح البخاري برقم (7288) وصحيح مسلم برقم (1337).
[28552]:-(3) سنن النسائي الكبرى برقم (11578).