قوله تعالى : { أم يحسدون الناس } ، يعني : اليهود ، ويحسدون الناس قال قتادة : المراد بالناس العرب ، حسدهم اليهود على النبوة ، وما أكرمهم الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : أراد محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وقال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وجماعة : المراد بالناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده ، حسدوه على ما أحل الله له من النساء ، وقالوا : ما له هم إلا النكاح ، وهو المراد من قوله : { على ما آتاهم الله من فضله } وقيل : حسدوه على النبوة ، وهو المراد من الفضل المذكور في الآية .
قوله تعالى : { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة } ، أراد بآل إبراهيم داود وسليمان ، وبالكتاب : ما أنزل الله إليهم ، وبالحكمة النبوة .
قوله تعالى : { وآتيناهم ملكاً عظيماً } . فمن فسر الفضل بكثرة النساء ، فسر الملك العظيم في حق داود وسليمان عليهما السلام بكثرة النساء ، فإنه كان لسليمان ألف امرأة ، ثلاثمائة حرة ، وسبعمائة سرية ، وكان لداود مائة امرأة ، ولم يكن يومئذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسع نسوة ، فلما قال لهم ذلك سكتوا .
{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } أي : هل الحامل لهم على قولهم كونهم شركاءَ لله فيفضلون من شاءوا ؟ أم الحامل لهم على ذلك الحسدُ للرسول وللمؤمنين على ما آتاهم الله من فضله ؟ وذلك ليس ببدع ولا غريب على فضل الله . { فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } وذلك ما أنعم الله به على إبراهيم وذريته من النبوة والكتاب والملك الذي أعطاه من أعطاه من أنبيائه ك " داود " و " سليمان " . فإنعامه لم يزل مستمرًا على عباده المؤمنين . فكيف ينكرون إنعامه بالنبوة والنصر والملك لمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأجلهم وأعظمهم معرفة بالله وأخشاهم له ؟ "
( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ؟ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة ، وآتيناهم ملكا عظيما )
أم لعله حسد . . حسد رسول الله [ ص ] والمسلمين على ما آتاهم الله من فضله . . من هذا الدين الذي أنشأهم نشأة أخرى ووهب لهم ميلادا جديدا ، وجعل لهم وجودا إنسانيا متميزا ؛ ووهبهم النور والثقة والطمأنينة واليقين ؛ كما وهبهم النظافة والطهر ، مع العز والتمكين ؟
وإنه فعلا للحسد من يهود . مع تفويت أطماعها في السيادة الأدبية والاقتصادية على العرب الجاهلين المتفرقين المتخاصمين . . يوم أن لم يكن لهم دين . .
ولكن لماذا يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله من النبوة والتمكين في الأرض ؟ وهم غارقون في فضل الله من عهد إبراهيم . . الذي آتاه الله وآله الكتاب والحكمة - وهي النبوة - وآتاهم الملك كذلك والسيادة . وهم لم يرعوا الفضل ولم يحتفظوا بالنعمة ، ولم يصونوا العهد القديم ، بل كان منهم فريق من غير المؤمنين . ومن يؤت هذا الفضل كله لا يليق أن يكون منهم جاحدون كافرون !
( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما . فمنهم من آمن به ، ومنهم من صد عنه ) .
إنه لمن ألأم الحسد : أن يحسد ذو النعمة الموهوب ! لقد يحسد المحروم ويكون الحسد منه رذيلة ! أما أن يحسد الواجد المغمور بالنعمة ، فهذا هو الشر الأصيل العميق ! شر يهود ! المتميز الفريد !
وقوله تعالى : { أم يحسدون الناس } الآية ، { أم } هذه على بابها ، لأن الاستفهام الذي في تقديرنا ، < بل لهم> قد تقدمها . واختلف المتأولون في المراد ب { الناس } في هذا الموضع ، فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والسدي والضحاك ، هو النبي عليه السلام ، والفضل النبوة فقط ، والمعنى فلمَ يخصونه بالحسد ولا يحسدون آل إبراهيم في جميع ما آتيناهم من هذا وغيره من الملك ؟ وقال ابن عباس والسدي أيضاً : هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والفضل ما أبيح له من النساء فقط ، وسبب الآية عندهم ، أن اليهود قالت لكفار العرب : انظروا إلى هذا الذي يقول : إنه بعث بالتواضع ، وإنه لا يملأ بطنه طعاماً ، ليس همه إلا في النساء ، ونحو هذا ، فنزلت الآية ، والمعنى فلمَ يخصونه بالحسد ولا يحسدون آل إبراهيم ؟ صلى الله عليه وسلم يعني سليمان وداود عليهما السلام في أنهما أعطيا النبوة والكتاب ، وأعطيا مع ذلك ملكاً عظيماً ، في أمر النساء ، وهو ما روي أنه كان لسليمان سبعمائة امرأة ، وثلاثمائة سرية ، ولداود مائة امرأة ، ونحو هذا من الأخبارالواردة في ذلك ، فالملك في هذا القول إباحة النساء ، كأنه المقصود أولاً بالذكر ، وقال قتادة : { الناس } في هذا الموضع : العرب ، حسدتها بنو إسرائيل في أن كان النبي عليه السلام منها ، «والفضل » على هذا التأويل : هو محمد عليه السلام ، فالمعنى : لم يحسدون العرب على هذا النبي صلى الله عليه وسلم وقد أوتي آل إبراهيم صلى الله عليه وسلم - وهم أسلافهم - أنبياء وكتباً ، كالتوراة والزبور ، { وحكمة } وهي الفهم في الدين وما يكون من الهدى مما لم ينص عليه الكتاب ، وروي عن ابن عباس أنه قال : «نحن الناس » يريد قريشاً ، { وملكاً عظيماً } : أي ملك سليمان ، قاله ابن عباس : وقال مجاهد : الملك العظيم في الآية هو النبوة ، وقال همام بن الحارث وأبو مسلمة : هو التأييد بالملائكة .
قال القاضي أبو محمد : والأصوب أنه ملك سليمان أو أمر النساء في التأويل المتقدم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.