فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَمۡ يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ فَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ ءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَيۡنَٰهُم مُّلۡكًا عَظِيمٗا} (54)

{ أم } منقطعة مفيدة للانتقال عن توبيخهم بأمر إلى توبيخهم بآخر أي بل { يحسدون الناس } يعني اليهود يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم فقط

فهو عام أريد به الخاص وأطلق عليه لفظ الناس لأنه جمع كل الخصال الحميدة التي تفرقت في الناس على حد قول القائل : أنت الناس كل الناس أيها الرجل .

وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد

أو يحسدونه هو وأصحابه وأصل الحسد تمني زوال النعمة عمن هو مستحق لها ، وربما يكون ذلك مع سعي في زوالها وهو أقبح مما قبلها لأن البخل منع لما في أيديهم ، والحسد منع لما عند الله واعتراض عليه ، والاستفهام للإنكار أي لا ينبغي ذلك .

{ على ما آتاهم الله من فضله } من النبوة والنصر وقهر الأعداء ، وقيل حسدوه على ما أحل الله له من النساء ، وكانت له يومئذ تسع نسوة والأول أولى .

{ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة } هذا إلزام لليهود بما يعترفون به ولا ينكرونه وهو مسلم عندهم أي ليس ما آتينا محمدا وأصحابه من فضلنا بأبدع حتى تحسدهم اليهود على ذلك فهم يعلمون بما آتينا آل إبراهيم وهم أسلاف محمد صلى الله عليه سلم وأبناء وأعمامه .

وفيه حسم لمادة حسدهم واستبعادهم المبنيين على توهم عدم استحقاق المحسود ما أوتيه من الفضل ببيان استحقاقه له بطريق الوراثة كابرا عن كابر ، وإجرام الكلام على سنن الكبرياء بطريق الالتفات لإظهار كمال العناية بالأمر ، وقد تقدم تفسير الكتاب والحكمة يعني التوراة والنبوة وقد حصل في آل إبراهيم جماعة كثيرة جمعوا بين الملك والنبوة مثل داود وسليمان .

{ وآتيناهم ملكا عظيما } فلم يشغلهم ذلك عن أمر النبوة ، ومن فسر الفضل بكثرة النساء قال : الملك العظيم في حق داود وسليمان بكثرة النساء ، فإنه كان لداود مائة امرأة ولسليمان ألف امرأة ثلاثمائة حرة وسبعمائة سرية ، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ إلا تسع نسوة ، وقيل هو ملك سليمان واختاره ابن جرير وهو الأولى{[488]} .


[488]:قال ابن جرير8/479: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول قتادة وابن جريج الذي ذكرناه قبل، أن معنى "الفضل" في هذا الموضع: النبوة التي فضل الله بها محمدا، وشرف بها العرب، إذ أتاها رجلا منهم دون غيرهم، لما ذكرنا من أن الأدلة ظاهر هذه الآية تدل على أنها تفريط للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، رحمة الله عليهم، على ما قد بينا قبل، وليس النكاح وتزويج النساء وإن كان من فضل الله جل ثناؤه الذي أتاه عباده بتقريظ لهم ومدح.