{ أمْ يَحْسُدُونَ الناس } منقطعةٌ أيضاً مفيدةٌ للانتقال من توبيخهم بما سبق إلى توبيخهم بالحسد الذي هو شرُّ الرذائلِ وأقبحُها لاسيما على ما هم بمعزل من استحقاقه ، واللام في الناس للعهد والإشارةِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وحملُه على الجنس -إيذاناً بحيازتهم للكمالات البشريةِ قاطبةً فكأنهم هم الناسُ لا غيرُ لا يلائمه ذكرُ حديثِ آلِ إبراهيمَ فإن ذلك لتذكير ما بين الفريقين من العلاقة الموجبةِ لاشتراكهما في استحقاق الفضلِ ، والهمزةُ لإنكار الواقعِ واستقباحِه فإنهم كانوا يطمعون أن يكون النبيُّ الموعودُ منهم فلما خصَّ الله تعالى بتلك الكرامةِ غيرَهم حسدوهم أي بل أيحسُدونهم { على مَا آتاهم الله مِن فَضْلِهِ } يعني النبوةَ والكتابَ وازديادَ العزِّ والنصرِ يوماً فيوماً ، وقولُه تعالى : { فَقَدْ آتَيْنَا } تعليلٌ للإنكار والاستقباحِ وإلزامٌ لهم بما هو مُسلَّمٌ عندهم وحسمٌ لمادة حسَدِهم واستبعادِهم المبنيَّيْن على توهّم عدمِ استحقاقِ المحسودِ لِما أوتيَ من الفضل ببيان استحقاقِه له بطريق الوراثةِ كابراً عن كابر ، وإجراءُ الكلامِ على سَنن الكبرياءِ بطريق الالتفاتِ لإظهار كمالِ العنايةِ بالأمر ، والمعنى أن حسدَهم المذكورَ في غاية القبحِ والبُطلانِ فإنا قد آتينا من قبلِ هذا { آل إبراهيم } الذين هم أسلافُ محمدٍ عليه الصلاة والسلام أو أبناءُ أعمامِه { الكتاب والحكمة } أي النبوة { وآتيناهم } مع ذلك { مُلْكاً عَظِيماً } لا يقادَر قدرُه فكيف يستبعدون نبوتَه عليه الصلاة والسلام ويحسُدونه على إيتائها ، وتكريرُ الإيتاءِ لما يقتضيه مقامُ التفضيلِ مع الإشعار بما بين النبوةِ والمُلكِ من المغايرة ، فإن أريد به الإيتاءُ بالذات فالمرادُ بآل إبراهيمَ أنبياؤهم خاصة ، والضميرُ المنصوبُ في الفعل الثاني لبعضهم إما بحذف المضافِ أو بطريق الاستخدامِ لما أن المُلكَ لم يُؤتَ كلَّهم . قال ابن عباس رضي الله عنهما : الملكُ في آل إبراهيمَ مُلكُ يوسفَ وداودَ وسليمانَ عليهم السلام إن أريد به ما يعُمّه وغيرَه من الإيتاء بالواسطةِ وهو اللائقُ بالمقام والأوفقُ لما قبله من نسبة إيتاءِ الفضلِ إلى الناس ، فالمرادُ بآل إبراهيمَ كلُّهم فإن تشريفَ البعضِ بما ذُكر من إيتاء النبوةِ والمُلكِ تشريفٌ للكل لاعتنائهم بآثاره واقتباسِهم من أنواره ، وفي تفصيل ما أُوتوه وتكريرِ الفعلِ ووصفِ المُلكِ بالعِظَم وتنكيرِه التفخيميِّ -مع تأكيد الإلزامِ وتشديدِ الإنكارِ- ما لا يخفى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.