لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{أَمۡ يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ فَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ ءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَيۡنَٰهُم مُّلۡكًا عَظِيمٗا} (54)

قوله عز وجل : { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله } أصل الحسد تمني زوال النعمة عمن هو مستحق لها وربما يكون ذلك مع سعي في زوالها وصف الله اليهود بشر خصلة وهي الحسد والمراد بالناس محمد صلى الله عليه وسلم وحده وإنما جاز أن يقع عليه لفظ الجمع وهو واحد لأنه صلى الله عليه وسلم اجتمع فيه من خصال الخير والبركة ما لا يجتمع مثله في جماعة ومن هذا القبيل يقال فلان أمة وحده يعني أن يقوم مقام أمة ، وقيل المراد بالناس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأن لفظ الناس جمع وحمله على الجمع أولى والمراد بالفضل النبوة لأنها أعظم المناصب وأشرف المراتب ، وقيل حسدوه على ما أحلّ الله له من النساء وكان له يومئذٍ تسع نسوة . فقالت اليهود لو كان نبياً لشغله أمر النبوة عن الاهتمام بأمر النساء فأكذبهم الله تعالى ورد عليهم بقوله { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة } يعني أنه قد حصل في أولاد إبراهيم صلى الله عليه وسلم جماعة كثيرون جمعوا بين الملك والنبوة مثل داود وسليمان عليهما السلام فلم يشغلهم الملك عن أمر النبوة والمعنى كيف يحسدون محمداً صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله وقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وأنتم لا تحسدونهم . والمراد بالكتاب التوراة وبالحكمة النبوة { وآتيناهم ملكاً عظيماً } يعني فلم يشغلهم عن النبوة فمن فسر الفضل بكثرة النساء فسر الملك العظيم في حق داود وسليمان بكثرة النساء فإنه كان لداود مائة امرأة ولسليمان ألف امرأة ثلاثمائة حرة وسبعمائة سرية ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ إلاّ تسع نسوة ولما لم يكن ذلك مستبعداً في حقهم ولا نقصاً في نبوتهم فلا يكون مستبعداً في حق محمد صلى الله عليه وسلم ولا نقصاً في نبوته .