بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{أَمۡ يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ فَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ ءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَيۡنَٰهُم مُّلۡكًا عَظِيمٗا} (54)

{ أَمْ يَحْسُدُونَ الناس } أي أيحسدون الناس .

ويقال : بل يحسدون الناس يعني به محمداً صلى الله عليه وسلم { على مَا آتاهم الله مِن فَضْلِهِ } من النبوة وكثرة تزوجه النساء ، ويقولون : لو كان نبياً لشغلته النبوة عن كثرة النساء ، فيحسدونه بذلك .

قال الله تعالى { فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إبراهيم الكتاب والحكمة } يعني النبوة والعلم والفهم { وآتيناهم ملكا عظيما } فكان يوسف عليه السلام ملكاً على مصر ، وكان سليمان بن داود عليهما السلام ملكاً ، وكانت له ثلاثمائة امرأة حرّة سوى السرية ، قال مقاتل هكذا . وقال الكلبي : كانت له سبعمائة امرأة ، وثلاثمائة سرية ، وكان لداود عليه السلام مائة امرأة ، فلم يكن تمنعهم النبوة عن ذلك . ويقال : إن الفائدة في كثرة تزوجه أنه كانت له قوة أربعين نبياً ، وكل من كان أقوى فهو أكثر نكاحاً . ويقال : إنه أراد بالنكاح كثرة العشيرة ، لأن لكل امرأة قبيلتين ، قبيلة من قبل الأب ، وقبيلة من قبل الأم ، فكلما تزوج امرأة صرف وجوه القبيلتين إلى نفسه ، فيكونون عوناً له على أعدائه . ويقال : إن كل من كان أتقى كانت شهوته أشد ، لأن الذي لا يكون تقياً إنما ينفرج بالنظر واللمس ، ألا ترى إلى ما روي في الخبر «العَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَاليَدَانِ تَزْنِيَانِ » . فإذا كان في النظر وفي المس نوع من قضاء الشهوة ، فلا ينظر التقي ولا يمس ، فتكون الشهوة مجتمعة في نفسه ، فيكون أكثر جماعاً . وقال أبو بكر الوراق : كل شهوة تقسي القلب إلا الجماع ، فإنه يصفي القلب ، ولهذا كان الأنبياء عليهم السلام يفعلون ذلك .